الثقافة المصرية اليوم... صدام أم إهمال وتهميش؟
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
يتقلص حضور الثقافة في مصر، ويزداد تهميش مجموعة كبيرة من المثقفين تحت وقع الخوف والقلق من مطاردات الجهات المتطرفة في الجماعات الإسلامية، فيما يخضع المجتمع لحملة ممنهجة من التحريم والتكفير والإساءة للإبداع والفن.
القاهرة: تطرح أحوال الثقافة المصرية تحت حكم جماعات وتيارات الإسلام السياسي، الكثير من التساؤلات حول وضعها ودورها والتحديات والمشكلات التي تواجهها، فالمجتمع المصري يخضع الآن لعمليات ممنهجة من التحريم والتكفير والإساءة للإبداع والفن، تطالب بالتشدد والتطرف في رؤية وقراءة الأعمال الإبداعية شعرا أو رواية أو سينما أو فن تشكيلي، وتسعى للسيطرة عليها وعزلها، وذلك في الوقت الذي يتقلص فيه حضور الثقافة والمثقفين تهميشا وتحجيما وتعتيما تحت وقع الخوف والقلق من مطاردات متطرفي هذه الجماعات، وبقاء آليات عمل مؤسساتها على ما كانت عليه من ترد وانهيار، وضغط الأوضاع الاجتماعية المشتعلة بالغضب والنقمة، فضلا عن ذلك تحديات الكتابة نفسها وقدرتها على تقديم معالجات جديدة تستوعب آفاقها وأدواتها المتغيرات الجارية.حول وضع الثقافة المصرية وما تعانيه وتواجهه كان هذا التحقيق بحثا عن تقييم هذا الوضع ورؤية المثقفين للتغلب عليه والخروج منه.خلق مؤسسات بديلةيشبه الكاتب الروائي محمد بركة الثقافة المصرية الآن برجل عجوز يدخل سباقا للدراجات النارية ممتطيا صهوة جمل، ويقول "العالم يقفز للإمام بسرعة الضوء، جيل الشباب يشعل الدنيا غضبا وتمردا، ربيع الثورات العربية يستحيل خريفا قاسي الوطأة، كل هذا والثقافة محلك سر، لماذا؟ لأن من يقودها هم نفس الكهنة في معابد النظام القديم، الجيل الجديد يتلمس خطاه بحذر، جيل الوسط يشعر بالضياع، لم تنجح الثقافة في خلق آليات جديدة أو ابتكار وسائل مختلفة تستشرف أفقا ما، نفس المؤسسات الثقافية التي ترعرت في حضن الحرس القديم لا تزال مخلصة للبيروقراطية العتيدة، الشللية والتهميش والإقصاء لا تزال أمراضا مزمنة تبحث عن حل".ويرى أنه كان بمقدور المثقف أن يكون في طليعة شعب يتوق للحرية لكنه اكتفي بالانزواء بعيدا وتمضية الليالي علي مقاهي الثرثرة والنميمة، مؤكدا أن "الثقافة المصرية في مأزق حقيقي لأنها الآن بين سندان بوادر فاشية باسم الدين ومطرقة رموز نمت في أحضان العهد البائد..انظر مثلا لانتخابات التجديد النصفي لاتحاد كتاب مصر: هل هناك من يعول علي هذا الكيان لان يقود حركة ثقافية فاعلة.. لابد من خلق مؤسسات بديلة، لابد من خيال جديد يخلق حلولا لازمات النشر والمسرح والسينما الجادة، إن استمرار غلق المنافذ أمام طوفان الإبداع في الأدب والكتاب والتشكيل سيجعلنا نعيش الخمسين عاما القادمة وثقافتنا مثل عملاق حبيس مصباح، لكنه للأسف ليس مصباح علاء الدين هذه المرة". لحظة إحباطويأسف الكاتب د. ياسر ثابت لحالة الإحباط التي تمر بها الثقافة خاصة أنه كان الأمل معقودًا على صحوة ثقافيةٍ ما أو نقطة بداية جديدة بعد ثورة 25 يناير، تشمل الفن والأدب والسينما والمسرح، "لكن النتيجة بعد عامين من الثورة مخيبة للآمال."وينتقد الكتابة الإبداعية ويرى أنها تدور حول نفسها، "ولا نجد في المقدمة سوى الكتابة الساخرة، وبعضها متهافت وغارق في العامية أكثر مما هو سابح في فضاء الخيال الرحب. ويتنافس عن بُعد الأعمال الروائية، وهي على كثرتها تبحث لنفسها عن هوية أوضح وتقنيات أنضج تجعلها قادرة على المنافسة على الأقل عربيـًا. انظر مثلاً إلى مستوى الأعمال الروائية المصرية التي نافست في العامين الأخيرين على جائزة بوكر العربية".ويضيف "على المستوى الكمي، هناك جديد دائمـًا، لكن السؤال المُلح يتعلق بمستوى الجودة ومدى القدرة على الصمود كعمل إبداعي لفترات أطول. طبيعي إذن أن تزداد فكرة الشللية في الثقافة، في محاولة لتعزيز الانتشار، أو لضمان مكان ما تحت الضوء، في أمسية شعرية أو منحة تفرغ أدبية، أو جائزة للرواية.هناك أسماء تقاتل لإثبات وجودها، وهذا جيد.. لكنه غير كافٍ على الإطلاق لكي نقول بثقة إننا نسير في الاتجاه الصحيح. وبالمثل، أفلتت منا فرصة تقديم أعمال سينمائية راقية وناجحة للتعبير عن الثورة مثلاً، أو للكشف عن أوضاع اجتماعية مختلة في العهد السابق. طغى "عبده موتة" و"الآنسة مامي" على ما سواهما، العنف والضحك، بأسلوب سطحي مثير للشفقة".ويطالب د.ياسر بإعادة النظر في خطط الاهتمام بالإبداع الثقافي ككل، من أدب وسينما وفن تشكيلي، إلخ. مطلوب أن نقدم دراسات ونقيم ورشات عمل لدراسة فن الجرافيتي مثلاً، الذي ازدهر منذ انطلاق قطار الثورة، نحتاج إلى البحث عن المواهب ورعايتها، وتنظيم مسابقات أكثر نزاهة وجدية لمنح الجوائز لمستحقيها. يتعين أن نلمس جهدًا أكبر لرعاية الفنون البصرية، والأعمال المسرحية، لا أن نتوقف في مكاننا محلك سر ونتهم الأوضاع الجارية، ونشكو الظروف، التغيير الآن ثقافيـًا، أو يستمر التراجع الفكري والإبداعي إلى حين". معركة مفصليةوينطلق الروائي د.السيد نجم في رؤيته من أن الثقافة بحكم عناصر تكوينها وتشكيلها وليدة البيئة "بالمعنى الحديث للبيئة الذي يتضمن الجمادات والبشر"، وبينما هي هكذا تتشكل بالإضافة والحذف، هي في حاجة إلى زمن طويل كي ترسخ، هذا من جانب، وعلى الجانب الآخر هناك ثوابت للقيم المختلفة لدى الجماعة البشرية، وقيم ثابتة لدى الجماعات المختلفة، كل حسب خبراته الجماعية ومعتقداته الدينية وغيرها.ويؤكد انطلاقا من هذه الرؤية أن "ثوابت ثقافاتنا غير قابلة للزحزحة، وأن العوامل التي تعمل على الحذف والإضافة إلى ثقافتنا، هي فى الحقيقة طبيعية وعادية من حيث المبدأ. ويضيف "إلا أن هناك تجارب كبرى تمر بالشعوب هي في الواقع التحدي الحقيقي لتلك الثقافة، حيث تتسارع فيها ومعها المتغيرات المتوقعة في الواقع الثقافي في أي بلد من البلدان، منها تجربة الحرب وتجربة الثورة. والأخيرة هي التي تتفاعل معنا الآن في مصر، وربما في المنطقة العربية".وحول وضع الثقافة المصرية داخليا وخارجيا يقول "ربما التساؤل حول دور المؤسسات الثقافية ومدى فعاليتها مع رجل الشارع والمثقف داخليا، وحتى البحث فى الدور المصري الثقافي، وصورتها الثقافية خارجيا، وربما التساؤل حول دور المثقف الفرد ومدى فاعليته وتفاعله مع واقع الحال الآن، ذلك وقد تولدت المعارك الثقافية منذ ثورة25 يناير 2011، وأظن بل أنا على يقين أن تلك الثورة يجدر بها أن توصف بالثورة الثقافية "وهو ما بررته وتحدثت عنه فى كتابي "ثورة 25يناير.. رؤية ثقافية"، وما زالت تلك السمة الثقافية متجددة، حيث بدأت معارك ثقافية بعد أن تولى جماعة الإخوان المسلمين مقاليد الحكم، تبدو في بعدها السياسي إضافة مفاهيم ثقافية جديدة لم تكن تثار إلا داخل الجدران والغرف المغلقة، مثل "مفهوم رفض الآخر المتمثل فيمن يختلف فكريا معها أو عقائديا"، في مقابل الترويج لأفكار على اعتبار كونها من جوهر الشريعة الإسلامية والمتمثلة "في النظرة إلى دور وأهمية وتفعيل دور المرأة في المجتمع وغيره".ويؤكد د.نجم أن المشهد الآن يمكن أن يوصف بالمخاض لواقع ثقافي جديد، سوف تبدو معه ولفترة غير قصيرة قادمة.. تصارع فكرى تختبر معه كل الشعارات والمبادئ والأفكار. وكما كل المعارك المماثلة ثقافيا "لا سياسيا أو استخدام العنف المادي بها" سوف تنتهي إلى إدخال أفكار وزحزحة أفكار أخرى "لا يمكنني أن أتنبأ بطبيعتها" ولكنني أراهن على "المقاومة" الجادة الفكرية، تلك التي تتوقف على جدية المثقف بالدرجة الأولى، ولا أراهن على المؤسسات بالصمود طويلا".ويشدد على أن مثل تلك المعارك التي هي مفصلية في تاريخ الشعوب، لا حلول بالعنف الثقافي أو المادي، ولا رهان على سلطة.. لنختلف ولا نتعارك، نوظف الكلمة ولا نوظف المولوتوف، وليبقى الحوار كل من موقعة يحاول حتى يتشكل الوعي الجمعي الجديد القادر على المواجهة الأكثر فاعلية "أشير هنا أن حكم الفاطميين استمر 200سنة، ولم يتبع المصريين للمذهب الشيعي، كما أذكر بمقولة "عبد الناصر" ردا على تخوف البعض من انتشار الشيوعية بمصر أثناء بناء السد العالي، فقال "تعلم الروس شرب الحشيش ولم يعرف أهل أسوان الشيوعية". الصدام قادم ولا حلويوضح الكاتب والشاعر سمير درويش أنه فيما يتعلق بفعل الكتابة والتفكير والمشاركة الفعالة للأديب والمثقف في الحياة العامة ومحاولاته تطوير المجتمع الذي يعيش فيه، فإن الثقافة والآداب نشاط فردي، في الغالب، فهما لا يتأثران بما يدور حولهما، بل قد يتأثران عكسيًّا، ففي حالات الهزائم العسكرية مثلاً أو الأزمات الاقتصادية وحتى الحروب الأهلية، تجد الثقافة في أوج تحفزها، محرضة على المقاومة ومشاركة فيها بالكتابة والفعل. ويؤكد أن الثقافة والآداب هما النشاط الإنساني الوحيد الذي يتفوق فيه العرب وينافس به، فقد حصل أحد أدبائنا على جائزة نوبل دون أن يبرح مكانه.أما عن استفادة المجتمع من تلك الإسهامات بالشكل المطلوب، فيقول "إننا نعيش حالة تردٍّ منذ سبعينيات القرن الماضي، حيث تراجع دور المثقف إلى خلفية المشهد، فلم تعد الدولة تهتم به ولا تدعم إنتاجه، ولا تدعوه للمشاركة في صنع مستقبل الوطن، وقد تكثف هذا منذ وصول تيار الإسلام السياسي إلى السلطة في مصر، فمشروع النهضة- المزعوم- يخلو من أية إشارة إلى الثقافة والمثقفين، كذلك لم يذكرهما برنامج حزبه، الحرية والعدالة، كما خلت الجمعية التأسيسية للدستور- الأولى والثانية- من أي مثقف بالمقارنة بدستور 1954 الذي ضم عشرة مثقفين وكتابًا من إجمالي خمسين عضوًا في الجمعية، ناهيك عن أن الثقافة كانت هدفًا ثابتًا للهجوم وقت وجودهم في المعارضة، كما حدث في أزمة رواية "وليمة لأعشاب البحر" للروائي السوري حيدر حيدر، أو ما عرف بـ"أزمة الروايات الثلاث" وغيرهما، إضافة إلى التصريحات المتعاقبة لقادة هذا التيار في تحريم هذا العمل أو ذاك، وتكفير الكتاب والمثقفين، وأنا أرى أن القادم سيكون أسوأ، وسوف تحاول هذه التيارات تضييق الخناق أكثر مما سيؤدي إلى صدامات كثيرة تضر بالمثقفين، خاصة أنهم بطبيعة تكوينهم ضد الغلق والخنق والتضييق والتحريم، وأن الإبداع يستلزم فضاءً رحبًا لينمو".ويؤكد درويش أنه "لا حل لتفادي شبح الصدام القادم سوى أن تستوعب الجماعات الدينية الحاكمة الآن طبيعة الإبداع الثقافي والأدبي والفني، وهو ما أشك في حدوثه، والبديل سيكون مزيدًا من الإهمال والتهميش، خاصة أن تلك الجماعات لا تمتلك- لا الآن ولا تاريخيًّا- بديلاً ثقافيًّا يمكن أن يسد الفراغ، بل إنني أتصور أن الثقافة والإبداع الأدبي والفني سيشهدون نشاطًا أكبر وأوسع في ظل حالة المنع المتوقعة، خاصة أن المنع لم يعد ممكنًا الآن عمليًّا في ظل تقدم وسائل الاتصال والإنترنت، وفي ظل حالة التحفز التي يعيشها العالم ضد تلك التيارات المنغلقة".مؤتمر عام للمثقفينويرى الشاعر والكاتب عمارة إبراهيم أن الثقافة المصرية تمر بمرحلة التعري الذي أوضح نفسه تلقائياً بعد ثورة 25 يناير، ويؤكد "لم يستطع المثقف الرسمي تصحيح آليات خريطته وفق صحيح المنجز الثوري لأسباب كثيرة، منها أن معظم المثقفين المصريين انجرفوا خلف أبواق السياسيين، ونسوأ أنهم هم الأولي بقيادة المشهد القابل للتغيير، شرط التعامل علي أنهم كتاب فقط لا محترفو سياسة، وأن معظمنا من الذين يتأثرون بالمواقف دون وقفة العقل الذي يغلب عليه رد الفعل الصحيح دون غلبة العاطفة التي يتميز بها الشعب المصري دون غيره من عامة الشعوب، كما أن المناخ السياسي السائد ساهم وإلي حد كبير في التأثير الكلي علي المشهد الثقافي المصري".ويلفت إلى أن تردى وضع ودور الثقافة يرجع أيضا إلى سيطرة الكتاب الكبار علي مؤسسات الثقافة الرسمية، بما فيها النقابة الوحيدة لهم، ومعهم الشلل، والمرتزقة، والذين دخلوا أبواب هذه المؤسسات الثقافية من الأبواب الخلفية، ويقول "كل هذه الأسباب تسمح لكل مثقف ناضج يحمل أمانة الكلمة وضميرها إلي أن يقف وقفة واحدة مع نفسه، قبل أن يقفها مع الآخر لتصحيح آرائه، وأفكاره، ويقف المثقفون في مؤتمر أدعو له من الآن، يقام تحت منبر إحدى القنوات الفضائية، ننسي فيه الأيديولوجيات ونفكر فقط في خروج مصر من أزمتها الثقافية داخليا وخارجيا التي وضحت جليا في مشهدها السياسي الراهن".
التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف