ثقافات

عبر فيلم صامت يروي قصة زوجين تمنعهما الحرب والأولاد من لحظات حميمة

طرزان وعرب أخوان توأمان ينقلان غزة إلى مهرجان كان السينمائي

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

حمل شقيقان توأمان غزة إلى المحافل الفنية العالمية عبر فكرة بدأت حلمًا، إذ تمكن الغزيان محمد وأحمد أبوناصر من إيصال فيلهما إلى فرنسا ليتم ترشيحه في مهرجان كان، وانطلق فيلمهما الصامت من الواقع الفلسطيني عبر زوجين تردعهما الحرب وصراخ أولادهما عن العثور على لحظة حميمة.

من المعروف أن غزة ليست المكان الأمثل لصناعة الأفلام، فهذه الأرض الفلسطينية المحاصرة لا تفتقر فقط للتدريب والتعليم الرسمي لصنع الأفلام، بل أيضًا إلى صالات السينما، التي أغلقت كلها في أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات، بعدما امتدت موجة من المحافظة الدينية على قطاع غزة.

هذه العقبات لم تمنع الأخوين محمد وأحمد أبوناصر من ملاحقة حلمهما، فتمكن الشابان الملقبان بـ "طرزان وعرب" من صنع فيلم قصير مدته 14 دقيقة بعنوان "كوندوم ليد"، وهو أول فيلم فلسطيني قصير يتم ترشيحه في مهرجان كان السينمائي.

"لقد حاولنا زراعة الثقافة السينمائية في غزة على الرغم من الصعاب الواضحة"، يقول طرزان لصحيفة الـ "إيكونوميست"، الذي غالبًا ما يقاطعه شقيقه التوأم أو يكمل كلامه. ويتشارك معه التوأم أبو ناصر الشكل الخارجي والذوق في اللباس أيضًا، مثل قلائد الخرز والأحذية الرياضية المهرّبة من مصر إلى غزة عبر الأنفاق.

صمت الواقع
"كوندوم ليد"، الذي تم عرضه للمرة الأولى في القدس ورام الله في وقت سابق من هذا الشهر، يستوحي اسمه من "كاست ليد"، أي (عملية الرصاص المصبوب)، التي أطلقتها إسرائيل على هجومها على غزة في العام 2009.

الفيلم الصامت يحكي قصة زوج وزوجة يحاولان العثورعلى لحظة حميمة، وسط القصف وصراخ أولادهما. ويتناول الفيلم الحرب من خلال مقاربة مغايرة لمشهد الموت والقتل، ويصوّرها من خلال حميمية الزواج في ظل الحرب.

الفيلم خال من الحوار والموسيقى ويعتمد على الضوضاء والصور الخلفية ليصف ما قد تؤول إليه مشاعر رجل وامرأة تحت الحرب. وجاء الفيلم تحت شعار "حلم بالأمل والألفة والحب في عالم يسوده القسوة والانقسام".

أما لمن يعتقد أن الفيلم هو عبارة عن مشاهد جنسية أو إيروتيكية، فيقول طرزان وعرب إن هدفهما مختلف كليًا، وهو التعبير عن التوق الأساسي إلى الحماية والأمن والحب.

عرض الفيلم في رام الله في مركز القصبة للفنون الذي يعرض الأفلام والعروض الراقصة والموسيقى والمسرحيات، كجزء من مهرجان الفيلم الفرنسي العربي السنوي، بدعم من الحكومة الفرنسية.

يراعي الآداب العامة
الحضور كان مكتملًا في الصالة لحظة عرض الفيلم، على الرغم من أن البعض قد فوجئ بموضوع الفيلم. لكن اتضح بعدها أن "كوندوم ليد" لا يحتوي على مشاهد تخدش الحياء، إذ تتم الإشارة إلى العلاقة الحميمة للزوجين مع ضوضاء في الخلفية (الصوت المستمر للطائرات) وبعض الصور الحية، مثل تلامس أصابع القدمين، التي تعكس عاطفة وإحباط الزوجين تحت التهديد المستمر للحرب.

نظرًا إلى تمويله المحدود، عانى طرزان وعرب من مشاكل إنتاجية وعراقيل عدة، ليس أقلها انقطاع التيار الكهربائي المستمر في غزة، والتحدي للحصول على تصاريح من الحكومة التي تقودها حماس. وكان الارتجال هو الخيار الوحيد لهما، إذ كانا يتوجّهان إلى مقاهي الانترنت عندما تنقطع الكهرباء في منزلهما لاستكمال العمل على إخراج الفيلم.

في ظل الحصار المفروض على منطقتهم الساحلية المحتلة، حاول طرزان وعرب جلب عالم السينما إليهم، فاعتادا مشاهدة الأفلام المقرصنة لمخرجين من روسيا وفرنسا وآسيا، وتأثرًا بكل من برنارد وبير تولوتشي وأندريه تاركوفسكي وإنغمار برغمان.

محاولتها الأولى لدخول عالم السينما كانت في العام 2010 عندماعملا على تصميم سلسلة من الملصقات عن أفلام يحلمان بتصويرها لو كان بمقدورهما. وأطلق الشابان على هذا المشروع اسم "غزة وود" أسوة بـ "هوليوود"، وكانت عناوين الأفلام التي طبعت على الملصقات مستوحاة من الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة، مثل "مطر الصيف"، "غيوم الخريف"، "الدرع الواقي" و"الرصاص المصبوب".

غزة وود
يقول عرب: "غزة وود كانت محاولة لكسر خوفنا من صناعة الأفلام التي كانت بعيدة عنا. كان بإمكاننا أن نخدع أنفسنا بالملصقات ونرضى بها، لكن الحقيقة هي أن هذه الملصقات كانت تروّج لأفلام لا وجود لها سوى في أحلامنا. أردنا ما هو أكثر من ذلك".

الرغبة في المزيد هي التي دفعت الأخوين أبو ناصر إلى تحويل واحدة من هذه الملصقات الساخرة إلى فيلم قصير حقيقي من سبع دقائق، بجهدهما الخاص في الكتابة والتمثيل والتصوير والإخراج.

الفيلم كان بعنوان "رحلة ملونة"، وعرض في أربعين دولة، لكن عرب وطرزان لم يتمكنا من حضور العرض الأول لفيلمهما في لندن، إذ لم يسمح لهما بمغادرة غزة. لكن في عام 2011، تمكن الشابان من السفر خارج القطاع للمرة الأولى، حيث حضرا العرض الخاص لفيلمهما في أوستن، تكساس. وأتيحت لهما الفرصة أيضًا بالدخول إلى صالة سينما للمرة الأولى، ومشاهدة أحد أفلامهما المفضلة على الشاشة الكبيرة، وهو فيلم "صرخات وهمسات" لبيرغمان.

"صنع في فلسطين"
وفي وقت سابق من هذا العام، شارك عرب وطرزان في تأسيس شركة إنتاج تدعى "صنع في فلسطين" جنبًا إلى جنب مع راشد عبدالحميد، وهو منتج فلسطيني وممثل أدى دور الزوج في فيلم "كوندوم ليد".

ونظرًا إلى الميزانية المحدودة، صوّر الثلاثي هذا الفيلم في يوم واحد فقط، وعملوا على المونتاج والتقطيع لثلاثة أيام، ليقدموه قبل بضعة أيام فقط من بدء فعاليات مهرجان كان.

"لقد حلمنا دائمًا بالذهاب إلى مهرجان كان"، يقول طرزان وعرب، معربين عن سعادتهما بأن الأفلام من غزة لديها الآن مكانة على الساحة السينمائية الدولية.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف