"الشيخ" لإبراهيم محمد النّملة: التحولات الكبرى في المجتمع السعودي
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
أخذ الأدب السعودي مساحة واسعة على خارطة الأدب المكتوب باللغة العربية ، و تجاوز بحضوره الإشارات المحتشمة إلى وجوده، فجأة إكتسح قوائم الإصدارات، و رفوف المكتبات، و أصبحت الأسماء السعودية التي تكتب الرواية يصعب إختصارها في مقال مقتضب كهذا، هناك أسماء نعرفها و أخرى لا نعرفها، صحيح أنّ الأدب النسائي الجريء هزّ المشهد الثقافي السعودي مثل الزلزال القوي، و لكنه هزّنا جميعا، فقد كنّا نظن لعقود أنّ المرأة السعودية هي تلك المرأة التي تتغطى بالسواد و تعيش في القصور كالجواري، كنّا تماما كالأرنب الذي ظن أن السلحفاة لن تسبقه أبدا بسبب ثقل قوقعتها و نمط حياتها البطئ.
الأسماء القليلة التي عرفناها أمثال الراحل غازي القصيبي، و قِلَّةٌ آخرين ظلّت نموذجا استهلكناه إلى درجة فضحنا فيها جهلنا بنمو غابة من الكتب في جزيرة النفط .إبراهيم محمد النّملة ينتمي لمجموعة أخرى من الكتّاب، الذين لم يدخلوا دائرة الصّخب، و لكنّه مثابر على المضيِّ في تجربته الإبداعية بتنوُّعها. كتب القصة، و الشعر، و الخاطرة، و الرواية، و له عشر مؤلفات إلى الآن، آخرها روايته " الشيخ" التي صدرت عن دار السّاقي، و لكني قبل هذه الرواية قرأت له، كتابه " أحبتني من أجل غيري" ( منشورات المؤسسة العربية للدراسات و التوزيع)، كما قرأت له " شكوت نفسي"، و "بكاء عمّي"، و " عائلة تحمل إسمي" ( كلها صادرة عن دار السّاقي- بيروت) و " تفاصيل" (صادر عن المؤسسة العربية للدراسات و التوزيع).أعتبره كاتب قصة من الصّف الأول، مُلِمُّ بتقنياتها، يعطي النّص حقّه بإختيار فضاءات تناسب تماما شخصياته. ليس بالكاتب الذي يُقشر الواقع بلغة جارحة، و مع هذا فهو يكشف الغطاء بهدوء عن عيوب مجتمع تعوّد أن يعيش الإزدواجية ، أو بمعنى آخر بوجهين كلاهما يغطيه قناع.في روايته " الشيخ" يحكي النقلة الإجتماعية للمجتمع السُّعودي، و يصف من خلال مجموعة من الأفراد يجمعهم فضاء قرويّ بسيط كيف نشبت الحرب بين شيخ الأموال و شيخ الأخلاق، و كيف اشترى المال الذمم و تلاشت بساطة القرية و ذابت في التبعية العمياء .نعم تبدو القصّة ساذجة من أول وهلة، و لكنها بعد صفحتين من القراءة تتحوّل إلى أحجية معقّدة، فيها شيء من أساطير مجتمعاتنا العربية ، شيئ يشبه القرى المشيّدة في رؤوسنا، و الأرياف النائية التي لم تصلها الحضارة، و لم تصلها الكهرباء و لكنّها تسكننا في الداخل.كل أبطال " النّملة" أبطال سلبيون في الغالب، مُرَيّفون و مزيّفون في الوقت نفسه، هم هذا النّمط من الناس الذين يعشش التخلف في أدمغتهم، و يعتبرون إمتلاك سيارة تقدما أمّا ارتداء البدلة الإفرنجية فهو تقليد للغرب...مسلسل من المتناقضات يفرده الكاتب في روايته الصغيرة على مساحة قرية صغيرة أيضا، لكنها الخليج بأسره، و هو ينزلق في فخ المدنية المزيفة، و الصراعات التي تقوم أساسا على سلبية الفرد نفسه تبدأ من القحط الذي يضرب تلك البقعة من الأرض، و الإستسلام الكامل لقدر مجهول، دون تحريك ساكن لإنقاذ الأرض و من عليها.فمن يقرر الهروب للمدينة يهرب، و من يبقى ينتظر غيث السماء يلجأ في الأخير لبيع الأرض ليعيش...شخصيتان بارزتان في الرواية هما قطبا الخير و الشر تصنعان أحداث الرواية بشكل تصاعدي، و هما الشيخ مرزوق ( الخيّر) و سعيد النّخال ( الشرير) و كلاهما يقدمه الكاتب بشكل لائق و جميل في البداية، ثم يكشف عن شخصيته " الشريرة" أقنعتها شيئا فشيئا، إلى أن يستولي هذا الأخير على الأراضي التي يريدها، و يتحكم في أهل القرية كما يريد، و ينتهي بقتل الشيخ مرزوق.هناك إشارات عميقة إلى أن ما ضاع في البؤرة البشرية في الفضاء السعودي لن يعود، و لكن ربما هذه القراءة مجحفة لواقع مفتوح على إحتمالات عدة. فالكاتب له نظرة سوداوية في الغالب نحو ما يحيط به، هناك حجم ضخم من الألم في كتابات " النّملة" نجده في كل نتاجه، و لكنه مبالغ فيه ربما في روايته " الشيخ" ، و حتى و إن وجدنا كمّ التشاؤم موجود في نصوص سعودية كثيرة، فإن الرواية التي تقوم على قراءة الماضي لإستنتاج معطيات الحاضر، تحتاج لتغذية صحية، لتقديم حلول لهذا الحاضر البائس...و لا أظن أن الركيزة الأساسية للرواية يجب أن تكون دوما قاعدة من معطيات الماضي، يمكنها أن تكون قائمة على نظرة بعيدة و سديدة لمستقبل لا يزال ممكنا صناعته بأيدينا، و إطلاقه من خلال رواية تروي " عصر ما بعد الشيوخ" ..تراه كيف يكون لو استمرّ الكاتب في كتابة جزء ثانٍ لروايته على هذا الأساس؟الشيخ رواية صدرت عن دار الساقي ببيروت مطلع 2013 .التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف