العراق يودع سيد الضوء والحرف.. ناظم رمزي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
بغداد:رحل فجر يوم الاحد الثامن من ايلول / سبتمبر 2013 الفنان العراقي الكبير ناظم رمزي في مدينة لندن التي اغترب فيها منذ سنوات طويلة، عن عمر يناهز الـ 86 عاما، والراحل يعد من اشهر الشخصيات العراقية في تطوير فن الطباعة وحروف الطبع والفوتوغراف والفن التشكيلي في خمسينيات وستينيات وسبعينيات القرن الماضي وظل متواصلا في اعماله في العراق على الرغم من غربته، كما اسهم في في توثيق حياة الفنانين العراقيين والحياة الاجتماعية العراقية ووثق لكل مكونات الشعب العراقي.وقد نعاه صديقه الفنان فيصل لعيبي على صفحته على (الفيس بوك) بالقول انه يعد واحدا من رواد التنوير والمدنية في العراق، وخاطبه قائلا : ستبقى بصماتك على اديم الثقافة العراقية المعاصرة علامات مضيئة للقادمين ياأبا خالد الرائع والكريم.
وناظم رمزي (المولود عام 1927) في بغداد من عائلة كردية تنحدر من محافظة السليمانية، عرف بروعة فنه في تصميم المطبوع العراقي وجهوده المميزة في التصوير الفوتوغرافي الذي برع فيه، غادر العراق وتعرض بيته للسرقة وتعرضت اعماله للنهب، وعن ذلك يقول : بلغني وانا في لندن عام 1998 ان احد ابناء مسؤول كبير في الدولة قد استولى على دارنا في المنصور مستعملا وثائق مزورة راجع بواسطتها دائرة الطابو بغية بيعه.. وعلى اثر اتصال هاتفي من الجيران حول هذا الامر تمكنا وبمساعدة بعض الاصدقاء من احباط المحاولة،ولكن بعد ان تم نهب محتويات الدار وكافة الاجهزة والافلام الخاصة التي كنت قد صورتها للفنانين والاثار وللواقع الاجتماعي في العراق , اضافة الى مكتبتي التي تربو على الالف كتاب ومجلة وموسوعة، سمعت ان قسما منها قد بيع على ارصفة الشوارع، حتى اوراقي ووثائقي الشخصية لم يعد لها وجود.
ناظم رمزي في ذمة الخلود
بقلم خالد السلطاني
غيب الموت اليوم 7 ايلول 2013 في لندن، الفنان العراقي المعروف ناظم رمزي (1928-2013)، صاحب الابداعات المتنوعة، فهو مصور فوتوغرافي، ومصمم فني، ورسام، واحد اهم المختصين في الطباعة في عموم المنطقة العربية. اصدر عدة كتب خاصة بالشأن التصويري، مثل "العراق: الارض والناس" (لندن، 1989)، و"من الذكرة" (بيروت، 2008)، وكتاب "العراق: لقطات فوتوغرافية لبعض ملامح الحياة في القرن العشرين" (بيروت، 2009). واخيرا كتابه "جولتي مع الكاميرا"، الصادر (2010)، عمان/ الاردن. في احدى كتاباتي عن كتبه قلت عنه مرة: "يسبغ النقاد على الشعراء صفة lt;الرائيgt;؛ الرائي، الذي بوسعه ان "يرى" ما لا نرى!، وان يستشف في العادي والمألوف، حدثا غير عادي وغير مالوف. من هنا ميزة وتميز ما يقول، رائيا ومستشرفاً الابداع في الكثير بما يحيطنا وما يشكل بيئتنا، مثيرا دهشتنا لما يقدمه لنا من رؤى و..رؤيا. وصفة الرائي بمواصفاتها تلك، يمكن لها ان تنعكس، بسهولة، على ابداعات "ناظم رمزي" المصور الفوتوغرافي المعروف، تلك الابداعات "الرائية" والمدهشة والتى بمقدورها ان تجد وتكشف لقطات ابداعية عالية الفنية في الاماكن العادية نتفاجئ كيف اننا لم يتسنِ، سابقا، رؤيتها. لقد انجز الفنان عددا كبيرا من تلك اللوحات المبدعة على مدار مسار حياته العملية الطويلة. وقلت ايضا "ثمة اهتمام كبير يوليه ناظم رمزي الى بيئة المدن المصورة ومفرداتها العمرانية المتنوعة: شوراعها ومبانيها وتفاصيلها العديدة المؤثثة لفضاء تلك المدن. لكن الاهم في ذلك هو حضور الانسان فيها، الانسان بكل حالاته. ونادرا ما تخلو صوره عن وجود انسان. (في كتابه الاخير، احصيت ست صور فقط من مجموع صور الكتاب المنشورة التى تفتقد حضور القوام الانساني فيها!). ثمة دلالات ترمز الى اهتمام الفنان ببنى شخوصه الملتقطه. فهو متعاطف لفرحهم وترحهم، ومشارك في تجمعاتهم كما انه شاهد امين على تنوع امزجتهم وتعدد مظهرهم المثقل بالايحاءات. من هنا يتعين فهم طبيعة "الرسالة" التى يود ان يبعثها الفنان/ المرسل الى المتلقي. فحالات مدنه من حالات شخوصها؛ هم الذين يمنحوا صفة الحيوية والانتماء والالفة اليها. لقد لاحظ احد النقاد المعماريين مؤخرا، بان تخطيطات المشاريع المعمارية المعاصرة، المشغولة آلياً، تخلو من وجود لرسوم الناس، الذين كانوا في السابق، جزءا لا يتجزأ من مفردات مخططات المشروع المقترح. فبهم يمكن التعرف على مقياس المبنى وتحديد مقاسات عناصره، كما ان حضورهم يضفي على اللوحة المرسومة احساسا بانتماء المبنى لهم ويؤكد علاقتهم به. ويتساءل في الاخير، هل من ثمة دلالة مقصودة بخلو لوحات المشاريع المعمارية من حضور الناس فيها؟ هل ان ذلك الخلو كناية عن "غربة" العمارة المعاصرة عن متلقيها او حتى مستخدميها؟ ولعل نوعية اللوحات الفوتوغرافية المشغولة من قبل رمزي، المسكون باحساس الالفة والانتماء وعدم التغريب، يمكن لها ان تشكل صيغة جواب عن مثل ذلك التساؤل المطروح."
في حديثي الهاتفي مع ناظم رمزي، مؤخرا، حاولت ان اذكره بقيمة المنتج الفني الذي ابدعه طيلة سنين حياته. بيد انه تحدث بصعوبة وبتواضع جم عن انتاجه وضرورة ان يعرف الاخرون عنه، ذلك النتاج المهم الذي ماانفك معظمه محصورا في كوادر اشرطة افلامه العديدة. المخزونة في بيته اللندني حيث يقيم منذ سنوات. لم تسنح لي الفرصة، في تلك المحادثة الهاتفية التى اجريتها مؤخرا معه، ان احدثه عن قيمة ذلك المنتج والان يمقدوري ان اقول له
ايها الفنان العزيز، لقد ارسيت بنشاطك واهتمامك، واسست بجهدك جنساً ابداعياً، اثرى خطاب ثقافتنا واغنى ذائقتنا الفنية بجماليات مميزة. نحن ندين لك بهذا. واعيد، هنا، مرة آخرى، ما كتبته عنك، محتفيا بنشاطك وفنك، رائيا فيه ردا مقنعا عن تلك التساؤلات التى اثرتها: " ... ولئن كان البعض الان كما في السابق، لم يقدّر ولا يعير اهمية لطبيعة الثروة المعرفية التى تمثلها تلك الصور للعراق ولتاريخه.. ولمستقبله ايضاً، فان ذلك يدخل في باب الجهل والتجهيل الذي ابتلى به البلد على مدى عقود كثيره. وسيأتي يوم، عاجلا ام آجلا، يقرّ به العراقيون، ولا سيما الباحثيين والمصوريين على وجه التحديد، بالدينّ الذي "لرمزي" عليهم".
وداعاً، ايها الفنان المبدع، وداعا ايها الفنان العراقي "المهجر". سيظل عطاؤك ومنجزك هاما ومقدراً.
وداعا ايها الصديق العزيز! ان ذكراك ستظل حاضرة دوما في قلوب محبيك واصدقاءك!
معمار واكاديمي
يقول عنه محمد سعيد الصكار : ناظم رمزي، لا يوحي هذا الاسم المبارك بأي انتماء عرقي أو ديني أو طائفي؛ بل ربما كان أقرب لأن يكون إسماً مسيحياً،لكنه لم يكن كذلك؛ فقد كان عراقياً كردياً مسلماً، لم يكن همه من يكون سوى (رمزي)؛وبهذا الإسم دخل دفاتر عدة تواريخ كان له فيها الحضور البهي. فهو المصور الفوتوغرافي المرهف، والرسام الذي يبدع بصمت وبدون استعلاء، ورسام الكاريكاتير الحاذق، ومؤسس أكبر دار عصرية للطباعة في العراق، ومصمم الكتب والمجلات والملصقات والإعلانات، والخطاط، ومصمم الحروف الطباعية، والباحث الدؤوب عن الجمال في كل ما مارسه من فنون، والأجمل من كل ذلك، ما كان له من علاقات حميمة بمثقفي تلك المرحلة ولحقها من أدباء وفنانين ومعماريين ورسامين وخطاطين، وكانت كل ممارساته تتسم بالريادة والتجديد، وكان لشخصه الودود المتواضع، ذلك الحضور الأنيق في ذاكرة كل من تعرّف عليه.
وحسب الذين يعرفونه وكتبوا عنه فهو : فنان متعدد المواهب، رسام، خطاط، مصمم ومن اشهر المصورين الفوتوغرافيين في العراق. ينحدر من مدينة السليمانية , وانه كان يمتلك مطبعة رمزي التي تقع على طريق معسكر الرشيد،والتي هي أفضل المطابع العراقية , وتتكون من ثلاثة أقسام هي : الورشة الفنية ويديرها ناظم رمزي، ويعمل معه في التصميم والإخراج فنانون تشكيليون معروفون مثل صالح الجميعي وهاشم سمرجي،ويلتقي فيها اغلب الفنانين التشكيلين الكبار مثل إسماعيل فتاح الترك، وأدباء وشعراء كان على رأسهم شفيق الكمالي الذي يرأس تحرير مجلة " آفاق عربية " التي تصدرها وزارة الثقافة والإعلام وتطبع في مطبعة رمزي، والقسم الآخر المالي بإشراف المحامي مهدي علي زيني، والمسئول التنفيذي النحات مكي حسين مكي،ثم المطبعة بإدارة احد أفضل الطباعين في العراق (مريوش).
وفي الكتاب الذي اصدره وحمل عنوان (من الذاكرة)، يقول جاسم المطير : في بدء سطور ذكرياته أن فكرة كتابتها تبلورت عنده عام 1986 ثم سافر إلى لندن، مهاجرا من بغداد المحببة لديه بعمق شديد، منشغلا في أول إقامته فيها بمتابعة نشاطه الفني والطباعي وقد زرته شخصيا في الأستوديو، الذي أسسه هناك مرتين في عامين متعاقبين في نهاية الثمانينات وجدته فيهما منكبا على انجاز عملين مهمين : الأول هو انجاز كتاب مصور عن العراق، تتوفر عندي نسخة منه استعارها، ذات يوم، الفنان التشكيلي المقيم في لاهاي ( فاضل نعمة ) وعندما أعاده لي وصفه بقوله ( انه كتاب فني متميز في تصوير دفق الحياة العامة للإنسان العراقي ). بالفعل لم يكن هذا الكتاب مجرد صفحات مصورة، بل كان توثيقا فوتوغرافيا كفؤا لنماذج مصغرة عن مجتمع متعدد الأعراق مسكون بظلم الفقر والمرض وبيروقراطية العهود الحاكمة المتعاقبة.
ويضيف المطير : كانت طفولة ناظم رمزي، كما بدا لي، من أولى صفحات كتابه، طفلا متمردا على بعض عادات والده، الموظف في وزارة الداخلية برتبة مدير ناحية. كان (الأمر) الأبوي يستفزه، لكنه يلتزم (الصمت) في البيت احتراما وتقديرا للعلاقة العائلية. ذلك (الصمت) ينعكس عليه في أستوديو العمل، فهو ينجز الكثير والوفير من الأعمال الفنية بـ(صمت) حتى أني وجدت في بيته ببغداد ولندن وفرة من اللوحات مكومة بعضها فوق بعض من أرضية غرف البيت حتى سقفها تحتاج إلى كثرة من المعارض كي تتوفر رؤيتها للآخرين من الفنانين والنقاد. كذلك نجد (صمته) خارج البيت علامة من علامات إصغائه لكلام (الآخر) مادحا له أو ناقدا لأعماله، ارتبط مع عدد من أصدقائه في المحلة والمدرسة حتى نشأ من (الصمت) في سلوكه وأعماقه نوع من التحدي والتمرد، كأنما أصبح منذ طفولته كيانا مستقلا، يريد دائما ضمان استقلاليته في اتخاذ القرار. كان والده بالضد من هوايته الأولى (الرسم) لكن (الابن) ضاعف قدرته الإبداعية بالرسم سرا، في (ليل البيت ) وفي (خارج البيت) في إعلانات الصحف. التحدي دفعه، أيضا، منذ الطفولة إلى نوع بدائي من الاستقلال المالي عن والده، فراح متوجها بالتغلب على حاجته المالية لشراء مواد وقرطاسية الرسم، بابتداع وسائل كفيلة بتحقيق غاياته. نجح في ذلك حين أوجدت طفولة التحدي والمغامرة والمشاكسة واقعا حيا، وعمليا، وجادا.
اما المعماري خالد السلطاني فقال عنه : نعرف بان "رمزي" (وهو اسم الفنان الثاني الذي غلب اسمه الاول، وبه يُعرف ويناديه، تحبباً، جميع اصدقائه ومعارفه)، يمتلك ارشيفا مهما ونادرا للقطات صوّرت العراق ابان نصف قرن تقريبا من تاريخه، بدأت من نهاية الاربعينات وحتى التسعينات، وهي لقطات نادرة لامكنة تغيرت معالمها ولرجال عاشوا وعملوا على اثراء منتج المشهد الثقافي بارض مابين النهرين، انها في الاخير لقطات ذاكرة العراق التى لا تنسى، والتى "إجتهد" غير قليلين في تغييبها واقصائها، لكنها ستظل، وبفضل جهد كثر، بضمنهم عدسة فنه المميز عصية على المحو والنسيان. ولئن كان البعض الان كما في السابق، لم يقدّر ولا يعير اهمية لطبيعة الثروة المعرفية التى تمثلها تلك الصور للعراق ولتاريخه.. ولمستقبله ايضاً، فان ذلك يدخل في باب الجهل والتجهيل الذي ابتلى به البلد على مدى عقود كثيره. وسيأتي يوم، عاجلا ام آجلا، يقرّ به العراقيون، ولا سيما الباحثيين والمصوريين على وجه التحديد، بالدينّ الذي "لرمزي" عليهم.
كما قال عنه الفنان والناقد الفوتوغرافي فؤاد شاكر: ناظم رمزي يشكل حلقة من أهم الحلقات في فن الفوتوغراف حيث عمل رمزي على حياة الإنسان والمهن حاملا كاميراته إلى الهم الإنساني الكبير وصور أغلب مفردات الحياة العراقية من الشمال إلى الجنوب ومن الغرب إلى الشرق وحقق في هذا الجرد التصويري صورا رائعة عن حياة الإنسان.
ليس لنا في الاخير سوى القول : ليرحمك الله ايها الرجل الكبير والفنان المبدع، ولتخلد روحك الى السلام.