حامد بن عقيل: "فندق الملك داؤود: شهوة الفناء"
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
1
في حياة ليست ملائمة، يشبهني فندقٌ مقدسيٌ صغير بملاءات مشجّرة وذات ألوان غريبة. أنا كحديثي الولادة أحتضن وطنا في عقلي، ممزقة تلك الممرات التي أعبرها نحو النضج، يمرّ بغرفاتي المبعثرة كثيرون، لكن أحدهم يبقى. كانت تقول أمي: سيمر بقلبك غريبٌ يعلّمك بؤس الإنسان والضياع، لا تحفل به. وتضيف: حافظ على رباطة جأشك أمام البندقية، فـ الرصاص صامتٌ رغم كل شيء. غريبٌ يشبه مساء فاتناً هو كل ما أدركتُه الآن، وكان يردد: المعتقلات في بلادك كثيرة، وأنتَ جُدري.
2
من يُشبه سكّيرا يلقي موعظة باهتةً يشدني نحو المعرفة، ثلاثة رجال يطوفون بي الآن ليباركوا غرقي. لم أعد كما كنت، وهذه اللعنات التي في يديّ لا تخصني، لن ألقيها على حقول الذرة في قريتنا، إنها مسبحةٌ لا أكثر وطاحونة مشؤمة يؤمها فقراء أدمنوا السبات في ظلها. هذه اللعنات مجهولة لا يد تحملها سواي. يحدث في مدينتنا الصغيرة أن يصحو مسنٌّ وهو يهتف: لقد حلمتُ بفتاة عذراء ومواعظ لا نهائية.
في قريتنا القديمة من النادر أن تجد ظلالا لشجرة يمحوها النسيان شيئا فشيئا، أو أن تستمع إلى ترتيلة مقدسة أصابها السُّل كما يحدث في القرى المجاورة. ما أتذكره الآن يجعلني أعود للغرق بكامل ما في قلبي من لعنات.
3
للرجوع بوابة لا أحتمل عويلها
للرجوع وجوهٌ كأفاعيَ رقطاء أسميها أصدقائي الطيبين.
4
في الفنادق الصغيرة، حيث الروائح والأساطير المخبأة في أطر النوافذ؛ وحيث الدفء العالق في أرضيات تتسخ بدأب، في تلك الفنادق المظلمة تجلس روحي: البلاد التي أراها الآن لا تشبه طفلاً تعلمتُ منه الحقد وكتابة القصائد، بلادي آخر ممر يفضي إلى الويلات، وأنتم أيها العبور الكثيف لن تقنعوني بالمزيد من الرغبة كي أنسى.
5
ما يفعله يهود العالم؟.
الأخير أعلن عن وصوله بضربة من عصاه على أرض رخامية، نظر في جميع الاتجاهات ثم قدّم أوراقا مزيّفة لموظفة الاستقبال. كانت قدمه مبتورة وعيناه تتراقصان في الفراغ. يتحدث اليهود عادة عن اتجاه الرياح، والفتيات، والبورصة. يصمتُ مكان في هذا العالم على وقع ديون معدومة يتبعها شيخ يدخن الربا باستمرار ويقول كلاما لا أفهمه عن الرأفة. في هذا الفندق حكايات منقوصةٌ عن شعوب يهدها الجوع والكذب، ما تصنعه الأكاذيب يبدو ملائما لإنسان هذه الأرض حتى يشعر بالأمل، ما تصنعه الخديعة يفوق الوصف، حتى وإن أضفتَ مزيدا من الجثث لقادة مخنثين تحمل صدورهم المتورمة نياشين من دماء. يقف يهودي ضئيل الجسد في استقبال الشيخ الأعرج، ثم يصعدان نحو حثالة يشربون التعاويذ في الأدوار العليا.
6
الدم يشبهني كثيراً عندما لا ينزّ بشهوة لقيطة. في مساءات كثيرة تصبحُ المؤامرة شعباً يغذي نشرات الأخبار. لا تملّ القلوب من مشاهد عريها الآدمي الذي لا ينضب، لا تنفجرُ قنبلة في جذع طفل دون أن تصعد مؤشرات البورصة نحو المزيد من القتل. قليلون من تفتنهم مواعظ أسلافهم. أما الرعيّة فإنهم يترددون دائماً على وحل مألوف. في حياة ليست نهائية يدمن الخبيثون تداول الأحاديث أمام شاشات التلفزة المحايدة. كلما انهمرت مشاهد التهجير في بلادي تبعها خبرٌ عن عارضة أزياء هجرت حبيبها الشاذ، وكلما انغمس المشاهدون في وجع إنساني خرج عليهم من يحدثهم عن الألفية السعيدة.
7
أنا الآن أشبه فندقَ داؤود
حيث تعمُّ الفوضى
ويصبح القاتلُ مناضلا والضحية أحجية.