ثقافات

ملكون ملكون: ثلاثية التراب و الغياب

-
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك


1
لاشيء يحضرني من تلك البلاد... ربما كل شيء يهرب منها كفأر مذعور... ربما ما تبقى فيها قليل لا يوحي بالجذور... ربما كان علينا ان نحرس غفوة الراقدين فباتوا يحرسون بغفوتهم فرارنا، و يحمون ظهرنا و نحن ننسحب بخوف...
كل شيء يتضاءل هناك.....
الناس.... الحياة.... اللهاث...
كل شيء بقي هناك...
أبي.... أمي... و التراب...
ربما كان علينا أن نقرأ الحياة من جديد، لكن من يلقننا تفاصيلها و دروسها....
من ثلاثي التراب و الغياب... تعلمت أن الحياة ممكنة مع الوجع، و أن الحنين أوجع من غدر طلقة، و أن الغربة التي سكنت بيتنا أصبحت عتيقة مثله، و أن شقيقاتي اللواتي ارتدينا عباءة الغربة لم يغادرن الألم بل سكنوا عمقه، و ان ساعي البريد لم يكن سوى فرحة مبتورة، و ان رنين الهاتف لم يكن سوى لهفة مخنوقة، و ان حوش بيتنا بات أكثر برودة مع كل أقدام جديدة تغادره، و ان خابية الماء فيه لا تنّزُ ماءاً صافياً بل دموعاً مالحة، و ان أغنية حزينة في ليل شتائي لا تهدهد الاسّرة بل تخطف النوم منها....

2
من غيهب الموت اختاروا الحياة، لكن لغيهب الموت مضت معهم الحياة.....
تركونا فجأة بلا ظل... قامة منكسرة... و انتظار يشيخ... و عندما عبثت العاصفة بايامنا لم نجد مأوى يحمينا... كان دفئهم قد تلاشى... و طيبتهم قد وريت الثرى... و دموعهم قد جفت...
عند حدود موتهم بدأت رحلة ذلنا و هواننا، و أصبحت خطواتنا خبط عشواء... متعثرة... مرتبكة، لأننا لم نتكئ على بساطتهم و حكمتهم، بل سقطنا في وحل الثقافة و الرؤية...و هربنا الى اللا مكان.. الى هاوية تليق بجبننا.....
التراب و الغياب توأمان ملتصقان لا يفرقهما الألم... في عمق التراب يغيب الاحبة ليتركونا نعاقر الغياب و نثمل بالحنين... نعاقر الحنين و نثمل بالذكريات.... نعاقر الذكريات و نثمل بالتراب....

3
في عمق التراب تُسملُ عيون الاحبة فنخسر بصيرتنا، و يصبح بؤبؤ العيون شاحب كأن الألوان سُحبت منه لوناً.. لوناً، و بقي شاحباً كبياضٍ يجف و سوادٍ يهرم....
أبي... أمي.... و وطني....
تراب يسمل العيون و يلقي بنا في هسيس الضمير المحتجب في ارتجاف الخوف و حلاوة الروح لنحافظ على حياة ضئيلة تلفظنا كل صباح لعلنا نصحو بلا ملل....
غبار يملأ أحداقنا و يعطن فمنا و يلبد لساننا، و يزيد من صمتنا الذي استمر لعقود من زمن دخلناه عنوة و خرجنا منه عنوة.... بقينا نراقب الزمن يمضي من أمامنا و الأيام تلهث أمامنا و نحن نجري خلفها ظلاً من وهم....
كاتب سوري مقيم بالسويد

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
حلو الكلام
فتح الله قس حنا -

كلام مفعم بالصدق ، تفوح منه نسمات الشوق والحنين والاهم الذكريات ،ذكريات المكان والاحبة و٠٠٠الخ ٠ والتي في ليلة وضحاها انمحت واصبحت حلم ، استطاع يراعك العذب ان ينسخه مقالة معبرة ٠ نحن ننتظر المزيد منه عله يخفف من الامنا في هذا الزمن الاغبر ٠

القطبة المخفية
رامي -

بغض النظر عن خصوصية وضع كاتب هذه الكلمات....و لكن الحيرة تكمن في أنكم يا معشر المغتربين المتباكين على فراق الوطن الذين كواكم الشوق و الحنين و ذكريات الماضي....أنكم قد بعتم الغالي بالرخيص لتعدروا هذا الوطن الجريح و هذا بالتأكيد ليس عيبا: أما أن تتباكوا عليه بمجرد أن تطأ أقدامكم أرض مطار بلد هجرتكم فهذا من العسير فهمهه. أحيا نا أظن أنكو تكونون قد حضرتم مسودة خواطركم عن الشوق و الحنين و أنتم ما تزالون هناك في الوطن بأنتظار الفيزا أو التأشيرة.أنا أيضا في الغربة مثلكم و لكنني أعتقد أنني بمجرد اختياري العيش في الخارج فلقد فقدت الحق في البكاء على الأطلال و نشر هذا البكاء.وحدهم من يعيشون هناك أو بالأصح من يموتون هناك ألف مرة لهم هذا الحق. اصمتوا .