ثقافات

فرمز حسين: البرد قاتل في الخارج

-
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

قريبا من إحدى القرى الجبلية كان قد استقر بنا المقام بعد مسير طويل دام عشرات الساعات،أجبرتنا الأسلاك الشائكة الحامية للخط الحدودي و عناصر الجندرمة المدججين بالسلاح على التوقف بلا حول ولا قوة وهم يرمقوننا بنظرات دونية مليئة بالشك والريبة، يرطنون فيما بينهم بلغتهم المبهمة تارة..
تارة أخرى يمعنون في تعديل وضعية أسلحتهم الخفيفة بزهو،فيما على بعد رمية حجر منهم احتشدت آليات حربية ثقيلة كأنهم في حالة استعراض قوتهم العسكرية لترهيبنا نحن معشر المذعورين العزّل الفارين من الرعب.
تسمّرنا هناك في أماكننا مذلولين متحاشين حتى النظر في أعينهم خوفا من البطش بنا أو ردّنا على أعقابنا إلى الموت الزؤام، مكثنا صامتين...
&الجميع التزم الصمت...
الأطفال التزموا الصمت..
حتى الرضع منهم خشية إثارة غضب خفر الحدود... توارد الخواطر كان على أشدّه بينهم وبين ذويهم!!
&أيام من الانتظار مضت.. تمكننا بعدها من العبور الى الجانب الآخر.. من تحت الخط الى فوقها.
&هنا في هذا المكان كنّا أول من وصل...
&توافد بعدها آخرون و آخرون.
&الأيام أصبحت تمر و مع مرورها بدأت أحسّ بأنني أتقدم في السن بسرعة خيالية....
&أتحول من شاب إلى كهل خلال بضع أشهر فقط...
&أكبر يوما تصغر أمنياتي.....
&تصغر...
تتلاشى من مخيلتي واحدة تلو الأخرى...
بلغ الأمر إلى أن انحصر جلّ تفكيري في أمنية وحيدة..
باتت تلازمني في اليقظة والمنام على حد سواء.
مع حلول صباح كل يوم جديد، أستهلّ نهاري بترديد أمنيتي اليتيمة، مع فارق صغير عن روايتي في اليوم الذي سبق أن التفاصيل تكون أقل دقة لكن الرغبة في مجملها هي ذاتها لدرجة أن المحيطين بي باتوا يشككون في قدراتي العقلية وبتّ أرى في أعينهم بعض الارتياب كلما التقيت بأحدهم، الحق أنني لم أسمع كلمة ذم أو نميمة من هؤلاء البؤساء المحيطين بي لكنني استنتجت كل ذلك من نظراتهم الغريبة، شرودهم الغير مبرر أثناء تحدثي إليهم وامتناعهم على الإجابة عن تساؤلاتي.
لا أعلم يقينا فيما اذا كانت لدي أحلام وأماني عديدة فيما مضى من عمري بطوله وعرضه ..
ذاكرتي تخونني كثيرا منذ زمن ليس بقليل في كل ما يخصّ استرجاع الأحلام و الأماني لدرجة أنني لا أستطيع أن أروي سوى تفاصيل حلم الدفء الذي أتوق اليه اليوم، الذي في حقيقة الأمر هو مزيج من الخيال والواقع، ذهني صاف لتذكر كل شيء آخر دون اعياء.... دون أدنى اعتبار لتقادم الزمن..كأنها وقائع حدثت للتو.

التغيرات التي تطرأ على حالة الطقس مع قدوم فصل الشتاء...
انخفاض درجات الحرارة يوما تلو الآخر...
اكتساب الغيوم لونا قريبا منه الى الرمادي الداكن، يعيد بي الزمن أدراجه الى أيام خلت كانت مفعمة بالأمل، الفضول ورغبة اكتشاف ما تخبأه الأقدار.
أتذكر أول مرة نشأ عندي هذا الاحساس بالتغيير المناخي من الدافئ إلى البارد ومن ثم إلى الأكثر برودة،كيف أن هذا الاحساس تحول عندي فيما بعد إلى عادة حولية حيث كنت أحسّ بدنوّها مع نسمات هواء الخريف المتأخرة.
في تلك الأمسيات بعد توديع جمع من الأصدقاء المقربين.. أتخذ طريقي منفردا للعودة..
&أمسك بأطراف سترتي أشدّها بحزم...
&أنظر باتجاه الشمال إلى الغيوم الداكنة وهي تجري صوبي على علو منخفض..
أردد بعض العبارات المشجعة لنفسي...
&أبدأ الركض بكل ما أوتيت من قوة باتجاه منزلنا الطيني...
أدلف الى الداخل..
أوصد الباب الخارجي خلفي..
يغمرني احساس بدفء حميم ينتشر في أنحاء جسمي...
&يملأني أمانا.
&اليوم في هذا المكان..
&السماء ملبدة بالغيوم..
&البرد يقرص أطرافي مخلفا حنينا، وحشة و حزنا ثقيلا يكاد يطيح بي...
أركض حتى الإعياء....
أعاود الركض من جديد ليس حبا بذلك بل بحثا عن حالة مشابهة لذاك الدفء المنشود.
مرة أخرى أمسك بأطراف سترتي...
&أشدها بحزم ..
أركض و أركض...
أدلف إلى الداخل...
&أوصد الباب الخارجي خلفي..
&لكنني أظلّ أرتعش..احساس بالبرودة يغرق كياني في بحر من الصقيع،احساس لا تدفئه مواقد الدنيا مجتمعة.

&ستوكهولم
Farmaz_hussein@hotmail.com
&

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف