ثقافات

قصاصو سوريا: بكائيات و اجواء الحرب وصورة الشهيد

-
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

المتابع للكثير من المجموعات الادبية على الفيسبوك يلاحظ ان كتابات ادباء و شباب سوريا عبر شبكة المواقع الاجتماعية و خصوصا الفيسبوك ينشرون العديد من قصصهم القصيرة جدا، تابعت بعض ما ينشره هؤلاء على مجموعة "رابطة القصة القصيرة جدا في سوريا" يمكننا ان نحس بفضاعة الحرب و الوضع المتردي، سنجد بكائيات و صور عديدة للحرب و الشهيد، سنحاول اخذ بعض الامثلة بشكل عشوائي لنقف بالتحليل مع بعض الصور التي قد تكون صادمة رغم بساطة العبارات:
تموز الحلبي كتب :
" لم يتركوا لي من وطني سوى...خيمة عتيقة..وحذاء مستعمل..يربطني يوما ما بأرض الوطن"
...
نشر مع هذه الخاطرة او القصة صورة لطفل نائم بجانب حذاء مربوط او موثوق بقفل، مثل هذا المنشور يجد تفاعل كبير، كثيرة هي اللايكات و التعليقات التي تدعم و توضح مفصحة عن مقدار الفاجعة و الحزن و الشعور بالوحدة و عدم الامل في بعض الاحيان بسبب ضياع الوطن، لناخذ مثالا بسيطا لتعليق على ما كتبه الحلبي يعود الى بسمة نوفل تقول و نحس بالم كبير و نحن نغوص مع السطور
"شردوا الوطن في الخيام والاغتراب..... ولم يكتفوا
شربوا من الدماء حتى الثمالة.... ولم يكتفوا
هدموا، أبادوا، سحقوا الانسانية..... ولم يكتفوا
ماذا يريدون بالضبط..؟؟؟؟؟؟ لم يبقَ شيء سوى الهواء
فليأخذوه....!!!!! "
تاتي التعليقات لتعمق اكثر الحالة، لنغوص في الم اكبر، فهنا النقاشات في احيان كثيرة تناقش الفكر او روح الفكر و الرسالة التي احسها المتلقي و المتابع بغض النظر عن الشكل و المواصفات الفنية للقصة فقد تكون التعليقات في بعض الاحيان اشبه بقصة ايضا من ناحية الشكل اي ان البعض يثير البعض الاخر فندخل في بوح نسمع الصراخ يرسم لنا معالم الدمار الذي حال في المباني و المدن و كذلك بداخل النفس الانسانية.

لناخذ مثالا اخر بعض القصص توضح الصورة من قريب تحكي واقعة خراب او دمار التي اصبحت تقع احيانا كل دقائق اليكم هذا النموذج: دائرة
بعضهم فر، بعضهم قُتل، بعضهم أودع السجن، أخرون يحاكمون، كلهم زملاءه، تحسس مدير المدرسة رقبته، هاتفوه صباحاً، انفجار هز المدرسة، هرع من فوره، دخل وسط الأنقاض والغبار، داس الأشلاء، كالسهم فتح ما بقي من باب الادارة، انفرجت أساريره، تبسم؛ ما زال الكرسي منتصباً. (محمد فؤاد زين العابدين)

محمد فؤاد من حلب يحكي لنا هذا الحدث عن مدرسة، يختار شخصية مدير المدرسة اي رجل له سلطة، هنا هذا العالم او المؤسسة اي المدرسة لها سكانها فكما يحكي فؤاد منهم من فر او قتل او سجن هناك من يحاكم نحن، هنا كاننا نقراء نشرة اخبار هنا قصة تصور تضعك امام حقيقة يومية يعيشها الناس في سوريا فلا خيارات سوى الهرب او السجن او الموت ثم ماذا السلطة و من يحيط بها في خوف؟ نشعر به من خلال تحسس الشخصية لرقبتها ثم يكون الانفجار يهز المبنى، فالانفجارات اصبحت في سوريا ضمن برامجهم اليومية يهرع الرجل.. كنا نظن لتفقد الجثث، لحصر الضحايا من اجل اسعاف احدهم، يبتسم الرجل نظن انه لا ضحايا بل بالعكس كما تحكي القصة، هناك اشلاء يدوس عليها، كانت ابتسامته بوجود الكرسي منتصبا، هنا سخرية، فالقاص بالتاكيد لا يقصد هذه الشخصية مدير المدرسة هو يقصد اكبر من ذلك، هنا تاتي في ذهن المتلقي ان المقصود هي السلطة العليا و الكرسي دلالاة ترسم في ذهننا كرسي السلطة الحاكمة.

لناخذ نموذجا ثالثا : ظلام
"هاهُوَ على أُهْبَةِ التَّحليق..انفرجَتْ لأجنحتهِ أساريرُ المدَى..ضَبَطهُ السَّجَّانُ مُتلبّساً بالحُلمِ المَحْظور..رَكلهُ..هَوى مُتسرْبلاً بخيوطِ شمسٍ مُطفأة." (وفاء الحسيان)
هنا وفاء الحسبان من حمص ترصد الواقع الاكثر بشاعة، الهدم و الخراب و القيود ليست فقط للاجساد بل تتوحش كغول تغتال الحلم كما هو هنا في هذا النص السجان اصبحت له خبرة اكثر و قسوة اكثر حتى الحلم اصبح محظورا، بل ذهبت ابعد من ذلك بهذه الصورة المفجعة "شمس مطفأة" مما يعكس ليس فقط حالة قلق لدى هؤلاء بل ربما شعور بالاحباط بالخوف يعتري و يصل للاحلام حتى الشمس اي النور الامل الملاذ الاخير هي مطفأة.

لناخذ نموذجا رابعا من دير الزور: ملجأ
دوى صوت صفارات الانذار، اختلطت كل الاشياء، أصبح اللون رماديا الكل يبحث عن ملجأ نظر الى جسدها المرتجف ينادي زملوني زملوني ...استدار من أزيز الرصاص طوقها فذاب جليده دفئا على كتفيها. (رشا الحسين)

هنا رشا الحسين لديها قليل من التفاؤل فرغم انها تعكس الرعب اليومي تنقل لنا صورة الواقع، لعلها لخصته ايضا في قولها "أصبح اللون رماديا" الكل يبحث عن ملجا فالحدث مرعب نشعر ان هناك انفجارات ثم نرى الجسد المرتجف جسد الحبيبة ربما ينادي يريد قليل من الدفئ الانساني لياتي الحبيب رغم ازير الرصاص يطوقها، ترسم لنا في الاخير لوحة تشكيلية صورة ربما تكون اشبه بالعناق و وكما قلنا في البداية قليل من التفاؤل على الاقل نرى هنا حبيب يطوق حبيبته حتى و ان ذاب جلده.

لننتقل إلى نموذج رابع لسوري يعيش بالرياض: مجرد مواطن سوري
خرج من منزله صباحا يمشي في الشارع، ما لبث أن وجد نفسه " رقم " يمشي في شريط أخبار المساء، فقط أستشهد !" (محمد الديري)
الديري يلخص عبث الواقع، قد لا يكون هناك اي مبالغة هنا الكاتب لا يتحدث عن مقاتل في الجبهة يتحدث عن الانسان العادي مثل اي مكان في العالم يخرج للعمل، هو يمشي لا يحمل سلاح و لا درع، ثم ما يحدث هو الموت قد يكون ببرميل متفجر او رصاصة قناص او انفجار قنبلة ليجد المرء نفسه مجرد رقم صغير يمشي في نشرة الاخبار المسائية، الموت يغتال من هب و دب، الناس البسطاء يريدون الحياة لم يركضو وراء الموت، هنا تعكس الصورة حلم البسطاء بحياة مجرد حياة.

نموذج اخر: بذخ
تناثرت الأشياء حولي، استولى الرعبُ على أقطارِ نفسي بوحشيّة
تحملني جسدي بدهشة، قدماي أخيراً تجرانني كأذيال خيبة إلى تلك الخيمة الباذخة الفقر، والسماء فوقي، تبكي الرحيل ! "
Refaa Saeb

رفاء تصور لنا عالم التشرد بالمخيمات الذي لا يقل قسوة بل ربما اكثر قسوة من الحرب، كلمة الرعب ليس مجرد احساس ياتي نادرا او عرضيا، الرعب هنا معاش في كل دقيقة و نفس، هناك خوف من الجوع من البرد مثلا، خوف من الاعتداء الجسدي و النفسي الذي يعاني منه الكثير من المهجرين في مخيمات بائسة لا يتوفر فيها ادنى اساسيات الحياة الكريمة، الخيمة كما عبرت عنها الكاتبة " باذخة بالفقر" خيبة الامل هوية جزء من الانسان ليس لانه غير متفائل لا يرى الحياة جميلة مثلا و لكن كون لا حياة موجودة تقريبا، حياة اشبه بالموت كأننا امام صورة شخص حي ميت حتى الجسد لا قوة فيه.

لناخذ نموذجا اخر: حسن خاتمة
لَعْلَعَ رصاص حقدهم .. دوَّت قنابل غَيّهم .. أمطروهم صواريخ جبروتهم ..
ارتعدت و الدار خوفاً فرائصهم ..تَنَفَّس صبح الخاتمة ..
عانقت أركانها الثرى بعد أن شكت تباريحَ الوجع ..
و حلقوا هم أحياء عندَ ربهم يرزقون .." (هالة الشوَّاخ)

هنا ايضا في قصة هالة نجدى صور مكررة، الرصاص.. القنابل.. الصواريخ و الدمار الذي عبرت عنه بالعناق، عناق الدار، عناق الاحجار و الجدران للثرى، ثم ترسم الضحايا و هم يحلقون تصفهم بالشهداء فكلمة شهيد و شهداء كثيرا ما نجدها في ختام الكثير من القصص السورية القصيرة جدا.
صورة الشهيد تاتي في الكثير من الاحيان كتعويض كامل جميل، هي كلمة فيها الكثير من الموساة تاتي كحلم يتمناه الكاتب للضحايا.

نموذج اخر فيه تعريض سياسي للقاص حسام الساحلي: رسالة
أهدى لهُ الملك الرّيشة والألوان، ثمّ طلب منهُ أن يرسم بحريّة...
لم يتوانَ .. رسم القيد ليديه !! "
حسام في هذه العبارات القليلة يحلل القهر الذي استوطن الانسان حتى عندما يكون لديه ريشة و الوان، يرسم قيده لعل هذا جاء من سنوات القهر، فالحرية ليست مجرد وعد او قول يمكن ان يقولها الملك او السلطة الحاكمة، الحرية اكبر من ذلك هي شعور احساس و واقع يعاش ضمن مؤسسات كثيرة تربوية و اعلامية، هنا الكاتب يحاول استقراء الواقع حتى و ان كان اللوم هنا على المواطن او الشخص لا يمكننا بطبيعة الحال ان نلوم شخصا عاش سنوات طويلة مجرد الحلم بالحرية ذنب قد يكلفه رقبته، ما رسمته الشخصية هو تعبير عن ما بداخلها من قهر و ذل و ليس امنية او حلم.

لناخذ مثالا اخر: رغيف
أمسكت الأم بحنان عشاءها، رغيف الخبز، و جلست أمام طفلها لتطعمه، فسألها عن إخوته، والده، بيتهم ...
أطرقت الأم رأسها الى الأسفل، بسرعةٍ مدَّ الصغير يده إلى رغيف الخبز يخلصه من يدها، قائلاً :
ءأمي، مرة أخرى ستبللين رغيفنا الوحيد بدموعك .
Safwat Chibli

هنا الكاتب صفوت يصور صورة نراها تتكرر كثيرا في قصص الشباب السوري و هي صورة الام، كثيرا ما نرى وجه الام يبكي لفقدانها ولدها او ابنتها او كل عائلتها كما نحس بها هنا، الطفل الصغير يسال عن اخوته و والده يكون الرد بالدموع، يسرع الطفل باختطاف او لنقل انقاذ رغيف الخبز الوحيد ليس من اجل التهامه بل حتى لا يتبلل من دموع امه، الكاتب وضعنا في مشهد تراجيدي مفجع تاركا لخيالنا ان يرسم مدى قسوة و رعب الواقع لعله هنا المشهد في مخيم بائس .
هناك الكثير و الكثير من النماذج الصادمة و المؤلمة تجعلك تهتز من الداخل تشارك هؤلاء هذا البكاء بل النحيب، هذا الوجع الذي تحسه مكتوب بدم احمر يعكس القلق الداخلي يصور الواقع الكئيب المثخن بالتشرد و الحرمان و رثاء وطن كان من اجمل بقاع الكون.

سينمائي يمني مقيم في فرنسا

aloqabi14000@hotmail,com

&

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف