"كلنا تقلا" صرخة تذكير بأن المسيحيين خميرة الشرق

أتت مسرحية "كلنا تقلا" لتشكّل صرخة تذكير وتأكيد على أن المسيحيين هم خميرة الشرق، وأن ما يعانونه اليوم من اضطهاد ما هو إلّا سلسلة من إضطهادات كثيرة تعرّضوا لها وأثبتوا أن المشرق أرضهم لا يعيش من دونهم ولا هم يعيشون خارجه.

بيروت : شفيعة مدينة معلولا تصرخ في لبنان بعدما خرجت القديسة تقلا عروسة المسيح من أيقونتها التاريخيّة لتكون عروس لبنان. تقلا التي ولدت عام 20 وتوفيت عام 110 والشيخوخة تسيطر على محيّاها نذرت عذريتها للمسيح، وعاشت حياتها مضطهدة ولكنّها بقيت متشبّثة بإيمانها تصرخ باسم يسوع ابن الله، حطّمت الأصنام وتحدّت الوالي واليهود وتبعت المسيح وتمسّكت به، إيمانها القويّ نجّاها من الإضطهادات والنار والوحوش والأفاعي التي رميت لهم.

المسيحيون خميرة المشرق
ولأن مشرقنا الحالي مع ما يشهده من ربيع دموي دمّر معالم المسيحيين في الشرق وهجّرهم وقتلهم وخطفهم واضطهدهم وفرض عليهم الخوات وجعلهم أولاد ذمّة، يحتاج وقفة شهادة وجرأة وإيمان، وتقلا التي لم تتراجع يومًا عن إيمانها اختارت أن تطلّ من لبنان ويجتمع حولها مسيحيّوه صارخين : "كلنا تقلا، متسمكون بأرضنا، حاملو رسالة حياة لا موت، نحن ولو قالوا عنا أقلية لا ينسوا أن الخميرة بقلّتها تصنع العجينة الصالحة والطيّبة، لأن مشيئة الله لمشرقنا لم تتغيّر".

هذا باختصار فحوى الرسائل التي تبعثها مسرحيّة "كلنا تقلا" التي عرضت مساء الإثنين (3/3/2014) على مسرح مدرسة الحكمة في منطقة الجديدة في المتن. "كلنا تقلا" تسرد سيرة حياة القديسة تقلا وانتقالها من الوثنيّة إلى المسيحيّة وما تبعها من تدهور علاقتها بوالدتها وخطيبها وتعرّضها لشتى أنواع الإضطهاد، وتجمع بين السرد التاريخي الديني والاستعراض الغنائي الراقص في إطار شبابي حديث فيه الكثير من الجمالية والإبداع، ويظهر ذلك من خلال أداء الممثلين المتقن وبساطة النص التي تشدّك إلى كافة محاور العمل.

تقلا اختارت زمان عرض سيرتها حزنًا على معلولا
بدأ التفكير في تقديم المسرحية عام 2009 لكن المشروع لم يكتمل على الرغم من المحاولات الكثيرة لإنجاحه، ليعاود العمل عليها عام 2013 وتنفّذ عام 2014، وهو الأمر الذي يفسّره الأب سويد في حديثه لـ"إيلاف" بأن القديسة اختارت هذا التاريخ وزمان عرض المسرحية نظرًا للحوادث التي جرت في معلولا حيث يرقد جسمانها وحيث شيّد دير يؤمّه كثير من المؤمنين من حول العالم. ويرى الأب سويد أن التاريخ يعيد نفسه فنحن اليوم بحاجة إلى أن نكون "كلنا تقلا" وأن نقف في وجه الظلم، ووسط النيران من دون أن نحترق، وبين الأفاعي والوحوش البشرية من دون أن نخاف، وأن نتحدى الموت والتطرّف المنتشر في العراق وسوريا ولبنان ومصر. وفي النهاية لن يصحّ إلّا الصحيح وستطبق مشيئة الخالق لهذا المشرق.

نجوم العمل يواجهون الكره بالمحبة والصلاة
ويرى الفنان والمخرج جهاد الأندري في حديثه لـ"إيلاف" أن المسرحية تحتوي على كلّ الفنون من الغناء إلى الرقص وسرد قصص الحب وسط أحداث وحبكات وتجارب كثيرة عايشتها القديسة تقلا، ويشير إلى أنه يتعامل مع النصّ كعمل مسرحي استفزّه ليخرجه لما تحمله هذه الشخصية من أحداث بدءًا من تمسّكها بوثنيتها وآلهة الأصنام وصولًا إلى تحوّلها إلى المسيحيّة وتشبّثها بالمسيح.

بينما تقول الممثلة نيللي معتوق لـ"إيلاف" إن الرسالة الأولى والأخيرة من المسرحية هي يسوع المسيح، وتشير إلى أن حياة القديسة تقلا مع ما تحمله من أحداث ومعانٍ وعبر جديرة لتجسّد وتنقل على المسرح ومن خلالها، وهو ما يحمّلها مسؤولية كبيرة في اختيار أدوارها المقبلة.

إلى ذلك، يشير الممثل طوني عيسى لـ"إيلاف" إلى أن ما يريدون إيصاله إلى الناس هو قصّة دينيّة بعيدة عن التكرار والملل، منمّقة وتليق بالمسرح، فيها الرقص والأغاني والتمثيل الجميل. وعن الرسالة التي يوجّهها العمل إلى مسحييي الشرق، قال عيسى : "أصبروا لأن نحن المسيحيين أولاد هذا الشرق والأوائل فيه، وفيه سنبقى مهما كثر الحاقدون، لا تخافوا ولا تهاجروا بلادكم، لأن وجود المسيحيين في أي بلد في الشرق له وقعه وتأثيره وخصوصًا في لبنان".

أمّا الممثل يوسف حدّاد فيقول لـ"إيلاف" أن أوّل رسالة يجب توجيهها من خلال هذا العمل هي المحبّة ونبذ الحقد والعنف والتسامح وعدم تكفير بعضنا في الدين لأن كلّ إنسان حرّ في معتقده، لأن هذه العنجهية لا تقتلها إلّا المحبة والصلاة، لنعيد أوطاننا كما كانت ولا نعيش كما الهمج.

"كلنا تقلا" من إنتاج شركة "رؤى" وإخراج جهاد الأندري وكتابة وحوار جوزف الشرتوني والأب جوزف سويد، تصميم اللوحات الإستعراضية لمالك العنداري، تصميم الملابس لماجد بو طانيوس، وتصميم الديكور لغيتا تابت. بطولة نيللي معتوق (تقلا)، طوني عيسي (بولس)، يوسف حدّاد (الوالي) وبالإشتراك مع طوني مهنا (الحاجب)، شادي ريشا، جورج قاعي، ناتالي سلامة، مايا سبعلي، رانيا مروّة، ميشال أضباني، كميل يوسف، كريستوف أبو صبحة، رالف معتوق، دانيا أبو رجيلي، آلن مهنا، نويل باسيل، ماريا خيسي، بشير سابا، منصور حدّاد، جورج عبود، حبيب جوان، سلمى جوان، إيلي سعد ولارا نوفل. تعرض على مسرح مدرسة الحكمة في الجديدة حتى أيار/مايو المقبل.

سيرة القديسة تقلا
ولدت عام 20 في مدينة قونية (تركيا حاليًا) من أبوين وثنيين، وما أن بلغت الثامنة عشرة من عمرها خطّبها ذووها إلى شاب اسمه تاميريس، لكنها لم تتزوّج لأن الرسول بولس مرّ بمدينتها نحو عام 45 مبشرًا بالإنجيل، فاستمعت تقلا لمواعظه وخطبه واقتنعت على أثرها بالدعوة المسيحية. اعترفت تقلا لأهلها بأنها لم تعد ترغب في الزواج وأنها نذرت عذريّتها ليسوع، فحاولوا ثنيها عن عزمها بكلّ الوسائل من الكلام الحسن إلى التعذيب وحرمانها من الطعام، لكن من دون جدوى. إلى أن أخذتها والدتها إلى والي المدينة الذي حاول بكل الطرق الممكنة أن يردّها عن قرارها فواجه فيها إرادة صلبة ثابتة، أمر بإيقاد نار شديدة وألقاها فيها لكن هطول المطر الغزير أطفأ النار وخرجت سالمة من كل أذى، وبعدها هربت تقلا من المدينة وتبعت الرسول بولس، ثم جاءت وإياه إلى مدينة أنطاكية.

في أنطاكية، واجهت تقلا استشهادها الثاني إذ وشي بها لدى الوالي أنها مسيحية، فحكم عليها بالموت وألقاها إلى الوحوش لكنها لم تمسّها بأذى، ثم حاول ثانية وثالثة فكانت النتيجة إيّاها. عندها تعجّب الوالي من القوة الفاعلة فيها وسألها : "من أنتِ وما هي هذه القوة الفاعلة فيك؟" فأجابت تقلا : "أنا عبدة يسوع المسيح ابن الله الحيّ. هو وحده الطريق والحقّ والحياة وخلاص من يرجونه". فأطلق الوالي سراحها.

بعد ذلك أرسلها الرسول بولس إلى مدينة "سلفكية الشام" أي معلولا حيث أقامت في إحدى المغارات وعرفت بموهبة شفاء الأمراض فتدفق عليها الناس، وكثيرون اهتدوا إلى المسيحية بواسطتها. هذا الأمر لم يرق للأطباء في معلولا وقد بدأ مرضاهم يغادرونهم إليها، ثم اعتقدوا أن سحر تقلا هو في عذريتها، وأرسلوا رجالاً أشرارًا لفضّ عذريتها فطاردوها لكنها هربت منهم ورفعت الصلاة إلى الله واستغاثت، فانشق أحد الصخور فدخلت فيه، وكانت الصخرة مخبًأ لها ومدفنًا.

توفيت تقلا عام 110 وهي أولى الشهيدات المسيحيات وإحدى أوائل الرسل ومعادلة لهم. وقد انتشرت أخويات وطوائف دينية حول العالم لتبجيل القديسة، وبعض الأخويات الدينية قد اتخذت القديسة كمثال عن الدور النسائي في نشر الدعوة المسيحية.