ثقافات

الثابت والمتحول في الهوية المغربية

-
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

يردد الأصوليون بعامة ودعاة الإسلام السياسي بخاصة كلمة "الهوية" بحدية ووثوقية وبداهة، يحاولون حصر مدلول رحب يندرج ضمن القضايا الكبرى في سياق إيديولوجي ضيق. فكلما سارع الليبراليون والعلمانيون والفوضويون والإنسانيون ودعاة الحريات الفردية إلى مبادرة تعزز فردانية الإنسان، يشهر الإسلاميون ورقة الهوية (الخصوصية، ثوابت الأمة) في وجه خصومهم، وقد يصل الأمر حد التخوين والشيطنة.
طفت في العقد الأخير على السطح في المشهدين السياسي والثقافي المغربيين لفظة الهوية وإيحاءاتها من قبيل: الخصوصية، الأنا، المحلية، الوطنية، الأمة ... إثر أحداث ستظل عالقة في ذاكرة المغرب الحديث سأذكر بعضها على سبيل المثال لا الحصر:
&- إعلان الوزير الشيوعي في حكومة التناوب الأولى، عن خطة إدماج المرأة في التنمية (1999)، وماخلفته هذه الخطة الحكومية من تجاذب وتناحر بين العلمانيين والإسلاميين الذين استطاعوا تجييش الشارع المغربي ومن تم الضغط على الحكومة التي اضطرت إلى إجراء تعديلات على الخطة، استجابة للتحكيم الملكي.
&- إنكباب جريدة التجديد لسان حال حركة التوحيد والإصلاح الذراع الدعوي لحزب العدالة والتنمية على قصف ومهاجمة ليلي المراكشي إثر عرض فيلمها "ماروك" في المهرجان الوطني للفيلم السينمائي (2006)، بدعوى تضمن الفيلم مشهدا يظهر يهوديا يضاجع مسلمة، لم يسلم نور الدين الصايل مدير المركز السينمائي المغربي من نبال الإسلاميين لأنه في نظرهم زعيم من زعماء حزب فرنسا في المغرب ومجند لتدمير الهوية المغربية الأصيلة.
&- الهجوم على المخرجة المسرحية نعيمة زيطان بعد أن ضمنت مسرحيتها "ديالي" لفظة " الطابـ ... " (العضو التناسلي للمرأة بالدراجة المغربية)، ونفس الأمر ينسحب على فيلم "كازانيكرا" 2012 للمخرج نور الدين الخماري المدافع الشرس عن الواقعية السوداء في السينما المغربية، من خلال اختياره البذاءة اللفظية جمالية سينمائية واختيارا فنيا لتعرية الواقع المغربي.
&- تحرش جريدة التجديد بالخط التحريري لقناة دوزيم.
&- الوزير الإسلامي الحبيب الشوباني يطرد صحافية من البرلمان بدعوى أن لباسها غير محتشم ويخل بقيم المغاربة.
&- تصدي الإسلاميين لدعوة نور الدين عيوش لإحلال الدارجة محل اللغة العربية الفصحى في التعليم المغربي، هذه الدعوة خلفت جدلا واسعا في الشارع المغربي شاركت فيه النخب المثقفة، وإن بدا الرد الإسلامي على أطروحة عيوش أكثر صدى عند المغاربة لكونه يربط اللغة العربية بالمقدس.
& وفي كل هذه المواقع كان رد الإسلاميين &- أخص بالذكر أنصار العدالة والتنمية &- واحدا في وجه خصومهم : " إبتعدوا عن قيم ولغة ودين المغاربة فهي خطوط حمراء " متمثلين دور حراس الهوية المغربية، وأحيانا ترتفع حدة الجواب إلى تهديد المغاربة بالفتنة إذا تجاوبوا مع تلك المطالب الفكرية والقيمية المارقة حسب زعمهم.
&هذه الأحداث تعكس صراعا بين قطبين غير متكافئين: الإسلاميون الذين يحملون تمثلا ماهويا لمفهوم الهوية، يعتقدون أن المغاربة يملكون هوية موحدة من المهد إلى اللحد مبنية على سرد عن الذات والتاريخ يبعث على الراحة واليقين (ستيوارت هول 1999). وطرف آخر يؤمن بتزحزح الهوية وتعدديتها، فهي بمثابة أمواج تتكسر بسبب التحولات البنيوية والمؤسساتية. وخير دليل على ذلك المسألة الأمازيغية، فقد كان بالأمس القريب الاعتقاد والجزم في عروبة الشعب المغربي، وباقي المكونات الثقافية واللغوية مجرد تنويعات فلكلورية لاأقل ولاأكثر، والآن أصبحت القضية الأمازيغية حيوية وقائمة الذات في المشهدين السياسي والإعلامي المغربي.
&كما أثيرت مؤخرا قضية المثلية الجنسية ولاحظت باندهاش شديد مشاركة فيلم عبد الله الطايع "جيش الإنقاذ" في المسابقة الرسمية لمهرجان سينمائي رسمي (2013)، رغم كون الفيلم واضح وشفاف وصريح في معالجته لقضية الحرية الجنسية، التي كانت في وقت قريب طابوها غير مفكر فيه.
&هذين المثالين يعززان فكرة التحويل والتعديل الذي يتعرض له مفهوم الهوية، لأن هذا الأخير جد معقد ومن المستحيل أن يقدم بصدده أحكاما نهائية وثابتة، وأن هذا التجاذب للقوى يبين القوى الحية في المجتمع المغربي حول مسألة الهوية المغربية طبيعي جدا لأن الهوية حسب Kobena Merce " تصبح مسألة مطروحة للنقاش عندما تكون مأزومة، ويتزحزح من مكانه ما كان يفترض أن يكون ثابتا ومتسقا ومستقرا، وذلك بفعل اختيار الشك وعدم اليقين" Mercer 1990.
&لاجدال أن هناك ثوابت في تكوين المرء كالإسم والجنسية، وغير ذلك من الإنتماءات التي تسبق الوجود وتساهم في تأطير تفكيره، لكن ذلك لايعني الصفاء والنقاء والتطابق، ولايلغي التراكم والتعديل والتقلب. فلا مراء أن الفرد له إحداثياته الزمكانية ككل كائن. ولكن سمته الأساسية أنه عالم من الاختيارات ومساحة من الحرية والفردانية، بما يستنبطه من المقدرة على الفهم والابتكار والابتداع، وغير ذلك من الإمكانات التي يحاول الإسلاميون جاهدين تعطيلها وسط التصفيق والتهليل الجمعي الذي تشهده الساحات العربية. لأن الجماهير تستلذ البسيط وتنأى عن المركب (1)

1- علي حرب &- خطاب الهوية سيرة فكرية، منشورات الاختلاف, (بتصرف ص 196-197-198).

&

&

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف