ثقافات

في كتالوج مصور: الجامع الأزهر.. رحلة علم وكفاح

-
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك


في هذا الكتاب الكتالوج "الجامع الأزهر الشريف" رصد شامل لتاريخ الجامع الأزهر الشريف وعمارته والحياة بداخله منذ نشأته حتي العصر الحديث، حيث طاف الباحثين محمد السيد حمدي وشيماء السايح في رحلة عبر الزمان والمكان بين أروقة الجامع الأزهر الشريف ومدارسه، كاشفان الغبار عن كنوزه من تحف ومصاحف ومخطوطات، خلال ثلاثة سنوات استطاع فريق العمل الذي تكون من باحثين ومهندسين ومصورين وخطاطين من مكتبة الاسكندرية ومشيخة الأزهر الشريف ومتحف الفن الإسلامي بالقاهرة ومن دولة العراق انجاز هذه الموسوعة العلمية الشاملة عن الجامع الأزهر الشريف عمارته وتاريخه، بأسلوب علمي توثيقي قائم عن التسجيل الأثري والتدقيق التاريخي وتقديم الدليل المصور الذي يؤكد ما جاء في الكتالوج.
الكتاب الذي جاء في جزئين صدر عن مركز دراسات الحضارة الإسلامية بمكتبة الإسكندرية، وقد صدر له فضيلة الإمام الأكبر د.أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر، وقدم وأشرف له د.إسماعيل سراج الدين؛ مدير مكتبة الإسكندرية.
ويقف الجامع الازهر في قلب مدينة القاهرة المحروسة بمآذنه الخمس ومدارسه الثلاث وأروقته التي احتضنت طلبة العلم من كل بقاع الأرض والذين جاءوا إليه ليتعلموا ثم يعودوا إلى ديارهم لينشروا نور الله والإسلام؛ فهو يستحق ان يرصد له مئات المجلدات لتسجيل تاريخ ودور الجامع الأزهر في العالم الاسلامي.
أكثر من ألف سنة والأزهر الشريف باقيًا ودول وملوك وسلاطين يأتون ويذهبون ليظل شاهدًا على تاريخ تلك الأمة وتلك الديار منذ أن قام بتشييده القائد الفاطمي أبو الحسن جوهر بن عبد الله الرومي الصقلي الكاتب؛ ليكون مسجدًا جامعًا& لمدينة القاهرة التي وضع حجر الأساس لها لتكون عاصمة للدولة الفاطمية في مصر (358 - 567 هـ/ 969 &- 1171 م) ، واختار له موقعًا في الجنوب الشرقي من المدينة على مقربة من القصر الكبير الذي كان موجودًا حينئذ بين حي الديلم وحي الترك في الجنوب.
حظي الجامع الأزهر الشريف باهتمام الائمة الفاطميين كالإمام الحاكم بأمر الله (996-1021م) الذي بقي من عمارته للجامع باب خشبي ضخم، وكان اول من اوقف الاوقاف على الجامع الأزهر الشريف بموجب وقفية تدل على مقدار المخصصات المالية التي خصصتها الدولة للانفاق على الجامع من اجل القيام برسالته، والامام الآمر باحكام الله (1101-1130م) الذي كان قد بقي من اعمال منبر خشبي دمر خلال التفجير الذي حدث بمتحف الفن الاسلامي بالقاهرة عام 2014م.
ومع قضاء الناصر صلاح الدين (1169-1193م) على الدولة الفاطمية الاسماعيلية المذهب اغلق الجامع الأزهر الشريف لمحاربة المذهب الشيعي بين الشعب المصري، غير ان الازهر الذي عاش في وجدان المصريين الذين لا يفرقون بين المذاهب ويمقتون التطرف الديني والمذهبي سعوا لإعادة فتح الجامع مرة اخري، ولكن بعد ما يقارب من المائة عام عندما امر الملك الظاهر بيبرس البندقداري (1260&- 1277 م) بإعادة صلاة الجمعة إلى الجامع الأزهر يوم الجمعة 18 من ربيع الأول سنة 665 هـ/ 1267 م بعد انقطاعها مدة تقارب مائة سنة، منذ هذا التاريخ والازهر في قلب المصريين حكامًا وشعبًا، وشاركهم في ذلك المسلمين في كل بقاع الارض ممن يبحث عن الوسطية ورقي العلوم الدينية والتعايش.
وفي عصر دولة المماليك الجراكسة استحدث منصب ناظر الازهر لتولي شئون رعاية الجامع واسند هذا المنصب الي الامراء وحاحب الحجاب بل كان من هؤلاء النظار من وصل الي منصب السلطان كالظاهر جقمق (1438 &- 1453 م). ويعد السلطان الظاهر برقوق اول من استحدث مرسوم لتنظيم اموال مجاوري الازهر الشريف ممن مات دون وارث شرعي واثبت ذلك في نقش كتابي على يسار الداخل من باب المزينين بمؤرخ بسنة784 هـ/ 1382 م، بحيث تأول امواله الي الجامع الأزهر؛ كذلك انشأ الأمير جوهر القنقبائي خازندار الأشرف برسباي مدرسة سنة 1440 م عند الطرف الشرقي للجامع الأزهر. اما السلطان الاشرف قايتباي (1468 &- 1496 م) فقد اهتم بالجامع الازهر، فانشأ له مدخل جديد يعد من اروع المداخل المعمارية على مستوي العالم، وامر بإنشاء رواق للطلبة الاتراك، وتجديد رواق الطلبة المغاربة، وامر الخواجة مصطفي بن محمود بن رستم الرومي بتجديد عمارة الجامع كله في سنة 1494م، واقامت مئذنة ما تزال باقية، ومع قرب نهاية دولة المماليك امر السلطان الاشرف قنصوه الغوري بإقامة مئذنة ذات راسين تميز واجهة الجامع الأزهر الشريف.&
مع أفول نجم الإمبراطورية المصرية التي سادت العالم شرقًا وغربًا ووقوع مصر تحت سلطة دولة آل عثمان التركية بدأت مرحلة جديدة من تاريخ الأزهر الشريف. وكان الأزهر الشريف قد حصن اللغة العربية ومدرسة الوسطية وشعلة الوطنية خلال فترة الاحتلال العثماني لمصر لذا عندما طرق الفرنسيين بقيادة نابليون بونابرت أبواب مصر محتلين كان للأزهر دوره التاريخي والنضالي؛ ففي أكتوبر سنة 1798م اندلعت ثورة القاهرة الأولى ضد قوات الاحتلال الفرنسي ، وقد استطاع الثوار في هذا اليوم قتل الجنرال ديبوي، وقد اتخذ الثوار من الجامع الأزهر مقرًّا لهم، مما دفع حاكم القاهرة الجنرال بون الذي خلف ديبوي إلى ضرب المدينة من على تلال الدراسة، فأطلقت أول القنابل على المدينة وبالتحديد على الجامع الأزهر ظهر يوم 22 من أكتوبر سنة 1798 م، فانفجرت في الجامع، ثم انهالت القنابل على الجامع الأزهر والمنطقة المحيطة به حتى كاد أن يتداعى، وتغلبت قوة النار على قوة الثوار، فاقتحم الفرنسيون الجامع الأزهر.
وقد كان الأزهر الشريف محط أنظار الأوروبيون، ففي سنة 1820م وضع باسكال كوست أول رسم لتخطيط الجامع الأزهر؛ حيث استطاع التحايل على شيخ الجامع ودخل الجامع وألقى نظرة عامة عليه من الداخل، ورسم بعض التفاصيل، وخاصة تفاصيل باب المزينين، وفي أواخر عهد محمد علي باشا في سنة 1842 م زارت مصر السيدة صوفيا لين بول أخت المستشرق إدوارد لين بول، وسجلت مشاهداتها في مصر، ومنها مشاهدتها للجامع الأزهر الذي زارته، كذلك قدم لنا الرحالة بيرتون الذي زار مصر سنة 1853 م في أواخر عهد عباس حلمي باشا الأول& وصفًا للجامع الأزهر والحياة فيه، وفي سنة 1855 م نشر جيرو دي برانجي تخطيطًا آخر للجامع من الداخل وصورة للصحن الغربي.&&&
كان الجامع محط اهتمام حكام أسرة محمد علي باشا فقد قام الخديوي إسماعيل& بتجديد باب الصعايدة الكبير مع ما فوقه من المكتب بمباشرة ناظر الأوقاف أدهم باشا ناظر الأوقاف سنة 1865م. وأمر الخديوي عباس حلمي الثاني بتشييد الرواق العباسي، والذي يقع عند طرف الواجهة الشمالية الغربية، وقد قام الخديوي عباس حلمي الثاني بافتتاح الرواق في حفل مهيب في 18 مارس سنة 1898 م. وفي سنة 1931م في عهد الملك أحمد فؤاد الأول أزيلت المباني التي كانت تحجب الجامع الأزهر من ناحيته الغربية البحرية إلى حده البحري، فصار بينه وبين باب المشهد الحسيني رحبة متسعة، كما أصلح الجناح الغربي البحري لرواق الحنفية وفتح له بابًا آخر وسد بابه الذي كان محتجبًا بكتلة المباني.
وفي عهد الرئيس جمال عبد الناصر تم انشاء الواجهة المطلة على شارع الأزهر سنة 1970 م، وقام رئيس باكستان السابق ضياء الحق بإهداء الجامع سجادًا حديثًا من نوع المحاريب. وفي نهاية القرن العشرين وبالتحديد في سنة 1998م قامت شركة المقاولون العرب بتدعيم الأروقة التي أضافها عبد الرحمن كتخدا، وعمل أساسات للجدران بعمق 20 م، لحماية الجامع من تأثيرات النفق الذي تم شقه تحت شارع الأزهر. ومع تلك الإضافات والعمارات بلغت مساحة الجامع الأزهر الحالية 11500 م2 تقريبًا أي 2.75 فدان تقريبًا.
إن الجامع الأزهر الشريف ليس بناءًا حجريًا كسائر الجوامع أنه شاهد على تاريخ وطن وأمة؛ لذا فأن الكتالوج لم يقف عند عمارة الجامع الأزهر الشريف فقدم لنا مشاهد من الحياة في الجامع الازهر الشريف عبر العصور كالاحتفال بالمولد النبوي والاحتفال بشهر رمضان ومجالس وحلقات العلم، ثم يتطرق الباحثين لواحدة من أهم دعائم الأزهر وهي أوجه البر والإنفاق والجرايات والأوقاف التي حرص أهل مصر وحكامها وسلاطين المسلمين على توجيهها لرعاية شئون الأزهر وأعانته على رفع راية الاسلام،.
ويفرد الكتالوج الصفحات لتاريخ الجامع الازهر الشريف في كفاح شعب مصر والزود عن ثوابته عبر التاريخ من خلال مجموعة من الوثائق والصور الجديدة. ويأخذنا الكتالوج إلى مشاهد من هذا الدور الوطني اذ يروي الباحثين كيف كانت الثورة تبدا من الازهر حيث ذكروا ان المظاهرة كانت تبدأ بصعود الثائرين على مآذن الجامع الأزهر الشريف يدقون الطبول، وتعلو أصواتهم هاتفة بسقوط الظلم، وداعية التجار إلى غلق حوانيتهم، وكانت الدراسة تتعطل مشاركة من العلماء والطلبة للجماهير في مشاعرهم، ثم يخرج الموكب الصاخب يتقدمه شيخ الجامع وعلماؤه ومجاوروه ويتجهون إلى الحاكم الظالم ويطلبون منه رفع المظالم عن الشعب، ولا يسع هذا الحاكم إلا أن ينزل على رغبتهم.
ففي شهر يوليو 1795 م تزعَّم علماء الجامع الانتفاضة الشعبية التي حدثت في القاهرة ردًّا على المظالم التي تعرض لها الشعب على يد المماليك، وقد كان لعلماء الجامع خاصة الشيخين مصطفى الصاوي وسليمان الفيومي دور في التوسط الذي حدث بين نابليون بونابرت وأهل القاهرة لتأمين المدينة قبل دخول الفرنسيين. كما كان لعلماء الجامع دور كبير في تعضيد حكم محمد علي باشا، وتزعم الشيخ عبد الله الشرقاوي الحركة الشعبية لخلع محمد خورشيد باشا وتنصيب محمد علي باشا مكانه في مايو 1805م، وبرز دور علماء الجامع في التصدي لحملة فريزر الإنجليزية& على مصر سنة 1807 م واستطاعوا شحذ همم الشعب المصري للجهاد وتقديم المعونة لقوات محمد علي باشا المتجهة لصد الإنجليز في مدينة رشيد، وكان لبعض علماء الجامع دور كبير في دعم أحمد عرابي باشا& في ثورته ومقاومته للإنجليز الذين استعان بهم الخديوي لتثبيته في الحكم، ومنهم الشيخ شمس الدين محمد الإمبابي شيخ الجامع والشيخ حسن العدوي والشيخ محمد عبده الذين اعتبروا الخديوي محمد توفيق مارقًا عن الدين وأجازوا عصيان أوامره ودعوا إلى التطوع في الجيش المدافع عن مصر وتقديم التبرعات له.&
ومع قيام ثورة 1919 م تقدم علماء الأزهر وطلابه جموع الشعب المصري، وأصبح الجامع الأزهر مركز الإثارة؛ حيث تلقى فيه الخطب المحرضة النارية ليلاً ونهارًا حسبما تشير مذكرة وكيل وزارة الخارجية البريطانية حول أحداث الثورة، ولم يتورع جنود الاحتلال البريطاني من انتهاك حرمة الجامع الأزهر كما فعل الفرنسيون؛ وقد أرسل مشايخ وعلماء الجامع رسالة شديدة اللهجة إلى السلطان أحمد فؤاد الأول وإلى يوسف وهبة باشا رئيس مجلس الوزراء آنذاك والجنرال اللنبي المندوب السامي البريطاني، والذي سارع إلى تقديم اعتذار رسمي لشيخ الجامع الأزهر جاء فيه: "لكم أن تثقوا بأنه لم يقصد البتة انتهاك حرمة الأزهر ولا التعدي على كرامة فضيلتكم أو السادة العلماء أو الطلاب المسالمين".
وإضافة إلى كل ذلك، فإن المتصفح لكتالوج الجامع الأزهر، الذي صممه فنيا هبة الله حجازي وجيهان أبو النجا، وأشرف على تنفيذه د.خالد عزب؛ رئيس قطاع الخدمات والمشروعات المركزية بمكتبة الإسكندرية، يملك بين يديه متحف في كتاب حيث ألحق بالكتالوج متحف مفتوحًا للجامع الأزهر الشريف حيث تأخذنا الصفحات في رحلة تبهر الأبصار بروعة الألوان وجمال الفن الإسلامي عبر مجموعة من المصاحف النادرة والمخطوطات القيمة والمحاريب والثريات وقطع القاشاني كلها ارتبطت باسم الجامع الأزهر الشريف.
&

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف