ثقافات

دراماتورج وتحليل مسرحية الخال فانيا لتشيخوف

-
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

أهم شيئ في المسرح هو جوهره ومهابهته والمسرح لاينزل الى الحضيض والمبالغة والبهلوانية والابتذال وهو الجسر الروحي للتعبير عن الانسان ومحاولة التخلص من التكرار عندما نجتمع ونقرر قراءة مسرحية الخال فانيا لغرض تقديمها وفق الخطاب المسرحي كعرض مسرحي علينا أن ندرك بداية ان تكون القراءة متأنية لغرض تعميق الاحساس بهذا العمل الفني قراءة النص مابين طيات الورق والغوص في أعماق لغته ونحصل على المتعة من خلال شخصيات تشيخوف ونحرك الدماء في أجسادهم إخراجيآ لقد كان تشيخوف يشعر بالازعاج عندما يشاهد مسرحياته ولاتعجبه يقول انهم لم يقروأ النص جيدآ، والبروفة المسرحية ممكن ان تكون متساوية& مع العرض المسرحي من حيث القيمة الفنية& واهمية بروفات التحليل&& منذ اول لقاء حول طاولة البروفات& هو مجرد تحليل أدبي& اما التحليل المهم والمعاصر يبدأ فوق خشبة المسرح& مع الحركة& ولكي نتجاوز بروفات المائدة ولايقع الممثل في أسرها لذلك نجد في الاخراج الحديث اهمية البروفات على الجسد& وتحليل الشخصيات فوق خشبة المسرح&& بروفة الحركة والمواقف الدرامية& يبقى فن الاخراج هو التوغل في النص وتحليل الشخصيات وعلاقتها باالمكان والزمان وعلاقتها بالبعض وتحليل المشاهد وتفكيك طلاسم النص وحل كافة ألغازه وإيقاظ وإثارة ثقافة الممثلين وخلق أرواح جديدة& لغرض الابداع المسرحي وتحفيز وتطوير عملية الحفر والتنقيب من خلال القراءة المشتركة مابين فريق العمل والمخرج وتفجير الطاقات وتنمية الخيال والعفوية والتلقائية اتناء التمرين اليومي للعرض المسرحي. تبقى كل الشخصيات في مسرحيات تشيخوف تشكوا وتتألم وتنذب حظها وتعيش في حالة الضجر وفجأة نشهد مشهد قتل أو إنتحار وصوت طلقة نارية وراء الكواليس ربما بعض نصوصة شبيهة بالاجواء البوليسية وكل هذه المفارقات تحصل بسبب الفعل ورد الفعل أو بسبب الدخول في نقاشات وممحاكات ومجادلات ومخاصمات ومشاجرات وبسبب وجود النص داخل النص في مسرحيات تشيخوف اي ميتا دراماتورجي كل شخصياته مجردة من القناع الايديولوجي والماسك الديني هناك شخصيات مرحة وشخصيات عادية& وشخصيات بائسة ويائسة عبارة عن شخصيات واقعية تعيش خلف حاجز زجاجي تعاني من أزمات روحية والحساسية واحيانآ الجميع يعيشون بشكل طبيعي ولكن أين يكمن الشر والخير وفي كل نهايات المسرحيات عند تشيخوف تجد الحالة التذميرية لمصير الانسان وهناك التشاؤم الانساني العميق.يبقى النص المسرحي هو القانون والمسرح هو صيغة هذا القانون ومفجرْ مكوناته وعند مشاهدة اي مسرحية اوروبية عن مسرحيات تشيخوف عندما تعرض على خشبة المسرح ولم تنجح يعود السبب في ان& الممثل اساء فهمْ دور المخرج وهذا مايكتبه بعض النقاد وانطباعاتهم فلغة تشيخوف فيها دلالات واشارات مضادة للكلمة نفسها وعليه يجب تجاوز الكلمات الغير متجانسة ونحدد المضمون الانفعالي للمشاهد على خشبة المسرح وتبقى مسرحية الخال فانيا عنوان بسيط يوحي الى اسم الخال وتبقى سيميائية وعمل المخرج ليس على نظرية العرض المسرحي وخشبة المسرح بل الشغل والعمل على النص المكتوب فمثلآ إختيار الاسم له دلالة معينة مثلآ إختيار تشيخوف لأسم الخال فانيا وقد تحمل دلالات كثيرة لدى الكاتب سواء كانت تتصرف سلبآ أو إيجابآ وبعد ذلك مع سير الاحداث نكتشف إن شخصية الخال فانيا هي العنصر المهم في الحدث المسرحي ولا نستطيع أن نغفل دلالالة الشخصية وتركيبها وأهمية الشخصية تنبتق من نوع الوظيفة وعلاقة الشخصية مع باقي الشخصيات الاخرى في المسرحية سيربرياكوف استاذ متقاعد ومحاط بكمية من الادوية يفضل الماضي على الحاضر شخص متعب ومريض اما زوجته الثانية يلينا عمرها ٢٧ سنة شابة تعيش مع رجل جثة وعليل وهو يناديها لينوشكا& اما استروف يناديها المرأة الرائعة& زواج غير متكافئ وهو مبرر للخلاف اما سونيا وهي ابنة سيربرياكوف من زوجته الاولى& وهي اخت الخال فانيا اما شخصية ماريا وهي زوجة مستشار سري وهي ام& زوجة الاستاذ الاولى وهي من اسرة غنية اما شخصية فوينتيسكي ايفان ابنها وهو الخال فانيا عمره ٤٧ سنة يعيش المعاناة الخفية وحالة القلق اما شخصية استروف فهو طبيب يحب البيئة اما شخصية تليجين ايليا اقطاعي مفلس تبقى كل شخصيات تشيخوف ضعفاء وعاجزون او متقاعد او مفلس وفق هذا التقويم لذلك يعيشون تلك المأساة وتدير البيت المربية العجوز مارينا قليلة الحركة تجلس دائمآ بجانب السماور وتحيك جوربا كل الحداث تدور في ضيعة سيربيرياكوف تشبه ضيعة سورين في مسرحية النورس ومسرحية ايفانوف ومسرحية بستان الكرز تدور احداثها في& ضيعة رانيفسكايا ويبقى تشيخوف متمردآ على العالم ومنتصر في مسرحياته ومنظومة كل شخصيات تشيخوف تعيش الكأبة ولكنها ساحرة وفاتنة وتعيش سحرالمكان وحلم المستقبل. وتجد في كل مسرحيات تشيخوف& الثالوث الابدي الزوج والزوجة والعشيقة وهو يبني الموقف على الاحباط في الحب واستحالة تحقيق الذاث نجد ذلك في مسرحية الخال فانيا زوجة البروفيسور العجوز تحب استروف وعلاقات سايكلوجية معقدة بسبب الشعور بالاحباط والضياع ربما تبعث لدى الجمهور حالة نفسية ومزاجية مطابقة وفي النهاية يسود الفشل في تحقيق الذات وهو يمثل جوهر الحدث في مسرح تشيخوف .

مسرحية الخال فانيا والكاتب الروسي تشيخوف في ستوكهولم
ونحن نغوص في أعماق وجمال& مدينة ستوكهولم واذا بنا لابد ان نعيش متعة الفرح والجمال بزيارة مسرح كلارا وعرض مسرحية الخال فانيا والمخرج السويدي تومي برجرين وتمثيل نخبة جميلة من نجوم السينما والمسرح الممثلة ريجينا لوند ،نينا اكلوند،ستين لونكرين والممثل بيترهابر،اندرس هيلوم واغلب الشخصيات تعاني ضياع الفرص وفوات الفرص المناسبة الجميع يناجي ويبكي والحديث عن احلام الماضي التي لم تتحقق الخال فانيا يبكي ونادم على مافاته وضياع ماضيه وخسارته يلينا والتي قابلها في منزل اخته وكان عمرها ١٧ سنة وهو عمره ٣٧ والخال فانيا يخاطب ويناجي نفسه نادمآ: "لماذا لم أقع في حبها لقد كان أمر سيئ ومحبب بالنسبة لي " في مسرحية الخال فانيا عدد قليل راضي عن ماضيه وخاصة الدكتور استروف شصية ناجحة وقانعة بمصيرها وشصية سيربيرياكوف بروفيسور متقاعد ونصاب حيث يتجه بعض النقاد للمقارنة بين شخصيته وشخصية الخال فانيا ويبقى صعب ان نتعرف على شخصية من شخصيات انطوان تشيخوف الحزينة والبائسة وربما كان يسخر ويضحك من هذه الشخصيات ويستعرضهم على المسرح كأشخاص عاديين وفي ظروف عادية ونظرته اليهم لم تكنْ نظرة إستهجان . كتب انطوان تشيخوف مسرحية الخال فانيا بعد مسرحية طائر البحر ومسرحية الشقيقات الثلاث وكل شخصيات مسرحية الخال فانيا محاصرة وغير ناضجة وغير مسيطرة على مصيرها وتعيش احلام الماضي والمستقبل المجهول ،والبروفيسر العجوز سيربيرياكوف مريض وأناني مهتم فقط بنفسه وبعيد عن مغازلة واملاء الفراغ العاطفي لزوجته الشابة يلينا المكتنزة& بالجمال والحيوية وهي تعاني وتعيش الفراغ العاطفي فتقع في شباك حب الدكتور استروف ويعلم الخال فانيا بهذه العلاقة وتثور ثائرته ويصاب بهيستيريا ويصرخ ويتعذب وهو مغرم بها من جانب واحد دون معرفة يلينا واما ابنة اخته الشابة سونيا فهي كذلك تودْ التقرب من الدكتور استروف ولكن دون جدوى وتشعر بالخيبة الحزن والضياع مع الخال فانيا بعد ان ترك الجميع البيت الكبير . عالج المخرج تومي برجرين مسرحية الخال فانيا برؤية إخراجية مليئة بالشحن العاطفي والانسيابية وبمتعة فائقة سبق ان شاهدت له العديد من المسرحيات والتي اخرجها لفرقة مسرح مدينة ستوكهولم هنا كل شيئ مختلف لكونه يتعامل ويشتغل على نص مسرحي لتشيخوف وقد حاول خلق الاجواء الساحرة وفي قيادة وتحريك ممثليه بطريقة أكثر حيوية ونشاط واستطاع كسر حالة الجمود والركود والمللْ في هذه المسرحية الطويلة وقد جعلنا طوال مدة العرض نتعاطف مع إيلينا& وكذلك مع الشابة سونيا الطموحة والتي تخدم وتحب الجميع وفي تعاطفها وتضامنها مع الخال فانيا ووقوفها الى جانبه في محنته وحظه العاثر وخاصة في مشهد ذروة الاحداث عندما يقرر البروفيسور والدها سيربيرياكوف بيع البيت فتثورثائرة الخال فانيا وهو يشهر مسدسه محاولآ قتل البوفيسور ومتهمآ إياه بالانانية والغرور وعدم الاكتراث واحترام الاخرين الذين خدموه وضحوا من اجله طوال كل هذه السنين

يمتاز اسلوب المخرج السويدي تومي برجرين كونه يمتلك روح& الشاعر والاهتمام بالتفاصيل الصغيرة في علاقة الممثلين وخاصة انه يختار ممثلين نجوم ورفيعي المستوى وقد استطاع& المخرج تومي الولوج في أعماق واجتهد الدخول في أعماق النفس البشرية وتحريك الممثلين بطريقة سلسة وقد استطاعت الممثلة ريجينا لوند في تجسيد شخصية يلينا وكانت تشكل مركز الثقل في توازن العرض المسرحي وجسدتْ المشاعر الانسانية سبق ان شاهدتها وهي تمثل شخصية جريتا غاربوا وتبقى الممثلة ريجينا تمتلك كل مقومات التمثيل والاداء الحر وكل مواصفات الجمال ولها حضور فعال على خشبة المسرح وتبقى مسرحية الخال فانيا عبارة عن عمل جماعي وكل الشخصيات تمتلك صيرورة الهدم والبناء وجميع الشخصيات تعزف على تنويعات وعلى معنى الارض والقهر والضياع .وقد استكمل العرض عناصره من المتعة والجمال بتكامل السينوغرافيا وبجهد السنوغراف الفنان لينارت مارك وكذلك تصميم الملابس والازياء اضاف للعرض سحرآ أخادآ في المعادل التشكيلي المكونْ من عدة موتيفات البيت الكبير والمائدة وطاولة الادوية والمقاعد تملأ كل الكتل والفراغات بيسر وتناغمت الاضاءة مع كل الموتيفات ومع الممثلين وتنتقل بهم من حالة الى حالة أخرى وفق الزمان والمكان وفي كل بلاغة وشاعرية باستخدام الالوان النابعة من الاضاءة وبشكل مدروس

عصمان فارس مخرج وناقد مسرحي ستوكهولم&

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف