ثقافات

تغريد هاشم وسؤال الروح المتمردة

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

"يطمح الأخرون إلي خلق اعمال فنية، أما أنا فلا أريد إلا الى إظهار روحي" (انطونان ارتور)
لعلي مع كلمات الشاعر والكاتب المسرحي الفرنسي (انطونن ارتور) اعول على التهيئة لمدخل يتيح لي معرفة مفاهيمية النشاط الابداعي لتغريد هاشم، فمنذ ان تعرفت على افكاره في كتابه المعنون: (المسرح وقرينه) وهو من اهم ما كتب، شعَرَت كما لو انها دلفت الى مرجل التفاعل والتماهي الوجداني مع كاتب سبقها بعقود الى اكتشاف الصفة الكارثية التي يعيشها الانسان والعالم وبحثه المستمر عن الحرية و الخلاص الروحي.

فقد تناول ارتور كثيرا الازمة الروحية التي يواجهها الانسان في اغلب اعماله الابداعية. فراح ينادي بما اطلق عليه تسمية (مسرح القسوة) ويسعي من خلاله إلى تعرية النفس الانسانية وكشف ما يعتريها من وهن واضطراب وخلل.
تبدو صورة الاشياء في منجزها مشوشة، كما لو انها انعكست في مرآة روح انهكها الخراب والتعب.

في مواجهة اعمالها، سنكتشف سريعا ان ليس هناك مايدعو لان نعول على متعة نظر جمالية خالصة الا في حالة مراقبة تكوينات اعمالها المتسمة بالنضوج والجمال من ناحية توزيع المفردات واستخدام الالوان بشحة واختزال جميلين، نحن ازاء اعمال منشغلة بتوليد الاسئلة الحائرة دون هوادة، اعمال كما لو انها في كل لحظة تماس معنا تولد في دواخلنا خلخلة للمستقر واقلاق للمتوازن، تضعنا على حافات الدمار وكأن العالم ايل للسقوط، ليست هي ممن يعول على جماليات جسد المرأة ولا على الحساسية الانثوية من جهة الشاعرية والعاطفة الجياشة، نحن بأزاء حاضر للحزن وماض له، ليس العالم مريحا، فهو الكينونة التي تعاني من اللاثبات، والانهيارات في بناها الروحية، تتلبسها احلام كابوسية، كما لو انها ضاجة بانفاق مظلمة تسكنها اجساد تعاني من احوال وجودية غير مريحة، تلوح فيها اياد ذات ايماءات دراماتيكية وعيون تراقب العالم بريبة كما لو انها لم تتآلف مع العالم ولو للحظة واحدة.
تعبر تغريد في اكثر من مناسبة عن لا جدوى العثور على الاخر فأعمالها عامرة بطقوس العزلة والمنفى حتى وهي مع الاخرين.
يقول الشاعر الامريكي (بوكوفسكي):
تهشّم النساء المزهريات على الجدران
ويثمل الرجال كثيرًا
لكن،
لا يعثر أحدٌ على الآخر

في صورها المنجزة بتقنية الديجتال تكتظ المفردات التي تحيلنا بطبائعها الكابوسية الدرامية الى عالم يتفكك ليتشظى، وهي بذلك تتنبأ بمصيرنا نحن، حيث تعيش ذواتنا الانسانية في حالة العزلة بالرغم من التطور الهائل في مجال التواصل بين البشر، فلا لغة تفاهم حقيقية بالرغم من السهولة الهائلة في نقل النص المكتوب واللغة المنطوقة الى الاخر في ايامنا هذه، فهي تقول لنا من خلال اعمالها ان لا سبل لتواصل انساني حقيقي وان قدر الكائن الواعي هو الجلوس داخل زنزانة الذات لان الاخر بعيد من الناحية الروحية.

في احدى صورها (وجه امرأة باربعة ازواج من العيون) لا نجد فما ولا انفا، وكان الوجه خُلق ليراقب فقط، وكل واحدة من العيون الثمانية منشغلة بالنظر في اتجاه معين، والصورة تتقصد تصعيد حالة الرصد الى اقصى حدودها فالوجه كلهه يرصد وكان فعل الرصد والمراقبة اصبح وجها.
في عمل اخر، نجد رأس امرأة مع يدين متشابكتين، العمل مختزل بشكل كبير ولكنه يتوافر على طاقة ايحاء عالية الدرجة، فهنا نشعر بأيماءة او اشارة للرغبة بالتواصل من خلال حركة اليدين المتشابكتين وربما اللاتواصل ايضا ! فلا يمكن التنبؤ ان كان الفعل يوميء بالتواصل ام بالانفصال، الامر الذي درجت تغريد على العمل به في اغلب اعمالها حيث لا تقبل بأن تسلمنا الى اليقين بل الى حالة من التواتر مابين اليقين والشك.
العمل الذي يعرض لامرأة مشغوله بارتداء ملابسها وهو الحاوي على عدة مشاهد متراكمة على بعضها. ما يميز هذا العمل ويشكل المحور المضموني الاكثر تأثيرا هو الحركات المختلفة للايدي وهي تنتظم في نسق ايقاعي متنوع وجميل. لدينا ايضا امرأة في تمظهرات مختلفة ربما اربعة او اكثر، وكأن الاحداث في تتابعها فضلت ان تقتصر على اللحظات الاكثر حميمية وتركيزا على جوهر الطقس العاطفي لحالة امرأة وهي في عزلتها وطقوسها اليومية.

ان مايميز اعمال تغريد هو ذلك الاختزال الناضج في المفردات والتكوينات والالوان مما يجعل لاعمالها نبرة كرافيكية واضحة وتأثير قوي للمفردات التي تنتظم في انساق مدروسة ومختبرة،اضافة الى انها تنجز اعمالها بسبب وجود رغبة تظهر من الداخل، وليس بدافع جمالي بحت، العمل الفني عندها هو اقرار وجداني وليس ترفا جانحا نحو متعة خالصة.

تغريد هاشم
فنانة عراقية تخرجت من اكاديمية الفنون الجميلة ببغداد، قسم التصميم سنة 1992
باكالوريوس في المعمار من جامعة نيوكاسل في استراليا سنة 2005
دبلوم في المعمار، جامعة لندن ساوث بانك سنة 2010
ماجستير في تخطيط المدن، الجامعة الملكية التكنولوجية في ستوكهولم سنة 2015 - 2016
عضو في الجمعية السويدية للمهندسين المعماريين
عضو في منظمة البناية الخضراء في السويد
عضو في منظمة الفنانين العالمية في السويد KRO
عضو في منظمة الفنانين السويديين SK
عضو في منظمة BUS لحقوق الطبع والنشر العالمية في السويد

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف