عن روايتها الثانية أغنية هادئة
فوز الروائية ليلى سليماني بجائزة "غونكور" يبهج المغاربة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
إيلاف من الرباط: "خبر مفرح" .. "خبر جيد" .. "فوز مشرف"، بمثل هذه العبارات استقبل الكتّاب المغاربة إعلان لجنة "غونكور" الأدبية، اليوم الخميس، فوز الكاتبة ليلى سليماني (35 سنة) بهذه الجائزة الرفيعة، عن "أغنية هادئة"، روايتها الثانية، بعد "في حديقة الغول" (2014)، روايتها الأولى، التي استلهمت أحداثها، سنة 2011، من قضية دومينيك ستروس كان، عقب اتهامه باغتصاب عاملة في فندق أميركي، لتقرر تناول قضية الإدمان الجنسي، لكن من خلال المرأة.
وسبق لسليماني أن فازت، عن عملها الروائي الأول، بـ"جائزة المامونية" الأدبية، في نسختها السادسة، الخاصة بالكتّاب المغاربة الفرنكوفونيين، والتي يمنحها فندق المامونية الشهير بمراكش. كما سبق لها أن نشرت، بالدار البيضاء، سنة 1913، أول مؤلفاتها، عبارة عن دفتر سفر، تحت عنوان "خليج الداخلة: التجول الساحر بين البحر والصحراء".
"أغنية هادئة" .. بعد "ليلة القدر"
تأتي ليلى سليماني، بفوزها بجائزة "غونكور" لهذه السنة، لتنضاف إلى الطاهر بن جلون، الذي كان أول كاتب مغربي وعربي يفوز بهذه الجائزة الرفيعة، عام 1987، عن روايته "ليلة القدر"، قبل أن يفوز بها، عام 1993، الكاتب اللبناني أمين معلوف، عن روايته "صخرة طانيوس".
ومن الكتّاب المغاربة، سيفوز بالـ"غونكور"، في فئة الشعر، الشاعر عبد اللطيف اللعبي عن مجمل أعماله الشعرية، عام 2009؛ كما فاز بها فؤاد العروي، في فئة القصة القصيرة، عام 2013، عن "القضية الغريبة لسروال داسوكين".
وتروي رواية سليماني، المتوجة بالـ"غونكور"، قصة جريمة قتل طفلين على يد مربيتهما، متناولة، في العمق، العلاقات الاجتماعية، حين تقوم على الجمع بين السيطرة والبؤس.
ودرست سليماني في الرباط، قبل أن تواصل دراستها في باريس، لتعمل خمس سنوات في مجلة "جون أفريك"، قبل أن تستقيل لتتفرغ للكتابة.
ونقل عن سليماني، التي ولدت عام 1981 في الرباط، من أم من أصول جزائرية وأب مغربي، أنها "تنفر من مسائل الهوية"، طارحة وجهة نظرها، بقولها: "عندما تنشر امرأة مغاربية شابة روايتها الأولى، يذكر الإسلام والهوية والمغرب العربي والهجرة. أردت أن أظهر أن مغاربياً يعيش في فرنسا يحيط، أيضاً، بثقافة عالمية جامعة وليس مجبراً على ذكر كثبان الرمل والجمال والمساجد".
فوز للمرأة المغربية
عن دلالات فوز ليلى سليماني، قال المعطي قبال، الكاتب والمسؤول عن اللقاءات الثقافية والمنسق العلمي للملتقيات التاريخية بمعهد العالم العربي بباريس، في تصريح لـ"إيلاف المغرب"، إن "ليلى سليماني واحدة من الكاتبات ذات الأصول المغربية والتعبير الفرنسي اللواتي خلقن المفاجأة في الحقل الأدبي والإبداعي الروائي الفرنسي. إليها تنضاف كل من كوثر الحرشي، مايدو حميد سلطان، بشرى عزوز والتي توظف اللغة الفرنسية كغنيمة حرب، على حد تعبير كاتب ياسين".
ورأى قبال أن "حكي ليلى سليماني ينضح، من خلال روايتيها، وبالأخص رواية "أغنية هادئة"، بالألم وعذابات المرأة. وقد وظفت قصة واقعية، لتقول لنا إنها تنطبق على كل نساء العالم".
وقال قبال إن فوز سليماني بالــ"غونكور" هو "فوز للمرأة المغربية، ثم ثانياً، للآداب المغربية عامة"، مشيراً إلى أن هذه الجائزة ستعطي شفافية أكبر لأصوات روائية نسائية شابة وقد تشجع الشباب على القراءة والكتابة".
من جهته، قال عبد الرحيم الخصار: "أن تحصل ليلى سليماني هذه السنة على الجائزة، فمعنى ذلك أن لجنة "غونكور" تنتصر بالأساس للأدب، بغض الطرف عن الاعتبارات الخارجية؛ أقصد سن الكاتب وشهرته ومكانته في الوسطين الأدبي والإعلامي".
اعتراف نبيل
من جهته، قال الكاتب والباحث والإعلامي حسن نرايس، إن فوز سليماني بالـ "غونكور" هو "خبر مفرح"، خاصة "في ظل الأجواء المكهربة جداً حول الهوية والاندماج واحتقار المرأة العربية التي يقال إن النقاب مفروض عليها، وحول علاقة الإسلام بالإرهاب، كل هذه الأشياء وأخرى، تجعل من هذا الفوز يكتسي صبغة قوية في الظروف الراهنة". وتابع كاتب "الضحك والآخر .. صورة العربي في الفكاهة الفرنسية"، قائلاً: "ما أحوج الأغلبية الساحقة والساحقة جداً من العرب بفرنسا إلى هذا الاعتراف النبيل".
ورأى نرايس أن "موضوع الرواية عميق جداً ومؤثر جداً"، مشدداً على أن "طريقة كتابتها المتميزة جداً"، تؤكد أنه سيكون لسليماني "مستقبل روائي على المستوى العالمي".
وعن انعكاس هذا الفوز على الأدب المغربي، بشكل عام، قال نرايس: "لا ينعكس. هو مجهود وطموح وكفاءة فردية لأديبة واعدة".
قصة الجائزة
تعنى جائزة "غونكور" بالأدب المكتوب باللغة الفرنسية، وتَمنحُها أكاديمية "غونكور"، سنوياً، "للعمل النثري، الأفضل والأخصب خيالاً في العام". كما تمنح الأكاديمية أربع جوائز أخرى، هي جائزة "غونكور" للرواية الأولى، وجائزة "غونكور" للقصة القصيرة، وجائزة "غونكور" للشعر، وجائزة "غونكور" لأدب السيرة الذاتية. ويعود إنشاء أكاديمية "غونكور"، حسب الموسوعة العالمية، إلى إدمون دو غونكور (1822 _ 1896)، الذي كان مؤلفاً ناجحاً وناقداً وناشراً، حيث وقف كل أملاكه على تأسيس أكاديمية "غونكور" وتمويلها لتخليد ذِكرى شقيقه وشريكه جول ألفريد هوت دو غونكور (1830 _ 1870)، فقرر أن تُباع كل ممتلكاته، بعد وفاته، وتخصص فوائد هذا المبلغ الضخم لأكاديمية "غونكور" وتمويلها لمنح الجائزة، سنوياً، لأفضل عمل أدبي في العام. ويبقى مارسيل بروست وجون فايار وسيمون دي بوفوار وجورج دوهاميل وألفونس دي شاتوبريان وأنطونين ماييه، من أشهر الفائزين بهذه الجائزة الرفيعة.
حسنات الجائزة
يرى الشاعر المغربي عبد الرحيم الخصار أن ""غونغور" تواصل تميزها وسط مختلف الجوائز الأدبية في العالم. فهي جائزة غريبة، حقاً. لا تمنح مقابلاً مادياً مباشراً لمن يفوز بها. لكنها، في الآن ذاته، تمنحه الكثير من المال. حيث أن من حسنات هذه الجائزة العريقة أن تصل مبيعات الرواية الفائزة إلى حوالي 350 ألف نسخة. ولنا طبعاً أن نتوقع أرباح المؤلف من رقم كهذا".
قيمة مضافة للأدب المغربي
أثار الأدب المغربي، في المهجر، اهتماماً لافتاً ومتابعة متواصلة، مشكلاً قيمة مضافة للأدب المغربي ومؤكداً حضوره على أكثر من صعيد، هو الذي ارتبط، في بداية الأمر، بالإقامة في بلد ولغة المستعمر، قبل أن تتعدد وتتمدد بلدان ولغات الإقامة، لتشمل مهاجر موزعة بمختلف قارات العالم، وتتنوع الأسئلة والهواجس، ليصير للمهجر معنى آخر.
وفي ظل التحولات التي مست مفهوم "المهجر" ودلالات "الهجرة"، ستتناسل الأسئلة، بخصوص راهن الأدب المغربي في المهجر، ومن ذلك كيف تحافظ الهجرة على قيمتها كـأفق للكتابة، والقيمة المضافة التي يجتهد مغاربة العالم، من الكتاب، في إضفائها على الإبداع المعاصر، وأوجه المقارنة بين إبداعات الجيل الأول ومنجز الأجيال اللاحقة.
على صعيد قيمة المنجز، يجمع المتتبعون لمسيرة الأدب المغربي على أن "أدب المهجر" يشكل رافداً ومكوناً أساسياً ضمن هذا الأدب، مع تفاوت ملحوظ عند المقارنة بين مساهمة كل جيل، وفي الكيفية التي يتم بها رصد التحول الجذري الذي طال مسألة الهجرة والكتابة، مقارنة بما كان متداولاً في سبعينيات القرن الماضي، على الأقل.
ويرى طه عدنان، الشاعر المغربي المقيم في بلجيكا، أنه "مهما تعدّدت لغات الكتابة، فالإبداع المهجري هو إبداع مغربي، أيضاً. إبداع يرصّع شجرة الأدب المغربي المتحركة ويغنيها بالموضوعات الفنية والمقترحات الجمالية. كما أنه يقرّب القارئ المغربي من عوالم الهجرة خارج الصور النمطية الجاهزة التي يروّج لها الإعلام بشكل موسمي. إنه قيمة مضافة أكيدة للأدب المغربي.
كما أنه منذور للتطوّر تبعًا لتطوّر الهجرة. وأتوقّع شخصياً مفاجآت أدبية في بلدان ولغات تظلّ غير مطروقة من طرف الكتّاب المغاربة، كإيطاليا التي تعتبر الهجرة إليها حديثة نسبياً. فمن الطبيعي أن تنتج الهجرة هناك أقلاماً تروي سيرة هذه الهجرة بلغة إيطالية ووجدان مغربي. وتنتج أدباً يؤكد التعددية اللغوية كقيمة مركزية في الأدب المغربي المعاصر ويوسّع من مدار الأدب المغربي ويعزّز حضوره العالمي".