د. محمد عبدالحليم غنيم: شجرة الشيخ على
-
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
&
قصة قصيرة&&خرجت مبكراً ذلك الصباح إلي الحقل ، دون أن أتناول طعام إفطاري ، لقد كنت غاضباً من أمي التى أخذت الأجرة كلها دون أن تعطيني منها شيئا ، علي الرغم من أنها ظلت تقنعني طوال الليل بأنها فى حاجة إلي هذه الأجرة كي تكمل بها ثمن كيلو اللحم الذي ستشتريه غداً من السوق بمناسبة موسم عاشوراء ، حتى نكون مثل بقية الخلق فلا يتطلع أحد من أخوتى الصغار إلي الناس وعلى الرغم من اقتناعي بالأمر وفرحي باللحم ، إلا أنني ركبت رأسي ، وفى النهاية رضخت ، فانسللت من المنزل قبل شروق الشمس آخذاً الطاقية وشمرة القطن فى صمت .. وجدت نفسي وسط حقول القطن البيضاء قبل أن يصل أحد من الأنفار ، كان الحقل الذي سأعمل فيه اليوم بالقرب من شجرة الشيخ علي ، وهي شجرة صفصاف عارية من الأوراق دائما ، يعتقد كثير من الناس أنها مبروكة وحتى هذه اللحظة لا أعرف سر الارتباط بين شجرة الصفاف والشيخ علي الذي يرقد فى مقامه الفقير عند مدخل العزبة ، والغريب أن الناس يعتقدون فى الشجرة أكثر مما يعتقدون فى المقام .&كانت الشمس علي وشك الولادة من رحم الجانب الشرقي ، أخذت أتأمل هذه الكرة الملتهبة وهي تميل قليلاً إلي الصفرة ، ( لم تكن المرة الأولي التى أشاهد فيها شروق الشمس ) وفجأة قطع هذا التأمل تأوهات وربما همسات ، أنصت جيداً وأنا أمد بصري إلي بياض الحقول الشاسعة من حولي ، صوت امرأة ، أدعية تنتهي بعبارة : &"يا شيخ علي "، التفت علي الفور نحو شجرة الشيخ علي التى لم تكن بعيدة عني ، وجدتها أمامي عارية كما ولدتها أمها ، إذ كانت قد انتهت لتوها من وضع ثيابها فوق جذع الشجرة ، ثم جلست القرفصاء رأيت ظهرها الأبيض يلمع تحت قطرات الماء الذي تصبه من إبريق أسود فخاري وهي تتمتم بالدعاء ، انتابني فى البداية &خوف ماذا لو التفتت ورأتني أراقبها ؟ حاولت أن أبعد نظرى بعيداً ، فلم أستطع ! هل كنت مأخوذاً حقا بذلك البهاء الجسدى ؟ وإذا بها تلتفت ناحيتي ، ربما أحست بوجودي ، إنها تناديني ! تطلعت إلي الشمس التى ارتفعت قليلاً الآن ، فعادت تنادي من جديد ، ولكن فى صوت ودود &ومنكسر، مما أشعرني بالطمأنينة :&- تعالي يا حبيبي .. قرب مني .&كالسائر نائماً اندفعت نحوها ، ناولتني الإبريق بيد ، وفى الوقت ذاته وضعت يدها الأخري فوق قُبلها وقالت فى خجل :&- &صب الماء فوق رأسي ولا تنس أن تسمي .ثم أردفت مؤكدة ومحذرة :&- إياك أن تقول لأمك يا حسين ...فتذكرت علي الفور أمي ، ماذا لو عرفت ؟ كانت أمي تخشي من عين زينب ، وتعتقد أنها حسودة ، لذلك كانت تدعي أمامها دائما أنني مريض وكما كانت تمنعني من الذهاب إلي بيتها ، وعندما تقبلني زينب ، تكظم أمى غيظها وهي تتمتم ببعض كلمات من سورة الناس ، قلت فى انقياد وذهول معا:&- حاضر .&ثم نفذت ما أرادت ، لم يستغرق الأمر دقائق ، وعندما أنتهيت أخذت تتأملنى ، ووجدتني لأول مرة أتطلع إلي عينيها ووجهها ، كانت الدموع تنسكب بغزارة علي وجنتيها ، وكان صوتها مختنقاً بالبكاء وهى تبتهل :&- يارب .. يارب أطمعني .. قل معي يا حسين&بكيت مثلها و كأنها نسيت نفسها ، أسرعت إلي الجلباب وارتدته علي الفور وهي تقول :&- لا تخف يا حبيبي .&قلت :&- أنا مش خايف .. لكن الأنفار نزلوا وخطي سيتأخر .فضحكت، وهي تقول :&- ولا يهمك سأساعدك .. المهم لا تقل لأمك شيئا .ثم أخذتني في حضنها وأخذت تقبل خدي، وعند ذلك سمعت صوت المقاول الأجش يصيح فى غضب :&- ولد يا حسين .. خطك تأخر.أسرعت استلم خطى وأشرع فى العمل فى صمت وأنا أداري خجلي، ومع ذلك لم أسلم من سخريته :&- ماذا كنت تفعل مع هذه المرأة المجنونة ؟&لم يدعني أجيب ، فواصل سخريته ، وكأنه يعلم أنني لن أستطيع الرد:&- كنت بتحميها .. ما استحمتش معاها ليه ؟ .. مدد يا شيخ علي يا بتاع النسوان .&&وأطلق ضحكة عالية فجة ، تطلعت حولي فى سرعة ربما كنت أريد أن أتأكد من خلو الطريق أمامي ، وبأقصي ماأستطيع ملأت فمى باللعاب وقذفته فى وجهه ، فألجمته المفاجأة ،وعند ذلك أطلقت ساقي للريح ، وبعد خطوات سمعت صوته صارخا :&- الأجرة يا ابن الكلب .. سآخذها من دمك .لم استطع أن أذهب إلي البيت خوفاً من أمي ، وكدت أرجع إلي الحقل ، وقفت وسط الطريق الزراعية أتدبر الأمر، هل أرجع ؟ ولكنني خفت أن يضربني المقاول .&عرفت فيما بعد أن زينب ذهبت لتساعدني وعندما لم تجدني وعلمت بما حدث ، نزلت مكاني وعملت بدلاً مني طوال ذلك اليوم .&&
التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف