ثقافات

عبد الرحيم التونسي أفضل فكاهي مغربي في القرن العشرين

مهرجان مراكش يكرم «عبد الرؤوف» مضحك الآباء وأبناءهم

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

«إيلاف» من مراكش: امتزجت في أمسية تكريم عبد الرحيم التونسي، الذي يعرف، في المغرب، من خلال شخصية "عبد الرؤوف"، مشاعر عديدة، تتوزع بين الحنين إلى ماض منفلت واستحضار أسماء مغربية أعطت كثيراً في زمن الإبداع الصعب وقلة الموارد وضعف البنيات التحتية، قبل أن تتوارى اختياراً أو قسراً، أو يغيبها النسيان أو الموت.

الشاوش
وقف الجمهور الكبير، الذي غصت به قاعة التكريم، طويلاً مصفقاً لعبد الرحيم التونسي، الذي رسم البسمة على وجوه المغاربة لسنوات بأدوار طريفة في أعمال عديدة، من قبيل "الشاوش" و"امراتي العزيزة" و"دارها ثاني" و"سمسار الحومة" و"فندق الراحة" و"المحامي" و"مطعم الناس" و"كاتب عمومي" و"ضلعة عوجة"، حيث حضر عدد من مجايليه من كبار الزمن الفني المغربي الجميل، أمثال المطرب عبد الوهاب الدكالي والممثل محمد حسن الجندي.
ومثل تكريم التونسي، لكثيرين، تكريماً لمسار فنان يختزل اسمه تاريخ الفن الفكاهي المغربي على مدى أكثر من نصف قرن، أضحك، خلالها، أجيـالاً مـن المغاربـة. وقالت الفنانة الكوميدية حنان الفاضلي، التي قدمت لعبد الرحيم التونسي نجمة التكريم، إن تكريم هذا الفنان المتفرد هو "تكريم للفكاهة المغربية وللفكاهيين المغاربة"، مشيرة إلى أنه يبقى "من الصعب الحديث عن مسار فني طويل لشخصية فنية استثنائية أحبها الجمهور المغربي على مدى عقود".

عبد الرحيم التونسي ضمن طاقم فيلم "عمي" لمخرجه نسيم عباسي



أضحكنا حتى لا نبكي

أشارت الفاضلي إلى أن التونسي "أمتع الجمهور المغربي بفكاهة حلوة من دون ميوعة، وامتهن التمثيل الشعبي بتلقائية مباشرة، علمتنا أن نضحك على كل شيء، حتى لا نبكي على كل شيء"، حيث "كان الناطق الرسمي الساخر باسم الفقراء والمظلومين والبسطاء، وكان ينقل، عبر شخصية عبد الرؤوف، ما لم يكن يستطيع المواطن البسيط التعبير عنه، في ذلك الوقت"، مشيرة إلى أنه "تفادى النمطية بشخصية واحدة، كما أن مواضيعه كانت جريئة وعميقة، لعب فيها على الجميع دور الساذج والمهرج، الذي لا يفهم شيئاً، غير أنه كان يمرر، في الواقع، رسائل ومواقف تفضح آفات عديدة تنخر المجتمع المغربي، كالرشوة والاستغلال والاحتيال والزبونية، وغيرها".

عبد الرحيم التونسي خلال تكريمه في مهرجان مراكش



واحد من اثنين

توسلت الفاضلي مؤهلاتها الجيدة في الفكاهة، فقالت إن "المغربي، على مدى عقود، كان حين يرى الشوارع وأحياء المدن والقرى المغربية فارغة من سكانها كان يخمن أن هناك حدثاً من اثنين، إما أن المنتخب الوطني يجري مباراة في كرة القدم، أو أن هناك مسرحية معروضة لـعبد الرحيم التونسي في التلفزيون المغربي، سوى أنه مع المنتخب تتوتر الأعصاب ويكون المغاربة إما مع خسارة أو ربح أو تعادل، فيما يبقى الربح مضموناً مع "عبد الرؤوف" لأن الفرجة تكون مضمونة والربح مضموناً".
وختمت الفاضلي كلامها، مخاطبة عبد الرحيم التونسي، قائلة: "أنت محبوب ومتواضع، بشوش وبسيط، أنت مثل عمالقة الفكاهة في العالم تتمتع بكثير من خجل الكبار، غير أنه يبقى من المخجل حقاً أن السينما المغربية لم تعطك حقك، هذه السينما، التي نتساءل لماذا تغيب عنها وفيها الفكاهة. لقد أعطتك السينما المغربية أدواراً بسيطة، لكن الجمهور المغربي أعطاك حبه وتقديره".

عبد الرحيم التونسي رفقة أبنائه في مهرجان مراكش



شكراً للملك

من جهته، قال  التونسي، الذي بداً متأثراً جداً من حدث تكريمه، مخاطبا الحضور: "إنه أسعد أيام حياتي أن أقف  أمامكم اليوم". ثم شكر العاهل المغربي الملك محمد السادس على عرفانه والأمير مولاي رشيد، رئيس مؤسسة المهرجان، على التفاتته، قبل أن يهدي تكريمه للجمهور المغربي الذي أحبه وشجعه على مدى عقود، وللفنانين المغاربة".

أيام الاستعمار
ولـد عبـد الرحيـم التونسـي سـنة 1936 بالـدار البيضـاء، أكبر مدن المغرب وعاصمته الاقتصادية. ويتذكر التونسي طفولته، في ورقة عممتها إدارة المهرجان، فيقول: "في أحد الأيام، سمعت المعلمة في المدرسة تتحدث عن المغاربة وتصفهم بالمتخلفين والجهلة، عندما عدت إلى المنزل أقسمت ألا تطأ قدماي تلك المدرسة بعد ذلك اليوم".
ثم اكتشـف الصبـي اليتيـم عشـقه ُ للمسـرح وهـو فـي سـجن الـدار البيضـاء، الـذي دخلـه بعـد أن اعتقلتـه سـلطات الاحتلال الفرنسي عندمـا التحـق بصفـوف الحركـة الوطنيـة. وفـي معتقلـه، قـرر أن يجعـل مـن هـذا الفن مهنته.
يتذكر التونسي هذه المرحلة من شبابه المبكر فيقول: "في مقهى الحي كان الشباب يجتمعون ليحكوا لبعضهم آخر النكت. كنا نضحك كثيراً، كانت أياماً رائعة فعلاً، بحيث لم يكن بيننا نفاق ولا عداء، بل كانت تجمعنا صداقة صادقة ونزيهة. كنا نحترم بعضنا، بقدر ما نحترم الآخرين".

عبد الرحيم التونسي في شخصية عبد الرؤوف



لباس فضفاض

يستعيد التونسي حكاية شخصية عبد الرؤوف، واللباس الفضفاض والطربوش الأحمر، فيقول: "في أحد الأيام، ارتديت لباساً فضفاضاً كنت احتفظت به، يخص زميلاً سابقاً لي في المدرسة، ثم وقفت أمام المرآة أقلده. ثم، جاءتني فكرة تقمص هذه الشخصية التي كانت تبدو ساذجة في المظهر، لكنها كانت تخفي وراءها الكثير من الذكاء، وهي الشخصية التي أعطيتها اسم عبد الرؤوف وصـوتاً وطريقة كلام يناسـبانها. وقد أحـببت ذلـك كثيـراً، فكنت أغير صوتي وأقوم بحركات بلهاء وأرتدي الطربوش الأحمر الشهير فوق الرأس".
نجحت فكرة هذه الشخصية المضحكة والساذجة في ملامسة قلوب المغاربة وشد انتباههم إلى المواقف الهزلية التي التصقت بشخصية عبد الرؤوف. يقول عبد الرحيم التونسي: "بدأت العروض تتوالى تباعاً، فصارت هذه العروض تجلب جمهوراً تكتظ به صالات المسارح، وكانت هذه العروض تقام بشبابيك مغلقة، كما بدأت أشرطة الكاسيط تُباع بالآلاف، وأصبح نجاح شخصية عبد الرؤوف يتجاوز حدود المملكة، ليصل إلى مختلف الجاليات المغاربية التي تعيش في الخارج".

تركيب السيارات

عمـل عبـد الرحيـم التونسـي في شـركة (صومـاكا) لتركيب السـيارات، قبـل أن يكـرس حياتـه للمسـرح، حيث أسـس، في 1975، فرقتـه المسـرحية، التـي جـالت مختلف مناطق البلاد، فـي لحظـات مجـد فني ومهني، سـتظل خالـدة فـي ذاكـرة المغاربة، حيث تنقل، بمسرحياته، بين المدن والقـرى والبـوادي، وقدم عروضه في قاعـات الأحيـاء والمسـارح الكبـرى، داخل المغرب وخارجه، مـن أجـل إسـعاد المغاربة المقيميـن فـي الخـارج، والذيـن كانـوا يتطلعـون لحضـوره بكل شـوق.
في المدن، غيرت مسرحيات عبد الرؤوف من نمط عيش سكان هذه المدن التي كان يعرض فيها، يقول: "لقـد أدخلنـا الحياة والبهجة إلى المدينـة. فبعد نهاية كل عـرض، كان النـاس يبقـون فـي شـوارع المدينـة إلـى سـاعة متأخـرة مـن الليـل، كما أن المقاهـي كانت تبقـى مفتوحة".

أفضـل فكاهـي مغربـي

إذا كان الرجـل وشـخصيته قـد اختفيـا عـن الشاشـات والمسـارح، منذ أواخـر عقـد تسـعينيات القرن الماضي إلـى غايـة 2005، وإذا كان كثيـر مـن الشـباب يدعـون اليـوم أنهـم لا يعرفونـه، فـإن شخصية عبـد الـرؤوف سـتبقى دائـمة الحضـور، فيما يأخذ عبد الرحيـم التونسـي لقب "شـارلو المغـرب"، الذي يذكـره قومه، فـي كل مناسـبة، بوصفـه أحـد أعظـم الفكاهييـن الذين عرفهم المغرب في الزمن المعاصر، ولذلك حظي، في 2011، بتكريـم، مـن قبـل "مؤسسـة ليالـي الفكاهة العربيـة"، بأونفيـرس البلجيكية، التـي اعـــتبرته "أفضـل فكاهـي مغربـي فـي القرن العشـرين".

توشيح ملكي

أحس التونسي، منذ ما يزيد عن عقد من الزمن، بغبن، بعد أن "غاب" أو "غيب" عن جمهوره، حتى صار لا يظهر إلا في أعمال تلفزيونية أو سينمائية معدودة وصغيرة. غير أن توشيح العاهل المغربي له منحه قوة وخفف معاناة واقع الممارسة الفنية في بلده، يقول: "عندما قال لي جلالة الملك بنفسه، خلال توشيحي بوسام المكافأة الوطنية من درجة ضابط، إنه يقدر ما كنت أقوم به، فإن ذلك منحني شحنة جديدة، وشعرت أني قادر على العودة من جديد كما كنت في أيام الزمن الجميل". ثم زاد: "إن التعاطف الذي يكنه لي، اليوم، غالبية المغاربة يغمرني سعادة، لا سيما عندما اعتقدوا، قبل أشهر، أني مت؛ فبدأ كثيرون يدعون لي ولروح صديقي وشخصيتي الثانية عبد الرؤوف بالرحمة. لذلك، سأواصل الفكاهة حتى الموت. بل (ضاحكاً) حتى في قبري، سأستمر في ذلك".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف