"إيلاف" تقرأ لكم في أحدث الإصدارات العالمية
الخيال السياسي.. استشراف للمستقبل وإعادة قراءة للواقع
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
قد يتساءل البعض ماذا الذي يجمع السياسة بالخيال.. يجيب كتاب في هذا الصدد بأنه رؤية ذات بعد عميق تستشرف المستقبل أو تعيد قراءة الواقع، من منطلقات ومقاربات مختلفة جوهريًا عن السائد والنمطي والمتكرر.
إيلاف: تسعى دراسة "الخيال السياسي" للباحث والروائي عمار علي حسن إلى تأسيس رؤية أولية في "الخيال السياسي" بوصفه قضية جوهرية في واقعنا المعاصر، سواء على مستوى التأمل والتقعيد النظري أو على مستوى وضع مؤشرات ورسم مسارات للتطبيق العملي.
محاولة أن تجيب عن أسئلة تتراوح بين النظري والتطبيقي مرورًا بالإجرائي من قبيل: ماذا نقصد بالخيال السياسي؟، وما علاقته بالخيال عمومًا؟، وما أهمية الخيال عامة بالنسبة إلى الفرد والجماعة؟، وأهمية ومهام الخيال السياسي بصفة خاصة؟.
وما هي المنابع التي يخرج منها؟، وهل من الضروري أن نعززه وجوده وننميه؟، لكن ما هي الأساليب التي تمكننا من بلوغ هذا الهدف؟، وما هي العقبات أو الكوابح التي تقف حجر عثر أمام انطلاق خيالنا السياسي؟، وما نوع المجالات أو المسارات التي يمكن توظيف الخيال السياسي فيها؟، وهل هناك نماذج محددة للتخيل السياسي؟، وما حاجة العرب إلى الخيال في الوقت الراهن، حيث ثورة التوقعات والتطلعات التي تصاحبها اضطرابات سياسية جارحة تؤثر في المستقبل تأثيرًا بالغًا؟.
بدائل تقرب الحل
يؤكد عمار علي حسن في دراسته الصادرة من سلسلة عالم المعرفية الكويتية أن المعنى الأكثر تحديدًا وخصوصية ووظيفية للخيال السياسي هو مدى قدرة القيادات السياسية من السلطة والمعارضة، وكذلك القيادات الاجتماعية النازعة نحو أفعال مرتبطة بالحكم بشكل مباشر أو غير مباشر، وجماعات الضغط وقادة الرأي عمومًا والمؤسسات الوسيطة بين السلطة والمجتمع على طرح بدائل أو خيارات بغية حل المشكلات التي تعترض طريق النظام السياسي، وكذلك التخطيط لمستقبل الدولة، والقدرة على طرح نظم وأطر سياسية واجتماعية أكثر تطورًا، وأعلى قدرة على تلبية احتياجات الشعب الآنية والآتية، وكذلك طموحاته وآماله.
أضاف "بهذا يبقى الخيال السياسي العلمي ليس مجرد تغيير في الأدوات والأساليب السياسية، بل هو رؤية ذات بعد عميق تستشرف المستقبل أو تعيد قراءة الواقع، من منطلقات ومقاربات مختلفة جوهريًا عن السائد والنمطي والمتكرر".
يتابع قائلًا: "الخيال السياسي ليس مجرد تطوير عامل الابتكار وإدخاله إلى هذه الأدوات، وإنما هو استعمال منهج مختلف، يعاد بمقتضاه تشكيل الخطة السياسية برمتها، على نحو يلائم المستقبل. هذه الخطة يجب أن تلبّي الاحتياجات الآتية أو المقبلة للنظام السياسي أو الدولة بشتى أركانها البنيوية والوظيفية.. والخيال السياسي، سواء في تعريفه أو في حقيقته، لم يعد تهاويم عابرة أو شطحات مارقة، إنما بات مسارًا علميًا، له أدوات ضبطه، كما سيتم تناوله في ما بعد، لاسيما بعدما انتقل علم السياسة من مجال "الينبغيات" التي صبغته سنين عديدة في كنف القانون إلى دراسة ما هو قائم وكائن بالفعل في رحاب العلوم السلوكية، التي ساعدت، من دون شك، الباحثين على التنبؤ بالسلوك السياسي".
ترجمة الأفكار واقعًا
ورأى حسن أن أهمية الخيال السياسي، الذي من دونه لا تُخلق فكرة قوية، ولا يصدر قرار مؤثر، تبرز حين تسنح فرص تاريخية، مع وجود تحول أو تغيير أو خطر داهم، تتوقع فيها الشعوب بروز قيادة تاريخية، أو تتطلع إلى صياغة مشروع وطني كبير وجامع، يحافظ على الروح القومية ضد سياسة الأمر الواقع.
وبحسب حسن فـ"يحتاج السياسي الخيال، ليؤَّمِن انتقال الأفكار والأهداف بطريقة صادمة ومبتكرة إلى وقائع على الأرض.. ويحتاج السياسي الخيال، لأنه الأكثر مسؤولية عن الواقع، والواقع لا يقبض عليه، بل يُقترب منه بخطط تصنعها الأحلام، ويوسّعها الخيال، والحلم خيال يسعى إلى هدف، أمنية يتلبسها طموح، رغبة ما لتجاوز ما هو قائم إلى شيء آخر، والسياسي الذي لا يتوافر على هذه القدرة. يفلت منه الواقع، وينعدم عنده الحس بالمسؤولية العاقلة بالخيال".
ولفت إلى أن الخطاب السياسي العربي يبدو في مجمله موجّهًا، في الغالب الأعمّ، إلى جماهير تعيش في التاريخ المتخيل، لذلك ينشط هذا الخطاب بالمتخيل الجمعي، لا بالخيال الفردي، وهناك أمثلة ناصعة على هذا، من بينها الخطاب الطائفي بين الخصوم السياسيين، الذي يقوم الأساس على استدعاء المتخيل التاريخي لصراع الطوائف السياسي والديني، وقذفه إلى قلب الحاضر، عبر استعماله في البرهنة على المواقف الآنية، والكيد للخصوم، وإيجاد الملاذ اليسير للأتباع. والسياسي، عمومًا، في صراعه المرير على الموارد والسلطة، يستعمل "المتخيل"، إن فقد الخيال، فيستعيد التاريخ، ويعود بالواقع إلى الوراء، وقد يلجأ إلى تحريض الجماهير على القيام برد فعل قاس ضد كل من يصنفهم مخيالها الجمعي بأنهم أعداء.
التلاعب بالوعي
وأكد عمار على حسن إن المخيلة، إضافة إلى التفكير والمشاعر، تعدّ هدفًا مهمًا للتلاعب بالوعي، لأنها ترتبط أكثر بالهواجس، التي تحدد نصيبًا كبيرًا من سلوك أفراد المجتمعات البدائية، وهي عرضة للتأثر بأشياء من خارجها، وتخلق مخاطر نفسية، تكون أحيانًا أشد إثارة للرعب من الأوبئة والزلازل، و"من هنا نفهم أنه للتحكم بسلوك الناس من المهم جدًا التأثير في العمليتين المرتبطين بالمخيلة، وهما إنتاج الصور إنطلاقًا من الواقع، وإنتاج استراتيجية السلوك وتكتيكه انطلاقًا من الصور الناشئة في الوعي".
وقال: "ترتبط لعبة التخيل بدرجة تلبية حاجات الإنسان، فالحاجات الملبّّاة لا تثير المخيلة. أما إن نقص الإنسان شيء، بدأت صورة هذا الشيء تتراءى لمخيلته، ويشرد ذهنه في كيفية الحصول عليها. وبذا أصبحت حاجات الناس أداة قوية للتحكم في مخيلاتهم، وأحيانًا يلعب المتلاعبون بوعي الناس، إلى درجة جعلهم يشعرون بالاستياء الشديد والإحباط والقمع وانسداد الأفق، بما يغذي "المخيلة السلبية" بالتهيؤات والأحلام والآمال، وعندها سيتركز كل الانتباه على الحاجة غير الملبّاة، وبالتالي التلهي عن الأشياء والحاجات والقضايا الأخرى، وقد تكون أهم بكثير".
يضيف: "وبالتالي يتمكن المتلاعب من تغيير سلوك من يتلاعب به، واستبدال برنامجه، وتحديد جدول أولوياته، وإجباره على أن يرغب في ما لا يرغب فيه، وهو ما يبرز في أعلى صوره في الدعاية السياسية والدعاية التجارية.. لهذا أصبح بوسع السياسيين المتلاعبين أن يقدموا الغذاء إلى المخيلة، ويديروا اللعبة بمهارة فائقة، تصل إلى حد خداع شعوب بكاملها، عندها "قد تصير اللعبة مرعبة ومدمّرة، وحتى انتحارية، فقد ينشغل الشعب بها، إلى درجة يصير معها من غير المفيد التعويل على تعقله، وفي أثناء ذلك يكاد كل فرد تقريبًا أن يوافق على التقويمات اللاعقلانية للواقع الحقيقي، بكلمات أخرى، القضية ليست في الخداع، ولا في نقص المعلومة".. إنها حالة أشبه بخشبة المسرح، التي تتمتع بقوة سحرية كنافذة على العالم المتخيل. وهناك من يشبه السياسة بالمسرح، ليس فقط من زاوية الإيهام والتخييل، إنما أيضًا من باب مهارة العرض، وتوزيع الأدوار، وإقبال الناس بغية الفرجة".
الخروج من الأنا
وأشار حسن إلى أن عملية توظيف الخيال في مجال السياسة تقتضي من المتخيلين أن يبتعدوا بأنفسهم عن آرائهم الخاصة حول المجتمع، بوصفهم أعضاء فيه، ويستخدموا النظريات، ويقرأوا التاريخ جيدًا، لتوفير الأدلة والبراهين من دون ربط ما يستقر في رؤوسهم من فهم بالخبرة الشخصية، لأن مثل هذا يجعلهم بمنزلة اللاعبين الاجتماعيين، وبالتالي لن يكون بمقدورهم أن يفهموا المصطلحات السياسية على نحو سليم. فمن يبتعد عن المشكلة قليلًا، ليراها جيدًا، بوسعه أن يتخيل حلولًا لها أفضل بكثير من ذلك المنغمس فيها، كما إن من صنع المشكلة لا يمكنه أن يحلها.
وشدد على أنه "حتى يكون بوسعنا أن ننمّي خيالنا السياسي، فعلينا أن نزيح الكوابح التي تلجم الخيال أو تكبته، وأولها العقل، الذي يصرّ أحيانًا على فرض حدود وهمية على طاقته اللامحدودة، أو يوحي لنا دومًا بالحذر، ويقيّد رغبتنا في المغامرة. وثانيها البيروقراطية، التي تميل بطبيعتها إلى عمل روتيني، واتباع أساليب جامدة، وفق نماذج عتيقة نسبيًا، ومقاومة أي ميل إلى التغيير أو أي فكرة مبتكرة، خصوصًا لو جاءت من خارج المؤسسة. هذه الآفة يعاني منها الجميع في العالم العربي، لاسيما في الدول التي تتسم باتساع جهازها البيروقراطي وقدمه وتضحم دوره في تسيير دفة الأمور. وعلينا كذلك أن نستفيد بكل ما تتيحه لنا ينابيع التخيل من استقراء التاريخ، وتراكم المعرفة، والاستبطان، والعمل بروح الفريق، والعصف الذهني المفتوح والعميق، وعطاء الدراسات عبر النوعية، والخيال المنطقي المحدد، والخيال الإبداعي المنطلق".
أحمال مانعة
وحول معوقات الخيال السياسي، قال: "على أهميته لا يجد "الخيال السياسي"، في الغالب الأعمّ، لدى السلطات والنخب العربية، طريقًا ممهدًا في كل الأحوال، إذ تعترضه أشياء كثيرة، فتقتله، أو على الأقل تحدّ منه، وبالتالي تجعل الاستفادة منه ضئيلة وهزيلة، أو تحوّله إلى خيالات وأوهام وأضغاث أحلام، قد تحط في لحظة عابرة برأس القيادات السياسية أو الأفيال الكبار، الذين يديرون المؤسسات والهيئات والمنظمات والشركات العملاقة، التي تحوز جزءًا هائلًا من ركائز القوة داخل المجتمع".
أضاف شارحًا: "ليس معنى هذا أن العرب المحدثين والمعاصرين عاجزون عن الخيال السياسي من الناحية الطبيعية أو الفطرية أو إن شئت فقل "البيولوجية"، لكنهم، كشأن آخرين في دول نامية ومتخلفة، يجدون أنفسهم مثقلين بأحمال تمنع إطلاق الخيال. وهذه الأحمال أو الكوابح متعددة ومتداخلة في آن، هذا التداخل يسمح لها بأن تشكل شبكة متينة الخيوط، قد تتماسك بطريقة أكثر، وتتصلب بصيغة أقوى، لتصير جدارًا عازلًا، يحرم القرار السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي والإداري من أن ينعم بعطاء المبدعين الذين بوسعهم أن يتوقعوا ما يأتي في ضوء الإلمام بكل معطيات الواقع".
وقال إن "منابع الخيال السياسي تعتمد على استقراء التاريخ، والعمل بروح الفريق، وامتلاك العقل المنطقي الخلاق، واستعمال الإبداع الأدبي، واللجوء إلى استطلاعات الرأي، واستعمال أدوات، مثل نظرية المحاكاة ونظرية المباريات، والاستفادة من الدراسات عبر النوعية. ومن هنا فإن غياب هذه المنابع أو تجفيفها أو على الأقل بشكل يؤدي إلى ضحالتها، يشكل كوابح على إطلاق الخيال السياسي، لكن في هذا المقام سأعرض الأسباب الرئيسة التي توجد هذا، وهي لا تخص الحالة العربية، إنما تنسحب على مختلف النظم السياسية في مختلف الأزمنة والأمكنة".
دعم مكافحة التطرف
وأكد عمار علي حسن أن استفحال الإرهاب يدل على أن الطريقة التقليدية لمواجهته لم تعد شافية ولا كافية، وتفرض ضرورة استعمال بعض الخيال في النظر إلى الإرهاب كظاهرة، وإلى الإرهابيين كبشر عدوانيين، تجمعت أسباب على ميلاد هذه العدوانية في نفوسهم، وسعوا إلى تنفيذها في الواقع بتلك الطريقة الدموية.
وقال "استعمال الخيال في خطط مكافحة الإرهاب يعني أمرين أساسيين هما: أولًا أن نعرف كيف يفكر الإرهابيون، ونضع تصورات قبلية لمواجهة تفكيرهم. ثانيًا أن نعرف كيف يخطط الإرهابيون، ونضع الخطط المسبقة التي تمنعهم من تنفيذ عملياتهم الوحشية. هذان الأمران مرتبطان إلى حد بعيد بتوفير معلومات وافية عن التنظيمات الإرهابية، من حيث تاريخ نشأتها وأفكارها التي تتباين في بعض التفاصيل من تنظيم إلى آخر، وإن تطابقت في الرؤية العامة، وأماكن توزعها وتمركزها ونشاطها، وكذلك الشخصيات البارزة في هذه التنظيمات، وخلفياتها التعليمية وشبكة علاقاتها البينية، وما إذا كانت هناك ارتباطات مع أجهزة استخبارات أجنبية من عدمه، وكل العمليات الإرهابية السابقة التي شارك أعضاء التنظيم فيها، ومدى تقييم التنظيم لنتائج هذه العمليات".
يتابع: "فهذه المعلومات ستجعل بوسعنا أن نضع عشرين سيناريو، في الحد الأدنى، للعمليات المتوقع حدوثها في المستقبل، كأن نقول: في المرات العشر السابقة نفذ تنظيم (كذا) عملياته على النحو الآتي (ثم نضع تفاصيل العمليات أمامنا) ومع الأخذ في الاعتبار أن عناصر التنظيم قد درست طريقة المواجهة التي قامت بها قوات الأمن أو الجيش أو فرق مكافحة الإرهاب، فإنها من المتوقع أن تفكر في عملياتها المقبلة على هذا النحو (ونضع السيناريوهات)، وقد تصبح الأمور سهلة، إن وجدنا أن عمليات الإرهابيين يغلب عليها التكرار والنمطية، وستصبح أكثر تعقيدًا إن وجدنا في هذه العمليات تجديدًا مستمرًا في وسائل التنفيذ وأدواته.
مؤشر قياس الإرهاب
أضاف "مع تصاعد الإرهاب في العالم العربي إلى حد غير مسبوق، بات من الضروري أن نعمل خيالنا العلمي في صياغة مؤشر علمي لقياسه، لنعرف درجاته واتجاهاته ومستوياته، بما يفتح الباب لتحديد رؤى نظرية وخطط عملية لمواجهته. ويمكن أن يكون هذا المؤشر مكونًا من عشر نقاط، قابلة للزيادة، هي:
1 ـ المدى الزمني: أي المدة الفاصلة بين العملية الإرهابية وأختها، فكلما زادت هذه المدة نقول "الإرهاب يتراجع"، والعكس صحيح.
2 ـ الشدة: هذه النقطة تكمل السابقة، فيمكن أن يكون المدى الزمني بين العملية الإرهابية ولاحقتها كبيرًا، لكنها عمليات شديدة في إزهاق الأرواح وتدمير المنشآت. وكلما كانت العمليات شديدة أو "نوعية" نكون أمام إرهاب متزايد بغضّ النظر عن التباعد الزمني. وعلى النقيض إن كانت عمليات خفيفة، لا تخلف قتلى وجرحى كثيرين، وتدمير واسع النطاق، نكون أمام تراجع لمستوى الإرهاب.
3 ـ النمطية: أي معرفة ما إذا كانت العمليات الإرهابية تسير على وتيرة واحدة، حيث لا يتبع الإرهابيون أساليب جديدة ومبتكرة ومغايرة في جرائمهم، أم إنهم يجددون فيها، فلا تشبه عملية إرهابية أختها، وهذا دليل على مستوى التخطيط والذكاء الإجرامي من عدمه.
4 ـ التوزع الجغرافي: فإذا كانت العمليات الإرهابية محصورة في بقعة جغرافية ضيقة، نكون أمام عمليات محدودة يمكن السيطرة عليها، والعكس صحيح، إن كان الإرهابيون يوزعون عملياتهم على نطاق جغرافي واسع، بما يؤدي إلى تشتت قوى الأمن، ويزيد من التأثير السياسي والاقتصادي لإرهابهم.
5 ـ مدى تحقيق الأهداف: فيمكن أن تتكرر العمليات الإرهابية، لكنها لا تحقق الأهداف السياسية والاقتصادية والأمنية، التي يسعى إليها الإرهابيون، ويمكن أن يحدث العكس. فالإرهاب لا يرتكب لذاته، إنما لأهداف يقصدها الإرهابيون، وتقييمنا لقوة الإرهاب من ضعفه يجب أن يضع في الاعتبار مدى تحقيق مثل هذه الأهداف التي حددها منفذو الإرهاب أو من يموّلهم ويقف وراءهم، وأعلنوها أو تلك التي نستشفها من قراءة أفكارهم وبياناتهم وتصريحاتهم وطبيعة عملياتهم.
6 ـ التجنيد والتكاثر: المقصود هنا أن تكون جماعات قد دخلت على خط الأحداث، وتبنت عمليات إرهابية، أم إن جماعات بعينها ثابتة وتتكرر هي التي تتبناها. فلو وجدنا أن هناك جماعات أخرى تدخل إلى ساحة الإرهاب، نقول "الإرهاب يتزايد"، والعكس صحيح، شريطة أن ندقق في هذا الشأن، لأن بعض الجماعات الإرهابية الكبرى تنتحل أسماء جماعات، ليس لها وجود، وتعلن باسمها العمليات الإرهابية، لتضليل الأمن، وخداع الرأي العام. كما يجب أن نأخذ في الاعتبار مدى قدرة الجماعات الموجودة بالفعل على تجنيد عناصر جديدة من عدمه.
7 ـ الإجراءات الوقائية: وهي التصورات والخطط التي تضعها الدولة في سبيل مكافحة الإرهاب، سواء على المديين القريب والمتوسط أو البعيد، وتبدأ بجمع المعلومات، ثم الدخول في حرب استباقية ضد الإرهابيين، يتزامن هذا مع استراتيجية لتطويق الإرهاب وتبديده لها جوانب فكرية واقتصادية واجتماعية وقانونية وأمنية.
8ـ موقف القاعدة الشعبية: فوقوف الشعب طرفًا في الحرب على الإرهاب مسألة مهمة، فليس بوسع الإرهاب أن يهزم سلطة، ولا دولة يلتف شعبها حول تصورات وإجراءات لمكافحة الإرهابيين. ومن الخطر أن يقف الشعب على الحياد في المعركة ضد الإرهاب، ولذا من الضروري أن تفعل السلطة دومًا ما يرضي الشعب عنها، ويجعل العلاقة بينه وبين السلطة عامرة.
9 ـ الحاضن الاجتماعي: فالإرهاب ليس بوسعه الاستمرار، إن كانت البيئة الاجتماعية تلفظه، والعكس صحيح، ولذا علينا أن نقف بدقة على الفروق بين البيئات الحاضنة والمنتجة والموظفة للإرهاب.