"إيلاف" تقرأ لكم في أحدث الإصدارات العالمية
"القومية العنصرية" توّجت ترمب رئيسًا صديقًا لليمين
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
لم ينتخب ترمب رئيسًا جديدًا للولايات المتحدة بسبب وعوده بالتحفيز الاقتصادي وإنعاش فرص العمل فحسب بل لأن حركة عنصرية يمينية كانت تنمو منذ أوائل حوالى 3 عقود وشرعنها فوز ترمب بالرئاسة.
إيلاف: أصبح دونالد ترمب رئيس الولايات المتحدة، لأن أقل من 80 ألف شخص في بنسلفانيا وميشيغان وويسكونسن رجّحوا كفته في هذه الولايات. وكان الكثير من ناخبيه الإضافيين رجالًا بيضًا ينتمون إلى الطبقة العاملة صوّتوا لمصلحة أوباما في عام 2012، ثم انتقلوا إلى الجانب الآخر بسبب تعهد ترمب بإعادة فرص العمل إلى حزام الصدأ. فالقضية الكبرى عند هؤلاء هي الاقتصاد.
لكن ترمب ما كان ليفوز لولا دعم ثلاث قوى أخرى. فمكاسبه في الضواحي والمقاطعات الريفية كانت أكبر من نجاح هيلاري كلينتون في المدن الكبيرة.
قاعدة حزبية ودينية
ورغم تحفظات القيادة التاريخية للحزب الجمهوري عن ترشيح ترمب، فإنه احتفظ بتأييد القاعدة الحزبية، خاصة بين الناخبين المتدينين (حصل ترمب المتزوج ثلاث مرات، والمتهم بالتحرش الجنسي، على أكثر من 80 في المئة من أصوات الإيفانجليكيين)، وثالثًا أنه عبّأ حركة من المؤيدين ضمنت له الفوز بترشيح الحزب الجمهوري.
يرى الصحافي ديفيد نايورت في كتابه "أميركا البديلة: صعود اليمين الراديكالي في عصر ترمب" Alt-America: The Rise of the Radical Right in the Age of Trump يرى أن ترمب لم يفز بسبب الركود الاقتصادي في شمال الوسط الغربي للولايات المتحدة، بل لأن حركة عنصرية يمينية متطرفة كانت تنمو منذ أوائل التسعينات، أتاحت فوز ترمب، وشرعنها فوزه في آن واحد.
يبدأ طرح نايورت من نهاية عصر ريغان ـ بوش الأب وانتخاب بيل كلينتون وصعود ما تُسمّى "ميليشيات المواطنين" والحركة الإحيائية، بدفع من مخاوف تقييد حرية حيازة السلاح والعداء تجاه المهاجرين المكسيكيين (الذي نفذت منظمة "الميليشيا الوطنية" عمليات ضدهم على امتداد الحدود الجنوبية).
قومية متنكرة
كانت هذه القوى تستوحي نظرية المؤامرة عن وجود نخب تعمل في الظلام لإعادة بناء "نظام عالمي جديد"، وانبثقت إلى حد ما من حركات عنصرية بيضاء في حقبة الحقوق المدنية (بينها كو كلاكس كلان و"مجالس المواطنين البيض"). وظهرت بشكل بارز على الساحة العامة من خلال سلسلة مواجهات بين مجموعات مسلحة وقوى الأمن الفيدرالية. وفي الوقت نفسه تولى عنصريون أكاديميون صوغ نظريات قومية متنكرة بقناع محترم.
كان نفوذ "الميليشيات الوطنية" تراجع في عهد جورج بوش الابن، لأسباب، منها أن كثيرين من أعضائها عارضوا حرب بوش على الإرهاب، وبعضهم أوصلتهم قناعتهم بنظرية المؤامرة إلى القول إن هجمات 11/9 كانت مؤامرة من تدبير الحكومة نفسها.
لكن الحركة عادت إلى الظهور، في البداية ردًا على إمكانية انتخاب أول رئيس أسود، ثم انتخابه فعلًا. وبعد انتخاب أوباما شهدت سنواته زيادة ملحوظة في الهجمات الإرهابية لليمين المتطرف، وتجدد المواجهات مع قوى الأمن الفيدرالية على طريقة التسعينات.
رئيس الأغبياء!
في هذه الأثناء أخذت بؤرة جديدة من اليمين المتطرف تظهر بطائفة من الآراء والمواقف الأيديولوجية. فقبل عام على فوز أوباما في 2008 أسّس أندرو برايتبارت موقعه الإخباري، الذي استحوذ عليه بعد وفاته ستيفن بانون (رئيس حملة ترمب ومستشاره الاستراتيجي لاحقًا).
وفي العام نفسه أطلق اليميني المحافظ رون بول حملته الرئاسية بإحياء حزب الشاي، وظهرت معه حركة معادية لإجراءات أوباما الرامية إلى تحفيز النمو الاقتصادي ومعادية حتى أكثر لإصلاحه نظام التأمين الصحي. احتضنت قناة فوكس نيوز قضية حزب الشاي بعد فترة قصيرة على تنصيب أوباما عام 2009، وخاصة المقدم التلفزيوني في القناة غلين بيك، الذي زعم أن انتخاب أوباما كان نتيجة غباء الناخبين الأميركيين.
يقول نايورت في كتابه إن دعم قناة فوكس نيوز ذات الجمهور الواسع لحزب الشاي كان "آلية لإدراج اليمين المتطرف ضمن التيار الرئيس" في الساحة السياسية بالجمع بين أصحاب نظرية المؤامرة من أنصار الميليشيا الوطنية من جهة والمحافظين التقليديين الذين يتابعون قناة فوكس من الجهة الأخرى.
دعم من طرف واحد؟
وفي الوقت نفسه تمخض "اتحاد فتاك" من المؤمنين بنظرية المؤامرة والعنصريين والميليشياويين "الوطنيين" وقواعد حزب الشاي عمّا يُسمى "اليمين البديل"، وهو تحالف يعمل على الانترنت أساسًا من القوميين البيض الشباب. ونحت اسمه القومي الأبيض ريتشارد سبنسر، الذي عقد يوم تنصيب ترمب مؤتمرًا صحافيًا أعلن فيه أن أميركا "بلد أبيض بُني لنا ولأحفادنا"، رافعًا يده وهاتفًا بحياة ترمب على الطريقة النازية.
حقيقة أن اليمين المتطرف يدعم ترمب لا تعني بالطبع أن ترمب أو أتباعه يبادلونه التأييد. لكن ترمب لم يتأخر في التقرب من جماعات، مثل حزب الشاي، وتأخر في النأي بنفسه عن جماعات تقف إلى يمين هذا الحزب.
وخلال الحملة الانتخابية عام 2016 واجه ترمب انتقادات لرفضه في البداية النأي بنفسه عن ديفيد ديوك زعيم منظمة كو كلاكس كلان (في النهاية رفض ترمب تأيد زعيم المنظمة له). وحين أصبح ترمب رئيسًا أصرّ في الصيف على أن الفاشيين والمتظاهرين ضدهم يتحملون قسطًا متساويًا من المسؤولية عن الاشتباكات التي وقعت خلال اجتماع لليمين المتطرف في شارلوتفيل، وقُتلت خلالها امرأة شاركت في الاحتجاج على الاجتماع الذي حضره سبنسر وديوك.
نظرية المؤامرة
لكن أقوى دليل على تأثر الترمبية باليمين المتطرف هي تصريحات ترمب نفسه، بما في ذلك وصفه المهاجرين بالمجرمين وتجار المخدرات والمغتصبين، ومنعه سفر مواطنين من بلدان مسلمة إلى الولايات المتحدة، وقبل ذلك تشكيكه في جنسية أوباما الأميركية وقبوله بالكثير من عناصر الأيديولوجيا التآمرية، التي توحّد اليمين المتطرف، لا سيما تأييده للفكرة القائلة إن هناك مؤامرة عولمية دولية ضد أميركا.
شارك بانون في كتابة خطاب ألقاه ترمب مدّعيًا أن هيلاري كلينتون "تجتمع سرًا مع بنوك دولية للتآمر على تدمير سيادة الولايات المتحدة من أجل إثراء هذه القوى المالية العالمية"، كما يشير نايورت في كتابه.
تقوم نظرية المؤامرة بدور مهم، لأنها بأشكالها المختلفة تغطي طيف اليمين الأميركي بكل ألوانه، من المعادين للسامية الذين يؤمنون بوجود مؤامرة شيوعية/يهودية مرورًا بالقائلين بوجود مصالح مشتركة بين النخبة الدولية المؤيدة للعولمة والمؤسسات الدولية والهجرة، إلى المحافظين الريغانيين، الذين يريدون الفصل بين دور الدولة في الرعاية الاجتماعية من جهة و"المنتجين" من الجهة الأخرى. يخلص الكاتب منذ ذلك إلى أن ترمب نفسه ليس فاشيًا، ولكن حملته وفرت بوابة لعبورهم.
جانب اقتصادي
يرى نايورت أن شعبوية اليمين ظاهرة ثقافية أكثر منها اقتصادية، مؤيدًا بول ستوكر في كتابه حول بريكسيت، الذي يستعرض فيه تاريخ الفاشية البريطانية في القرن العشرين، وكيف رفعت رأسها من جديد بعد الحرب العالمية الثانية، بمساهمة من المعادين للمهاجرين القادمين من بلدان الكومنولث.
كما يبيّن ستوكر كيف أن نسخة مخففة من نظرية المؤامرة تسللت إلى الخطاب الرسمي حول العرق والثقافة، كما تبدى في إعلان تيريزا ماي خلال مؤتمر المحافظين، قائلة بلغة قومية: "إذا كنتَ تظن أنك مواطن عالمي، فإنك ليس مواطنًا في أي مكان من العالم".
يسوق نايورت حجة قوية ضد التفسير الاقتصادي حصرًا لشعبوية اليمين. لكن الصحيح أيضًا أن تراجع الصناعة وركود الأجور وتراكم الديون الشخصية سمحت بازدهار سياسة الكراهية العرقية أيضًا.
أعدت "إيلاف" المادة نقلًا عن مجلة "الغارديان" البريطانية الرابط الأصلي أدناه:
https://www.theguardian.com/books/2017/nov/23/alt-america-english-uprising-review