ثقافات

حامد بن عقيل: المدينة العارية

-
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

أطلُ الآن عبر نافذة صغيرة على مدينتيلا بد أن ينتهي كل هذا بشكل ماواللقطاء، وهذا مؤكد جدا، سيحملون أسماء متشابهةقبل أن ينفقوا كالحيتان على الأرصفة.مائدةٌ وحيدةٌ ستجلب العار لمدينتيمائدة الزيت الذي يتسرب من أثداء مومساتٍ خُلقن من بقايا الزمن الشيوعي.في الأمر حكايةٌ ماجميعنا ينسجها كل يوموجميعنا يبكي كلما سمعها.&***قبل ثلاثة أيام من هذه اللحظةكنتُ مصلوباً في الساحة الرئيسة لمدينتيوضع الثوّار منديلا أحمرَ على خاصرتيقيل إنهم جلبوه معهم من الشمالثم رقصوا حول جسدي العاريلم يلتقطوا صورَ ليخبروا العالم كيف كانت نهايتيلم يهتفوا باسم الشعبولا حتى لعنوا الحقبة البائدة.عندما سجّتني طفلةٌ بلا ذراعين في قبري لمحتُ وردةً تزهرُ في فم كل شاعرولوناً يتلوى على ذراع رسّام مدينتي الوحيد.كان يوماً طويلاً وجافاًملأهُ ثوّار بليدون بحوارات رماديةثم تفرقوا في الأزقةكنتُ في قبري أشعرُ بالاستياء من هذا الانتصار الباهتوأفكّر في شعبي.&***هو ذاته الشواء الآدميلا أحد منتصرلا أحد يستطيع عبور ذاكرته نحو مستقبل مشوّهحتى كتّاب التاريخالذين أدمنوا الرشوة والكذبالآدميون بلا آدميةسيشعرون بفداحة هذه المحرقة&***منذ عامٍ وقعتُ على أرضٍ قاحلةكبذرةِ أغنية شعبية قديمةتمددتْ أرصفة شديدة التنظيممسجدٌ ومنازل غير مأهولةٍ وحدائق مهجورةأربعة مقاهٍ وزريبةُ ومتجرٌ يطل على بحيرة توشك أن تنبثق من سفح جبل قريب.لاحقاً جاءت قطعان الشعب والماشيةاحتجتُ إلى شهرين كاملين لإخبارهم حقيقة أن مدينةً بهذا الجَمال لا ينقصها إلا الغزاةليصبح لها تاريخها وأساطيرها وشهداؤها.هكذا تحدث الأشياء في مدينتييتدلى الأطفال من شجر التفاحويلتحف النسوة البرتقالويسهر الرجال على حراسة رجولتهمانتظارا للغزاة.&***"تستطيعون فعل ما تشاؤونتوافدوا على مواقد النار ثم اسقطوا فيها كالفراشاتتوالدوا مثل حقل سنابل منذورٌ للقضماكتبوا أغانيكم كحبات مطر عشوائيواجدلوا حصاد هذا العام في ظنون العجائزثم تعالوا لنرقص".&هذه الكلمات كانت نصّ خطبتي اليتيمة التي وجدها وعلٌ محفورةً على شاهد قبري.&***رائحة الكلور في كل مكان."المجد للألوان والقصائد"ما عدتُ وحدي في هذا الظلامحتى النافذة تتلاشىطيبون حكام هذه المدينةوشعبها طيبلن يتذكر أحدٌ أسماء كل هذه الجثث التي تنفق بالجنوح إلى أرصفة مدينتي كحيتان حزينة،ولن يسأل أحدٌ عن هذه الوجوه الآدمية الصغيرة التي يبني بها الثوار غدنا المشرق؛من أباد هؤلاء الأطفال؟من كتبَ عرياً على كل جدار وراح يتحدث عن الفضيلة؟من جرّب لعنةً في ظهيرةٍ حارقة ليرسم دماً أحمرَ لا يخصّ أحداً؟ومن جَعَلَ من نشيدنا الوطني قشرةَ موزٍ كي ينام الأطفال على وقع أزيزها المُرّ؟!.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف