ناريمان علوش في: "امرأة عذراء": عناق الشعري والسردي والتماهي الدلالي
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
السردية والشعريةحقيقة القول : إن السردية تغلب لدى الشاعرة على الشعرية، ذلك لأن القصص التي يتضمنها الكتاب تعانق بين لغة الحكي المباشرة التي تقود إلى حدث ما وبنية حكائية ما، وما يجترحه الوصفي من طاقة شعرية هي ليست هدفا شعريا بالضرورة، ولكنه هدف يخدم القصة، ويضع إشارات مشعرنة في كثير من الجمل التي تستدعي ذلك.&على اليقين، إن الشاعرة لا تدلي كثيرًا بفعل شعري جمالي مختلف، حيث تهيمن الجمل الإنشائية، والتعبيرات المكتوبة بشكل مبسط مباشر، إذ إن الجملة الشعرية تعتمد أمورًا أعمق استعاريا وتبحث في أسئلة ورموز ، وتؤسطر الكلمات وتصدمها ناسجة إياها في علاقات مغامرة جديدة.& بيد أن سؤالا قد يلح هنا: هل بالضرورة أن يظل الشعر في دائرة العمق والرمز والأسطرة والاستقصاء؟ وما حال الكتابات التي تصبو للاقتراب أكثر من القارئ العام، وتسعى لتبسيط مختلف التعبيرات كأنه بدء جديد خاصة فيما تشهده هذه المرحلة التي نعيشها من تبسيطات أسهمت فيها أدوات التقنية وعصر الاتصال؟من الجلي إن وجاهة السؤال هنا قد تقودنا لأجوبة متعددة، بيد أن القول الشعري في التحليل الأخير هو قول مختلف على أية حال بسياقه الجمالي وبمكونات جمله وقصدها، مهما بلغت حدة مباشرته وسعيه إلى التوصيل . هناك أمور جوهرية وأساسية من الصعب التنازل عنها فنيا وإبداعيا، وإلا لصار المستوى النثري البسيط لكلامنا اليومي شعرا.& مع ذلك تسعى الشاعرة لالتقاط مشاهد تقترب من سفوح الشعر وأحيانا من تلاله العالية .&ناريمان علوش في مكنتها أن تصل لعبارات شعرية دالة، وفي استطاعتها أن تتبصر أكثر بالحواف الشعرية التي يمكن لها أن تشكل عالما شعريا متميزا، ففي نص :" العتاب الصامت" نقرأ تميزا ما مقارنة بالنصوص الأخرى:" ينتشر الصمت في هواء جلستنا، وحده السكون يتكلم، والقلوب بصمت تتألم، شرود يختصر آلاف الكلمات، وعتاب يتأرجح بين النطق والكتمان، كأس الخمر يلامس شفاهنا ليستمع لما نكتمه ونخفيه، فنتمنى لو أنه ينطق بألسنتنا الخرساء، ويبوح بآلامنا المخفية والمقنعة برداء فقير، باهت وممزق" / ص 39&وهناك مؤشرات أخرى على قدرة الشاعرة على صياغة جملها الشعرية حين تلجأ مثلا إلى توظيف التشبيه، حين تشبه عيني العاشق بالقصيدة واللحن، وأفق النحت فتقول عن العينين:أكتبهما قصيدة وأغنيهما لحناكسمفونية مشردةكنحات أعمىوعازف أصمّفي أوبرا أرستقراطيةونوتات موسيقية / ص 43&&وقد تلجأ للسؤال:" أي رجل هو أنت لتكتشف شيفرتي وأرقاميتحملني في سحب دخانك؟ / ص 47&أو للتعبير المستقبلي المتأمل:سأجرد نفسي من كل شيءفتحتلني أنتلتستوطن أجزائي وأعود ممتلئة بك " / ص 50&&أو للنداء:أيها الغريب عني ارحل منيفما عاد يعنيني رجوعك ولا إيابك / ص 69&&من هذه الآليات التعبيرية المستخدمة تتولد شرارة الشعر وتنبثق، لأن الشعر انحراف عن المعهود الكلامي، ودعوة مطلقة للتساؤل والتأمل، وبحث عن غير المعهود، وهذا الأمر يتطلب التخلص من الجمل المباشرة، ومن لغة الإنشاء إلى لغة الكثافة، وكتابة الحذف لا كتابة الاستطراد، وانطلاقا من مثل هذه التعبيرات يمكن للشاعرة الانطلاق إلى آفاق أرحب وأبعد في عمق الشعر. كما يتجلى ذلك مثلا في نص:" كم صعب عليك أن تفهم" وفيه رصد للقطات شعرية ومشهدية تعطي إحساسا ما بقيمة القصيدة وقيمة أن تسعى للاختلاف:&كل أشيائك مازالت تواسينيفأتلمسهاأكلمهاوأنفض عنها غبار غيابكهاتفي الصامتأيامي الخالية منكمساءاتي التي يتلحفها السكونطاولتي التي تفتقد لباقة ورودكقارورة عطرك التي كسرتها يد الحرمانمناشفك .. قمصانكجدران غرفتككلناأنا وأشياؤك . / ص.ص 74-75&كما يمكن أن تقودنا لشعرية حقيقية حين تركز أكثر وتكثف كلماتها كما في هذا المشهد:هناكعلى رصيف الأمكنة المجنونةفقدنا صواب قلبيناوغدونا أسطورة باهتةيفوح منها الماضي عطرًا معتّقًافي مؤونة الذكريات المنسية / ص 111&&وفي الأفق السردي عند ناريمان علوش نقرأ أبعادا سردية شائقة، خاصة وأنها تركز على الفضاء النسوي بالتعبير عن المرأة وقضاياها وشؤونها وشجونها، وعلاقتها مع الآخر، في أغلب صفحات الكتاب ، وهي تقدم ذلك بلغة مقالية أحيانا، وبلغة سردية مبتكرة أحيانا أخرى توظف فيها الأسطورة بشكل دال كما في نص:" مائدة الحب" الذي تستثمر فيها أسطورة : افروديت وإيروس للتعبير عن حالة وجدانية متقدمة في مجال الحب :" أما إيروس ذلك الإله البريء ذو الجناحين الصغيرين، فيقف بقوسه وسهامه، منتظرا الإشارة الأولى لإلقاء سهمه الأول، إلى أن أغراه تلذذي بمذاق الحب، فأحكم تصويبه وغرس سهمه في قلبي، لأصبح وجبة دسمة يتناولني الحب بفنية طاهٍ احترف الطبخ على نار هادئة" ./ ص.ص 77-78 &مجموعة ناريمان علوش التي تجمع بين السردي والشعري، تجربة كتابية تضيء مكامن الحكي فيما تنور مكامن الشعر، وهي تصبو إلى بسط رؤية تعبيرية يتعانق فيها الشعري والسردي، أفلحت الشاعرة في تقديمها بشكل زاه في بعض النصوص، لكن الفضاء الإبداعي ما يزال يتوامض من بعيد محدقا في الأخيلة الجديدة التي ستتعمق رؤاها في الجديد الواعد.&&
التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف