إحترام الخصوصيات الثقافية ضروري للتفاعل السليم
هل تعوق اللغات الاستجابة السريعة للأزمات؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
تؤدي اللغات دورًا محوريًا في مساعدة الشعوب على تخطي الأزمات. فهي صلة التواصل والجسر الذي يجمع ما فرّقته الحروب والأوبئة، لذا يمكن اختلاف الخصوصيات اللغوية بين ثقافة وأخرى أن يسبب مشاكل إضافية.
&
إيلاف من بيروت: تجلس نبيلة (19 عامًا) على أرضٍ موحلةٍ تحت سقفٍ مشمّع، هي الشابة البنغلادشية التي انتقلت إلى بنغلاديش مع 700.000 من الذين نجوا من الاضطهاد، الذي تعرّض له شعب الروهينغا، في ميانمار.
نبيلة كسواها من الذين ينتقلون من بلدٍ إلى آخر في ظروفٍ مماثلة، وجدت نفسها تعمل في الترجمة الفورية لمساعدة سواها من الوافدين، نظرًا إلى الحاجة إلى من يملأ الثغرة بين الثقافات المختلفة، لا سيما في ما يتعلّق بالمحرّمات وما يستدعي التفوّه به في كل بلدٍ.
&
مصطلحات صحية
أما رحيم، وهو باحث لغوي يعمل مع مجموعة "مترجمون بلا حدود"، فيقول إن أكثر المشاكل اللغوية التي تواجهها المجموعة متعلّقة بالصحة. فالمصطلحات الطبية في تلك المنطقة تتنوع بين البنغالية والانكليزية. أما المعلومات الطبية ومفردات اللغة المتعلقة بها، فمصدرها النخبة المثقّفة.
إلى جانب المصطلحات الصحية والطبية، التي تأتي من القلة المثقفة من الروهينغا، تأتي مصطلحات أخرى من اللغة البورمية.&
الكثيرون من شعب الروهينغا، خصوصًا النساء، اللواتي يملن إلى الانقطاع عن العالم الخارجي ورفض التعليم، ليسوا مهتمين بهذا النوع من المعرفة. في المقابل، يلاحظ أنهم طوّروا لغةً خاصةً بهم. فهم يتجنّبون استعمال الكلمات غير المقبولة في مجتمعهم، ويستعيضون عنها بكلماتٍ أو عباراتٍ أخرى. فبدلًا من "الحيض" يقولون "الاستحمام".
تبرز أهمية اللغة في أحداث معيّنة، كالذي حصل عندما أصاب الإسهال الكثيرين في أحد المخيمات، فبدلًا من التعبير عنه بشكلٍ مباشر، كان الروهينغا يقولون "إن جسدي ينهار"، ما حيّر عمّال الرعاية الصحية.
&
محرّمات اجتماعية
أما الكلام عن العلاقة الجنسية فهو الأصعب، في ظل مجتمعٍ مسلمٍ محافظٍ؛ إذ لا يحق للنساء أن يتكلمن عن أجسادهن إطلاقًا.
فللتعبير عن هذه الموضوعات، يستخدمن الكناية. فتصبح معظم المصطلحات المستعملة غير دقيقة، وتشير إلى مناطق سرية أو مناطق تدعو إلى الخجل والعار. أما الاغتصاب فيعبّرن عنه بأنه تعذيب بالقوة.
هذه اللغة المستخدمة لها تبعات قانونية؛ إذ إن امرأة من الروهينغا لا يمكنها المثول أمام المحكمة والكلام بوضوح عن عملية اغتصاب. كما يتم تنبيه المترجمين الفوريين من ملء الفراغ اللغوي أو حث الضحايا على التفوه بأمور معيّنة، لأن من شأن تدخلهم أن يؤثر في مسار المحاكمة.
مشكلة عامة
هذه المشاكل ليست حكرًا على شعب الروهينغا فحسب، بل موجودة في نيجيريا أيضًا، التي يستشهد بها "إيلي كامب" من "مترجمون بلا حدود". فيشير إلى أن كلمة "أرملة" من المحرمات. وعند طرح السؤال على السيدة، يجب طرحه بالطريقة الآتية: "هل لديك زوج؟، هل كان لديك زوج؟، هل هو متوفى الآن؟".
يقول كامب إن المتجاوبين مع الأزمة لا يعرفون دائمًا ما هي الخبرة اللغوية التي هم بحاجةٍ إليها، فيكتفون بتوظيف عاملين محليين، ظنًا منهم أن هذا كافٍ، في الوقت الذي تكثر فيه اللغات في نيجيريا، ما يجعل مهمة عمّال الإغائة صعبة، إذا لم يجدوا من يتكلم اللغات المختلفة أو لغة الكانوري المشتركة في ولاية بورنو.
أما الأشخاص الذين ينتمون إلى مواقع اجتماعية مرموقة، وغالبًا ما يكونون من أصحاب السلطة، فقد يعرفون لغات عديدة، ويلعبون دور الوسيط. إنما المشكلة تكمن في أن على عمّال الإغاثة الوصول إلى الأكثر ضعفًا من الناس.
على سبيل المثال، عند تفشي مرض إيبولا في أفريقيا الغربية، كانت النساء الأكثر تأثرًا به، لأن معظم النصائح والإرشادات العالمية جاءت بالفرنسية والانكليزية، اللتين نادرًا ما تفهمهما النساء في تلك المناطق.
&
أهمية المترجم
بعض هذه المشاكل عسير، وبعضها الآخر يمكن حله. فمن الممكن لعمّال الإغاثة الدخول إلى المعاجم الرقمية عبر هاتفهم الجوال كي يتمكنوا من تقديم المصطلحات التقنية بطريقةٍ يفهمها السكان المحليون.
يبقى الأمل في أن تصبح اللغات الأقل انتشارًا موجودة على أدوات وبرامج الترجمة الآلية المعروفة، مثل "غوغل ترانسلايت". لكن البرمجيات ما زالت بحاجة إلى الكثير من التدعيم بالنصوص المتوازية التي سبق أن تمت ترجمتها.
لهذا السبب تحديدًا، تعطي مجموعة "مترجمون بلا حدود" بعض بياناتها اللغوية إلى شركات، مثل غوغل ومايكروسوفت. يبقى أن نقول إن الكلمات موجودة، لكن من الضروري أن يتدخّل المترجم كي يحدّد أين يجب استخدام كل منها ومتى. ففي خضم الأزمات، إذا خصصت وكالات الإغاثة يومًا أو يومين لتدريب عمّالها على اللغات، فهذا استثمار في المكان الصحيح.
&
أعدّت "إيلاف" هذا التقرير عن "إكونوميست". الأصل منشور على الرابط:&
https://www.economist.com/books-and-arts/2018/11/17/how-language-problems-bedevil-the-response-to-crises
&