ثقافات

أطوار الواقعية العراقية: قراءة في مجموعة قصصية جديدة للراحل عبد المجيد لطفي

-
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

&

بقلم محمد خضير سلطان&يعد الكاتب عبد المجيد لطفي احد الموطدين لفكرة الواقعية في ادبنا القصصي،وهذا ما تتناقله عنه كتابات مؤرخين ونقاد& عما يطلق عليه غالبا بالريادة بعد حقبة محمود احمد السيد،وغالبا ما كانت تحمل هذه الحقبة التدشينية للواقعية خصائص دخول البلاد العراقية الى العصر الحديث التي بدأت منذ نهايات الحربين العالميتين وبروز ظاهرة الغرب والولايات الاميركية اذ كانت الثقافة التحديثية العراقية مرتبطة بأول خطوة عملية وفعلية في الأخذ من الثقافة التركية التحديثية بمعنى أن الغربنة والأوربة والتحديث في ثقافة العراق يرتبط طرديا على نحو معين بما تمثل وقطع من اشواط في الثقافة التركية وتحولاتها المدنية وقتئذ فاذا كان الرصافي والزهاوي يعدان قطعا من المحدثين في الادب والحياة آنذاك فان امتياحهما الاساس من الوعي واكتشاف العالم عن طريق الرؤية التحررية التركية بعد انهيار السلطنة وقيام العلمنة في الادارة.كذلك لم يقرأ محمود احمد السيد وعبد المجيد لطفي فرائد الأدب العالمي من خلال الاطلاع عليها في لغاتها الاصلية او اللغات الاكثر انتشارا انما كانا ضليعين بالتركية لإطلاق مشروعهما التحديثي في البيئة العراقية.لقد تناول عدد من النقاد العراقيين واقعية لطفي بالوصف الدقيق غير ان هذا الوصف لا يشكل اهتماما نقديا في ذلك الوقت على مستوى تحليل الخطاب الادبي والمعرفي ما جعل هذه الاوصاف الدقيقة معبرة عن النص بعمومه الذي يكتبه لطفي كنتيجة دون ان تبحث في مصادره الاساسية التي كونته ومنها المشروع السردي العراقي بعد حقبة احمد السيد،على سبيل المثال،توصف قصص لطفي بأنها " ذخيرة عواطف مكتوبة بلغة دافئة " أو "مزيج روحي حافل بحنين وإحساس بالفقر والحب والألم والتمني ".ان كتابات الباحثين والنقاد العراقيين عن نص لطفي،كانت متقدمة في وقتها ولكن الطامة الكبرى كما يقال أن تبقى متقدمة حتى الوقت الحاضر فلم نجد سبيلا لقراءة دقيقة لمفهوم الواقعية لأدبنا الحديث من خلال تحليل كتابات المؤرخين والنقاد،ومازلنا نتعكز عليهم لدى استذكار لطفي او السيد او سواهما.وفي الوقت الذي كان الرواد يدركون جيدا مستوى كتاباتهم ومنهم لطفي قائلا " ان جديدنا نحن جيل الرواد قد حاولنا ان نكتب القصة بمواصفات الكتابة المعاصرة"،فما هي هذه المحاولة وكيف استطاع المشروع النقدي العراقي التعبير عنها ، وإذا كان ذلك جديد الرواد فما هو جديد القراءة النقدية لدى اجيال ما بعد الريادة.&***إذن لابد من بعض الاقرار بان مشروعنا النقدي حتى هذه اللحظة قائم في جذره التحديثي الأول على الإمتياح من هذه الثقافة او متأثر في متغيراتها،ولم تلبث اللحظة التركية حتى تحولت عبر دار المعلمين الى اللحظة الانجليزية في ثقافتنا الحديثة وسرعان ما تعددت لحظات أخرى ليست موضوع البحث الآن .نستنتج مما تقدم بأن المدرسة الواقعية العراقية مرت بأطوار متعددة عبر لحظات الآخر في المتغير العالمي،حتى اخذت ملامحها وتحولاتها عبر سياقاتها في الواقع،ولعل الكاتب الرائد عبد المجيد لطفي احد ممثلي تلك الحقبة في الفضاء الاجتماعي استيعابنا وتمثلا كما تدل عليه انتاجاته الغزيرة في السرد.ولعلنا نناقش مشروعنا النقدي والقصصي من خلال هذا البعد التاريخي،وفي تقديرنا ان مناقشتنا في هذا الجانب هو افضل ما نقدمه عرفانا لكاتبنا الكبير لطفي او غيره في الوقت الذي نسهم يتحريك جمود قراءتنا النقدية واقتصارها على التبجيل والتأبين والاستذكار الفارغ.السؤال كيف نختبر واقعية عبد المجيد لطفي في ضوء مشروعنا النقدي،سنحدد محورين في هذا& الاتجاه :الأول :& صدور مجموعة قصصية جديدة للكاتب عبد المجيد لطفي بناء على مخطوطة اعدها الدكتور نجاح هادي كبه،ضمت احدى عشرة قصة،لم يحدد زمن كتابتها بالنسبة لتجربة الكاتب غير ان القصص التي خطت بقلم خالد عبد المجيد لطفي "ابن الكاتب " تشير الى مدة اعتلال حالة الكاتب الصحية في اغلب الظن كانت خلال الثمانينيات من القرن الماضي،وإذا كان كذلك فان هذه القصص تمثل ذروة النضج الفني لدى كاتبنا ومن الممكن دراسة مبدأ الواقعية لديه بكل دقة.أن مجموعة قصص "قطار الشحن" الصادرة عن دار الشؤون الثقافية "سلسلة سرد" 2017،تضع القارىء امام حالة من الغرابة بين التصورات النقدية العامة التي انشأها التقييم النقدي الشائع عن النص القصصي لعبد المجيد لطفي،والتي ذكر معد المجموعة قسما منها وبين السمات الاسلوبية والتقنية في هذه المجموعة.وبالرغم من أن هذه المجموعة القصصية ،تشترك مع قصص الكاتب السابقة عبر أكثر من نصف قرن من تجربة الكاتب على كتابتها بوصفها تقع على نفس خط الواقعية التي يميز لطفي إلا إن هذه القصص في موقع متقدم من تلك الواقعية و تكاد تخلو من التعبير السياسي المباشر منه وغير المباشر،وتحتاج الى اضافة نقدية خارج التصورات النقدية العامة التي كانت في معظمها ايديولوجي منحازة الى الرؤية السياسية قبل الاجتماعية.عبرت مجموعة "في قطار الشحن " عن تقنية جديدة ،تقوم على ترك أثر عميق في النفس من خلال الإتحاف والإحساس المبهر بالطبيعة فيما تحرك انطباعا راكدا في الطبيعة من خلال& وإثارة وتأجيج العواطف الكامنة في النفس،إنها إثارات حماسة بين الداخل الإنساني وخارجه ،حينما تشرق النفس ،تغمر بضيائها الأشجار والسفوح والروابي ولكن عند إفولها ،نواجه حلول العتمة والسكون والفراغ. إنها ثنائية الأبعاد بين يسر السفح النازل او الاحساس بالعجز او القوة في الارتقاء نحو القمة كما في قصة " جهة المنحدر من التل" إذ يمضيان سيد كهل وسيدة اصغر منه في ارتقاء التل ،تصاحبهما دابة ،يخشيان عليها من التعب ،تركبها السيدة حين تشعر بالدوار،ويستريحوا جميعا حينما يهدهما الاجهاد ،انهما يتحدثان في استراحتهما او مشيهما عن مخاوف كامنة في داخلهما والمكان ،تنعكس في الانتقاء الوصفي والسردي للكوخ الحجري فوق الرابية والعتمة الباردة التي تغمر الأشجار العالية في الوادي.تحتفي القصة بالطبيعة من خلال التغلب عليها بواسطة الذات،استصلاح الأرض هو ازدهار الذات والعكس صحيح.في قصة أخرى بعنوان "لم تكن مفاجأة أبدا" تتمكن هذه التقنية "ثنائية النفس والطبيعة" من الاستخدام الأقصى لها كونها مفتاحا ومغلاقا للقصة إذ يستهل الحدث بنظرة فضول يائسة الى حديقة مزهرة فيما صاحبة هذه النظرة الفضولية اليائسة،تسكن في حديقة مهملة ،تصفها القصة بأنها تشبه مدخل غابة مهجورة ولكن ما ان تنفرج المشكلة عند نهاية القصة التي تعاني منها الشخصية الرئيسة حتى تغيرت نظرة الفضول واليأس الى الاشمئزاز والتعالي فلم تعد حديقة الدار الثانية مثل مدخل غابة مهجورة.&&وهكذا،في بقية القصص،يستثمر القاص تقنيته التي استفاد منها في كتابة القصة لدى الكتاب الواقعيين في القرن التاسع عشر فما مدى استفادته في هذا السياق وما هي اضافته للواقعية العراقية في الادب.ربما آن أن نستثمر صدور هذه المجموعة لإعادة نظر مزدوجة بين القراءة النقدية السابقة ودفعها للإرتقاء في قراءة جديدة مستكملة.&***المحورالثاني : الواقعية في سياقها الخطابي بين النص والواقع وعملية النمو والتكامل بينهما اذ كان لطفي في جذوره الثقافية من أب متعلم يقول الشعر بلغات شرقية اربع حيث تأثر لطفي في هذا المحيط الادبي وعلمه أبوه أن يكون شاعرا في طفولته فأخذه الى مجالس الأدب وأوصاه ان يكون مستمعا صامتا .خطابيا ،كيف نفهم استئثار اللغة العربية في نتاج لطفي بالرغم من اتقانه اللغات الشرقية الأخرى في محيطه اللغوي،وما هو الاثر الديني في البيئة اللغوية.يذكر المؤرخون مفارقة مدهشة ،تنتقل من تلك الاجواء الدينية والأدبية في حلقات المدارس الصوفية الى فضاء آخر مختلف تماما أذ يتحول هذا الصبي الذي أراد ابوه ان يكتب& الشعر ولكن بعد موته ،يصبح مساعدا لصانع أحذية ،يكتسب قوته من تنظيف جلود الحيوانات في ماء نهر الوند.أن هذه المفارقة لا تخلو من إيحاء أيديولوجي ماكر بان لطفي ،يتحول من نزاع التاريخ الى صراع الطبقات،ويبدأ تدشين هذا الايحاء الماكر بموت ابيه كانتقاله في اتجاه تحديثي& جديد ،يستكمله بعد موت امه في العمل النقابي في بغداد والبصرة.ليس بالضرورة ان يتخطى المؤرخ سياقه الزمني بل ليس من واجبه تحليل مركبات الوقائع لكن ما يحدث في مشروعنا النقدي وتحديدا في موضوعنا هذا ،ان يتوارى الناقد في ظلال المؤرخ،وأن يسد ثغرات النقد في وقائع المؤرخ.&

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف