حيوية البنية وتجليات التحول
رانيا كرباج عندما تتساءل: السماء هنا؟ أم هناك؟!
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
هاجس رومانتيكي:&&يشكل الأفق الرومانتيكي هاجسًا تعبيريًّا بالديوان، وهو يتواتر بوصفه ظاهرة من ظواهر الأداء الشعري الذي تسعى عبره الشاعرة إلى البحث عن نموذج مثالي يلملم أحزان الذات من جهة، ويتجاوز الحدث الدرامي المأساوي الذي يلف لحظتنا العربية الراهنة، ولهذا نجد هذه الظاهرة ممزوجة بالشعرية المنتجة اليوم، وفي كل عصر حقيقة، يشعر فيه العربي باغترابه،& لأن هذه الظاهرة لا تجمّل الشعر، ولا تمنحه صوته الجميل الصادح فحسب، ولكنها تقربه بشكل أو بآخر من طبيعة الإنسان العربي الشرقي الباحث دائما عن شجنه الخاص، عن حبه وعاطفته، عن انفعاله الغنائي الإنشادي. عبر هذا الوعي نجد نصوصا كثيرة لدى الشاعرة تتخذ هذا الهاجس الرومانتيكي مهادا ومدارا لتعبيراتها، بحيث يشكل هذا الهاجس نوعًا من الخلاص من هذه اللحظات الدرامية المتسارعة:" أيها العالق مثلي بين فكي العمر، هبني رغيف حب وخذ قلبي قبل أن نتناثر ذرات لا حول لها" / ص 8 وفي مشهد آخر تقول:&&&أنا أرى عبر ثقب الجماللك أن تتهمني بالجنون أو بالرومانسيةلك أن تسمي ما أقول:" أدبًا نسويًّا " لا يعول عليهأو سوريالية&لك أن تعتقد ما تشاءحسبي أنني الآن أرقصوأنت غارق تدخّن غليونكوتكتب عن الشقاء / ص 18&&الشاعرة تبحث عن الجمال، في الكلمات، في الطبيعة، في الوجود، في الشعر، وهي تبين ذلك في أكثر من تعبير وأكثر من نص، كما في نصها:" لا شيء سوى الجمال" ص.ص 36-38&إن الهاجس الرومانتيكي الوجداني لا يبتعد كثيرًا عن مجمل الوجهات الدلالية لدى رانيا كرباج، ثمة تفتح وإشراق، وبحث دائب دائم عن هذه الوجهات التي تتحقق بالتأمل في كينونة الآخر، في استدعائه، في تمثل حضوره أو غيابه أو مواقفه، في النسج على مواقيته العاطفية، في مشارفة وقع وصله أو هجرانه، وكأن الرومانتيكي هنا بمثابة فضاء يقل الذات إلى شفافيتها وإلى الفرار من أفق الواقع الأكثر ضراوة، والأكثر تسارعا في دراميته وأحداثه المؤلمة، وهنا تبحث الذات الشاعرة عن ضوئها الشفيف، وتتحدث رومانتيكيا:أشدُّ الشمسَ من عينيكَوأتدثرالعالم صقيع هناولا دفء سوى&في تلك الفتحة الصغيرةالتي تطل منها روحك / ص 78&&ومن جانب آخر أوسع إشراقا، وأكثر بحثا عن الإضاءة الكونية الكبرى تقوم الشاعرة بنسج نص ضدي، ينزل السماء إلى أرضها، وتجسد بقدر من التخييل الاستعاري البلاغي الصورة السماوية لتصبح (هنا) لا هناك، لتصبح ملموسة لا متخيلة ذهنيا أو رؤيويًّا. هذا ما يقوده إلينا تأويل نص :" السماء هنا" الذي يُعنونُ به الديوان وكأنه يشكل البعد الصلد الذي يستند عليه الديوان في رؤيته الدلالية.&تستهل الشاعرة نص:" السماء هنا" ص.ص 80-82 بالقول:&وهذه التي فوقنا ليست بسماءهو فقط اللونُ الأزرقُ يتمددُ عاريًامحاولا إغواءَ الأرضالسماءُ هنا&السماء مجرد لون أزرق، الشاعرة تنفي بشكل مباشر وجود سماء، وهذا من عمل الشعريّ المتأمل، لأنه يعيد تلقيب الأشياء، نفيها أو إثباتها للتأكيد على معنى ما، أو على رؤية تنتظم في سياقات النص. حيث تصل إلى يقين شعري داخل النص بأن السماء:" هنا" لا هناك. فما هي السماء التي هنا تبعًا لما يقوله النص؟ إنها السماء الملموسة التي تتحرك على الأرض " كل الصلوات التي رفعناها إلى فوق كان يجدر بنا أن نهمسها في أذنها، أما الآلهة التي نصبنا لها عروشا عالية فهي بيننا، أمواتنا هم أيضا هنا، أحلامنا، أرواحنا كلها ترفرف في هذا المكان" كما تعبر:" من قال إننا من التراب إلى التراب، قد نكون من السماء إلى السماء" " المهم أن ما نراه فوقنا ليس سوى فنان يعيش بشغف مرحلته الزرقاء" . هكذا تعبر الشاعرة وتجلو سماءها الشعرية التي تراها ملموسة على الأرض.&&صورة الحرب :&من أول نص:" أكاد أسمع صوت النوارس"& ص.ص 128 -& 133 حتى نهاية الديوان / ص 148 تهيمن على النصوص ظلال الحرب المأساوية في سوريا، بل إنها تهيمن على معظم النصوص التي تنداح فيها دلالات الحزن، والأسى المنهمر أو الكامن في سياقات العبارات الشعرية ، والذات الشاعرة في تخيلها وتأملها، رغم الانكسارات التي تحدق بها من واقع رديء تعطي الأمل، وتحث على تجديد الأشياء وتغييرها، وعلى ملامسة المثالي فيها .&اتركوا الأشواق تأوي إلى أعشاشهامن حين إلى حينلا تخافوا إن انسدل ليل على الأحداقإن هبت صحراء على زهرةأو طاف جرح على مدينةفلا أحد يستطيع أن يقتلع الأشياء الأصيلة . / ص . ص 143-144&&وتشكل دالة:" الموت" مشهدا بازغا من مشاهد الديوان، لكنه موت لا للتعبير عن الفناء والعدم والهباء، ولكنه موت للرؤيا &- إذا جاز الكلام &-&ففي نص:" الموت قريب" تصفه بأنه:" المعنى يعرشُ على صدر اللا معنى كي تغدو لوحة الحياة أكثر غموضًا" / ص 97&ومن وجهة شكلية تتراوح نصوص الديوان بين صفحة واحدة بنصوص قصيرة ومضية مكثفة، وما بين صفحتين إلى أربع صفحات، حيث تتواتر المقاطع الشعرية المتضامة مشكلة النموذج النصي الذي تتراكب بنياته على شكل مشاهد أو مقاطع شعرية متواترة، تؤلف نوعا من الكولاج الشعري الذي تتعدد فيه الموضوعات النصية لكن في إطار نصي موحد، وقد تستثمر الشاعرة التراث الديني والأسطوري كما في نص:" قارورة شعر" وقد تعيد نسج بعض الآليات التناصية داخل نصوصها، لكنها بكل الأحوال تصبو إلى تقديم سماء شعرية خاصة بها، بأجوائها وأشيائها الأثيرة بل بزرقتها الباعثة دائما على السؤال، والباحثة كذلك عن المثال عبر تغيير الدلالات ومبادلتها، ومن ثم تغيير ذهنية القارئ النمطية في قراءة العالم.&&
التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف