ثقافات

 سالم اليامي: فلسفة بحر

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

لا شيء في الطبيعة قادر على إسكات بوحك العاطفي .. كالبحر .
في حضرة البحر ، يتوقف وجدانك عن البوح لينطلق العقل العاشق للإبحار نحو الغوص العميق .
كلاهما: البحر وعقلك يبحران في بعضهما البعض ، فتتجرد فجأة من نفسك ولا تدري أتكون البحر .. أم نفسك .
هنا يكمن السر الذي يجعل سكان البحر أكثر بساطة من غيرهم ، لأنهم منذ الطفولة يتعلمون من البحر التأمل العميق ، فتقل في وجدانهم العاطفة ويكون ساكنو البحر أكثر تأملاً من سكان الصحراء والجبال .
هناك من سكان البحر أو حتى زائريه من يخاف التأمل العميق فيظل عائماً فوق سطحه .. لا يرى اللآليء في جوفه.
وهناك الأعمق تأملاً.. يعشقون الغوص في أعماق البحر فتبدو لهم الحياة عكس مايراه العائمون فوق السطح والقاطنون فوق اليابسة.
هكذا يكون الناس في حياتهم :
المتأملون بعمق .. يرون الحقائق أكثر وضوحاً وبروزا .. والقابعون فوق السطح ، تتحكم فيهم عواطفهم فيكونون كالقطيع حين تسير خلف الناعق .
التأمل العميق وسيلة للتخيل الأعمق ، وبسبب التأمل والتخيل كان الفلاسفة والمفكرون .. نادري الوجود ، لكنهم صناع الحضارات وملهموها على مر التاريخ ، أما المدفونون في السطح فلم يكونوا سوى وقوداً للناعقين وضحاياهم .. تهبهم رياح البحار لكل الجهات .. يغرق أغلبهم .. وينجو الأستثناء بفعل الصدفة ليكون عبرة للقادمين نحو البحر أو اليابسة.

كونوا: كالبحر .. وتأملوا في أعماقه لتتعرفوا على أنفسكم التي لم تعرفوها من قبل .
بل كونوا بحاراً لبعضكم البعض .. كي تتذوقوا جمال الغوص المتبادل فيكم !
دبي / يناير ٢٠٢٠ .

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
..........
بحر العيون -

بما أنني من أبناء الصحراء وأقرب نقطة للبحر تبعد عن بيتي الصغير مئات الأميال فإن تأملي في البحر كان في غالبه تأمل عن بعد .. ومع هذا فقد أفرطت في هذا النوع الغريب من التأمل وياليتني لم أتأمل .. لقد كرهت البحر كله بعد طول تأمل ..سطحه وعمقه .. بعد أن كنت أنظر للبحر أنه قمة الشاعرية .. لكن مالذي حدث .. إن الإدمان على مشاهدة الأفلام الوثائقية التي تتحدث عن البحار ومافيها .. مرة هذه الأفلام صورت وتتبعت دورة حياة أحد كائناته الضخمة .. الحوت .. من الألف إلى الياء .. أدركت بعدها أن أعماق هذا الذي أفنيت عمري في تأمله ماهو إلا مكب نفايات .. فلم أعد أتأمل البتة .