جان آرب: اللغة الداخلية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
ترجمة حسونة المصباحي
اسمه الحقيقي هانس بيتر فلهالم آرب ، إلاّ أنه اختار اسم جان آرب بعد أن أصبح فرنسيا وذلك عام 1924. وهو من مواليد مدينة سترابزبورغ لما كانت مقاطعة ألمانية وذلك عام1886. وفي سنوات شبابه دَرَسَ النحت والرسم، وانتسب إلى الحركة الدادائية التي ظهرت تباشريها الألى في مدينة زيوريخ السويسرية. وعند ظهور الحركة السوريالية في مطلع العشرينات من القرن الماضي، لم يتردد في الانتساب إليها ليصبح أحد نجومها في الكتابة والرسم والنحت.
راسما صورة لنفسه شاعرا ورساما، كتب يقول:" رسام سويسري كان يطلب من زواره إن كانوا يرغبون في مشاهدة لوحاته أو في سماعها، أو أن تُغَنّى أو تُقْرَأ لهم. وحين يطلب كمه زواره أن تُغنى وأن تقرأ، كان يُدير لوحاته إلى الحائط، ثم يغني إن يقرأ محتواها" . ومعنى هذا أن الشعر والرسم لدى جان آرب ينتميان إلى نفس المنبت. فلا فرق بين الكلمة واللون والعكس بالعكس :" أنام وأنتظر بسعادة وهناء كما في بيضة. أنام وأنتظر أن تنْبُتَ لي أوراق". توفي جان آرب عام 1966.
مثل ورقة مُغطاة بكتابة تكون غير مقروءة عند تقريبها من العينين، تصبح الكلمات والأفكار القادمة من الشعور الباطن للإنسان، والتي تبدو له مُبْهَمَة وغامضة في ضوء النهار، واضحة ومفهومة في فضاء آخر، وفي زمن آخر. وعلى الانسان أن " يأخذ مسافة" مثلما يفعل الرسام، والنحات. أحيانا وأنا بصدد إنجاز نحت يكون فيه الشعور ب"الهبوط" ملموسا، كنت أتمكن من أن أتحرّر من العمل اليومي، ومن مشقة الانسان الأبدية، ومن "الهبوط" الذي بلا نهاية، خارج الضوء وأن أدرك في الانتظار وأن أنسى نفسي في الحلم. ويحدث أن تفهم اليدان بأكثر سرعة من العقل. كما يحدث أن نتعلم كيف "نفهم" أفضل ونحن نتابع حركة ورقة، وتطور خط، وكلمة في قصيدة، وصوت حيوان، أو ونحن ننجز نحتا. جملة من دون أهمية سمعتها وأنا مار ، كما لو أنها آتية من الكواليس: " هذه القطرات، هذه القطرات من حبر التي ألطّخُ بها الصفيحةَ البلورية لمكتبي يمكنني أن أمحوها في رمشة عيْن بجفّافي في حالة من الانتشاء من دون ان تترك آثارا"، كان لها بالنسبة لي شكلا سحريا، وفي نفسي أيقظت نوعا من الغبْطَة كما لو أن كوكب سماويا، متماثلا مع اشراقة هائلة، انبثق مفعما بالأماني. ولعل الابتهاج ناتج عن هذه الكلمات المُنْقذة" يمكنني أن أمحوها في رمشة عين". وهي تثير فيّ مشاعرَ بنفس طريقة الهبوط التي تنتابني فيما بعد وأنا بصدد انجاز نحت.، خارج فضاء بعيد، بعيد جدا، خارج الصخب الغبي لعالم آليّ ، عالم عقلاني، حديث. وهذا الهبوط يُحَدّثني عن ما هو أبعد وأبعد، عن عالمي الداخلي، ويرنّ في الزمن-الفضاء الذي غالبا ما يكون مغلقا في ضوء النهار. الطموح إلى عالم غير مادي، وغير محسوس يمكن أن يكون أيضا مادة لنحت.
ونحن ليس بإمكاننا أن نتفاهم في اللغة الداخلية إلاّ مع الذين نلتقي بهم عند تُخُوم الأشياء.