ثقافات

مسرح العبث والاحساس بالقلق نحو الوجود

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

في اوائل الخمسينات من هذا القرن ,ظهرت موجة جديدة في المسرح الاوروبي وخاصة في فرنسا ، والمسرح سمي تحت عناوين عديدة من اهمها مسرح العبث اواللامعقول, او مسرح الطليعة ,اوالمسرح التجريبي . ومن اشهر كتابها البيركامي،جان بول سارتر،صموئيل بيكيت،يوجين يونسكو،أرثرأداموف,وجان جينيه. اكثر كتاب مسرح العبث ليسوا 'فرنسيين', وهم اجانب هاجروا تاركين بلدانهم الاصلية , واستقروا في فرنسا بلد الفن والثقافة والادب, وكل تيارات التمرد الدادية والسريالية والمسرح الطليعي ما بعد الحربين العالمتين . يونسكو الروماني الاصل, وبيكيت الايرلندي ,واداموف الروسي, وارابال الاسباني, وجان جينيه احد اطفال ملاجئ الايتام.كل هولاء الكتاب الطليعيين هدفهم كشف عبث العالم،ويصبون جم غضبهم وسخطهم على العادات والتقاليد, واساليب اللغة والحياة عند الناس بسبب عدم قبولهم البديل،والوعي بالعبث لايعني طابع المأساة التقليدي ،ولكن هذه المأساة تعني الهزل من هذا العالم الرهيب, بكل مافيه من خوف وعبث وضياع, وهم في صدام وصراع مع عصر طغت فيه ويلات الحروب على كل القيم الانسانية. وذروة الوعي عند يونسكو هو الاحساس بعالم خالي من الفضاء والضوء واللون،عالم فيه الضحك كالبكاء, وهذه قمة ذروة الوعي بالعبث.أن كامي ويونسكو يعتبران العالم غير مجدي بسبب موت الانسان وهو غير سعيد, وخاصة يونسكو في مسرحيته الملك يحتضر،وبيكيت في مسرحية الايام السعيدة بسبب الحروب والدمار, تتحول الحياة الى مجرد سخف وعبث, يونسكو يعتبرعوامل تحطم البشرية وكوكبنا الجميل بسبب النازية،و القنابل الذرية التي القيت على هيروشيما وناكازاكي،والقنابل الهدروجينية وتهديد السلم العالمي،تتميز مسرحياته بالغموض المتعمد وانها تحتوي على عدة معاني،كل معنى يحوي هدف معين, لذلك لايضع الحلول ويسود الغموض وعدم الانسجام, بين رغبات وطموحات الانسان, ذلك ان مسيرة وسلوك الانسان وهو يستعمل اقنعة مختلفة في حياته اليومية،وما على الكاتب المسرحي سوى محاولة تغيير الاقنعة .رغم حالة الاحتجاج والتمرد في مسرحياته, لكنه غير ملتزم بأي فكر سياسي, فهو يسخر من البرجوازية والفساد الاداري، والسخرية من الفاشية والشيوعية في مسرحية الخراتيت،ومسرحية ضحايا الواجب يسخر من عقدة اوديب،واستعمال الصليب المعقوف في مسرحية الدرس. يمكن اعتبار مسرحيات يونسكوا عبثية ولها خصوصية تمثل المسرح الطليعي, وهي تحتوي بذور التحذير الاجتماعي كما في مسرحية القاتل اومسرحية الخراتيت, وكذك تحوي الاعتراف كما في مسرحية 'الملك يموت',والقاسم المشترك بين المشاهد في مسرحية 'لعبة الموت' ,لعرضها بطريقة التجديد يطرح موضوع الصداقة ,الحب ,الموت ,الخوف والاضطرابات السياسية.ممكن اعتبار مسرحية 'لعبة الموت' من حيث الشكل عرض وليست دراما . مسرحيات يونسكو وكل من بيكيت واداموف وجان جينيه وكل كتاب المسرح الطليعي تتميز مسرحياتهم بالاحتجاج والتناقض،الاحتجاج على كل النظم الاجتماعية وعلى وضع الانسان في الكون،واستخدام اسلوب النقد المنطقي والمجرد من العواطف.ودراما المسرح الطليعي وخصوصية 'اللامعقول' تبنى على اساس فن كتابة النصوص وتكنيكها ،وطريقة اظهار الحالات وملامح الحياة اليومية ومافيها من خواء ,وهي جزء من تقنية التناقض, وكل كتاب المسرح الطليعي يعرضون مواقف متصارعة ذات صور غير معقولة. وتعتبر مسرحية يونسكو 'المغنية الصلعاء ء' بداية الطريق للمسرح الطليعي الى خشبة المسرح،وفلسفة العبث , وجدت الصياغة الكاملة من خلال مسرحية اسطورة سيزيف 'لالبير كامو'،وتبنى فلسفة العبث عند كاموبسبب غربة واستلاب الانسان , في هذا التيه الكوني ولايعرف وظيفته ويعيش حالة الغيبوبة, بسبب العديد من المعتقدات الزائفة،في اكثر مسرحيات يونسكو نشاهد حالة القطيعة والعزلة بين الناس،فعبثية الحياة والخواء في لغة الحوار وعدم منطقيته في مسرحية 'المغنية الصلعاء', ويظهر يونسكو حالة العبث في الحياة اليومية, وحالة التناقض في حوارات الاسرة الواحدة حول الطاولة المستديرة.'فسميث' وزوجته يعيشان حالة العزلة كل منهم عن الاخر ،ولايعرف بعضهم بعضآ،حتى وان كانوا يعيشون معآ ومرتبطين.واستخدام الرموز في مسرحيات المسرح الطليعي ففي مسرحية 'الدرس' ليونسكو,نشاهد وبشكل كايكاتيري هذيان الاستاذ وخطبه مع الطالبة يشبه خطب 'هتلر', وكل مثقفي النازية في قلب الحقائق والباس الباطل ثوب الحق ,مسرحية 'الكراسي' من مسرحيات يونسكو المأساوية وهذيان العجوزين وكلامهما الفارغ الغير مفهوم ،هذا هو جحيم كل فرد حبيس عزلته وهو يعيش الوهم وحالة الخداع .الواقع عبارة عن كابوس مرعب ومخيف ,عندما يكون 'مسرح اللامعقول ثورة على المعقولية'،ويصبح الفن وظيفة ورؤيا اوسع وارحب واقرب الى الوجدان، وأكثر اتصالآ بروح الكون والوجود الانساني،والبحث عن الحقيقة في أكثر من شكل ومستوى،اللغةفي مسرح العبث ثانوي واهم شيئ هو الحدث، الانسان لايستطيع ان يواجه ويدرك الكون بما فيه من موت وقسوة وتفاهات ، لذلك المتفرج في مسرح العبث يواجه الحقيقة المرة والغير معقولة،حلقة الاتصال مفقودة بين الناس بعضهم ببعض. كل مايحدث على خشبة المسرح لامعنى له ولكنه يتصلبتفاهة الحياة . يستعرض الكاتب في مسرح العبث احساسه بكيانه, او تصوير موقف اساسي لشخص معين بالذات، هو مسرح موقف لامسرح حوادث متتالية . ففي مسرحية في 'انتظار جودو' لصموئيل بيكيت هناك العديد من الاشياء تحدث ولكن لاتشكل أي قصة اوحدث، المسرحية عبارة عن صور وتيمات فرعية يندمج بعضها مع الاخر،عندما يكون 'شكسبير' عالقآ في أذهان المثقفين والمسرحيين ،يبقى صموئيل بيكيت ومسرحيته 'في انتظارجودو' تثير التساؤل منذ العرض الاول سنة ١٩٥٣ في باريس،بعض النقاد وصفها 'انها تمس شغاف القلب'،تجد حيرة الانسان فيها على مدى العصور, وحالة الاشفاق على شخصيات حولتهم ماكنة الحروب واليأس من الحياة , يمارسون مهنة التسكع في انتظار المجهول القادم،'ديدي وجوجو ولاكي وبوزو' شخصيات 'او قاذورات كما يصفها البعض' ولكنها شخصيات تصلح لكل العصور،المأساة الدائمة ومعاناة الانسان ،ثورته ضد الخيبة المريرة والمصير المحتوم, بسبب قتامة الحياة واكتساب مهنة الخوف عبر الاجيال .كثرة الانتظار والبحث عن اجابة سليمة لكل اسئلة, 'جوجو' وهو يخلع حذائه وقدمه المتورمة،وقبعة 'ديدي' والمكان المجهول ودعوة التوقف عن الكلام،وكل الاحلام والكوابيس الحديث يطول بسبب العجز والخروج من الحيرة, واتخاد قرارالانتحار وهم في 'انتظار جودو' وقراره.إذا كانت حالة الاحساس بالفوضى والعبثية واهتزاز اليقين بكل الموروثات, وهي حالة نتجت عن الحربين العالميتين اللتين مزقتا القارة الاوروبية خلال النصف الاول من هذا القرن . كانت هذه الحالة أداة تفعيل وراء العديد من التجارب المسرحية, وخاصة مسرح اللامعقول أي مسرح العبث, ونموذج مهم للمسرح الطليعي مسرحية في 'إنتظار جودو' تأليف صموئيل بيكيت , عرضت هذه المسرحية في باريس سنة ١٩٥٣ واثارت عند عرضها جدلآ حادآ،وقد وصفها البعض 'انها مسرحية 'لها مساس بشغاف القلب' ,والبعض الاخر وصفها 'على انها حيرة الانسان في هذا الزمن المعكوس'.على خشبة 'المسرح الملكي دراماتن'في ستوكهولم تحول المكان الى مترو الانفاق ومحطة القطارت مع شجرة جرداء مغروسة في سلة المهملات (القاذورات) ,جوجو يعاني بسبب ضيق الحذاء وديدي يحمل حقيبة عدتها من الجزر، وهما ينتظران من يخلصهما واسمه 'غودو', سبق ان تضرعا سابقآ له وإنه سينظر في الامر،انهما في الحقيقة لايتظران ولكنهما يبحثان عن الامل والخلاص من الخوف والخذلان،ديدي لايستطيع مساعدة صديقه جوجوعلى خلع حذائه،أحيانآ يقررا الاقتراب من بعضهما أو الافتراق, وذلك بسبب افقدان الثقة مابين الاثنين, خشية أن ينفرد أحدهما 'بغودو'. جوجو يوحي من هندامه إنه كان شاعرآ،يدخل لاكي بملابس نسائية وحبل طويل يوثق عنقه يقوده سيده بوزو،ديدي وجوجو يتصوران ان القادم هو غودو،بوزو يخاطبهم ماذا تفعلان هنا ؟ ولماذا تتواجدان على ارضي ؟ 'بوزو' هو رمز مهم للقوة الغاشمة,'جوجو' يمثل السذاجة والبساطة،'ديدي' رمز حيللعقل والتأمل. وفي رحلة 'بوزو وتابعه لاكي' يدخلان ثانية الى المسرح وقداصيب بوزو بالعمى, وهو يرتدي حفاظة الاطفال ولاكي يحمله على ظهره . اما الشجرة الجرداء تحولت الى شجرة خضراء في عمق المسرح, 'بوزو' يطلب المساعدة من' جوجو وديدي' لكنهما يشترطان مساعدته مقابلدفعه المال لهما، بوزو الضرير يصرخ، يدخل طفل عن طريق المصعد الكهربائي ويبلغ الجميع بعدم قدوم 'غودو' ،انه لن يأتي،يخاطبديديصديقه جوجو 'على انه سعيد في هذه اللحظة وانت كذلك', 'كلانا سعداء وما علينا إلا بالرحيل', مع صوت القطار القادم، وهما يصعدان السلالم وتنتهي رحلة الانتظار, بنهاية سعيدة بعيدة عن التراجيديا وبدلآ انيشنقا نفسيهما بالحزام . والواقع ان مسرحية في 'انتظار غودو' مبنية على ظاهرة وحالة انسانية عميقة،وهي الايمان بشيئ ما.ان الانسان ينتظر .هنا في السويد حاول المخرج 'يان يونسون' تقديم مسرحية في 'اتظار جودو' في سجن كبير في مدينة 'كوملا السويدية', وكل العاملين من المساجين .تيمة المسرحية مبنية على الانتظار وغير دليل عنوانها في انتظار غودو, والكل ينتظر القادم والمجهول، ويعرف كيف ينتظر؟ تخلق انطباعات لدى المتفرج لموقف تابث وجامد غير قابل للحركة والتطور ,هذه المرة نلتقي مع رؤية إخراجيةللمخرجة الإنكليزية كاتي ميتشيل' بمسرحية ' الحلم كراب' للمؤلف: صموئيل بيكيت, تمثيل ' ارلانديوسبسون، أنجيلا كفاس، والمغني يوران مارتلن ,عادت المخرجة الإنكليزية 'كاتي ميتشيل' بعد ثلاثة سنوات إلى المسرح الملكي دراماتن في ستوكهولم, بعد إخراجها لمسرحية 'العيد'وهذه المرة تخرج مسرحية 'الحلم' أو كما يسميها البعض 'الشريط الأخير'. هي مسرحية قصيرة ذات طابع المونودراما بطلها الوحيد 'كراب ' ,رجل كهل وضعيف السمع يعاني من مرض في الأمعاء، ففي المشهد الأول يظهر في أعلى المسرح يعزف على آلة البيانو, وبحركة المسرح وفق التقنيات الحديثة ينتقل إلى وسط أسفل المسرح, منضدة صغيرة كراب يجلس على كرس وهو محاط بالسلالم، رجل عجوز يرتدي بنطلون أسود وقميص أبيض لحيته طويلة ونظره ضعيف وسمعه تقيل, يستمع إلى جهاز تسجيل وبيده ميكرفون وعدد من العلب تحوي المزيد من أشرطة التسجيل. كل المسرح مظلم ما عدا ضوء على المنضدة، يبقى كراب بلا حوار ولا حركة ومن ثم تصدر عنه تنهيدة عالية يخرج مضروفاً من جيبه مع حزمة مفاتيح, ويخرج الموز من إحدى العلب يأكل ويلقي بقشر الموز تحت قدميه، يسير جيئة وذهاباً على حافة المسرح في الضوء، يأكل الموز ويتأمل وهو يحاول السير والتزحلق فوق قشرة الموز حتى يكاد أن يقع يستعيد توازنه ويقف. يتحرك نحوعمق المسرح إلى الضوء ثم الرجوع إلى المنضدة دون حراك ودون أن تصدر منه أي تنهيدة. ويستعيد ذكرياته القديمة عن طريق الاستماع إلى أشرطة التسجيل, وذكريات غامضة غير واضحة وعبارات مبتورة وهو يردد "كريهة هذه الذكريات", والتي أستخرجها من قبورها لكنيكثيراً ما أجدها نافعة, قبل أن أندفع إلى جديد. 'من العسير أن أصدق إنني كنت يوماً ذلك الولد الأبله'". وماذا بقى من كل ذلك البؤس؟وهو ينشد عن الظلال في جبالنا، وزرقة السماء سوف تستحيل إلى غيمة، والجلبة تخمد في حقولنا، وكل شئ سرعان ما سيرقد في سلام.. لقد مات أبوه ولحقت به أمه بعد فترة من الترمل، وثمة علاقات غرامية ما يعتريها الفتور ويستبد بها الملل والسأم، فجأة يوقف جهاز التسجيل ويديره إلى الأمام . إن الظلام ألذي دأبت دائماً على طرده إنما هو في الواقع أفضل ما عندي، وكل شيء يتحرك ويحركنا في رفق . ويعلق كراب على ذكرياته القديمة في موضع أخر من الشريط قائلاً 'فرغت الآن من سماع هذا الولد الأبله, الذي أحسبني كنت إياه منذ ثلاثين سنة مضت'. ومن الصعب أن أصدق إنني كنت يوماً ما على هذا الحد من الحماقة.. والأيام التي كانت ولا تزال أمامي فيها فرصة للسعادة، ما عدت أريدها وفي أعماقي هذه النار. حاولت المخرجة 'كاتي' الاعتماد في الإضاءة والسينوغراف، مناطق العتمة ومناطق ضيقة مضيئة بطريقة هندسية مدروسة, إضاءة خلفية تتخلل فتحة الباب, وبقعة ضوء على كومة من الكتب ومن الأشرطة الصوتية كل الذكريات فيها، يتحرك كراب إلى عمق المسرح في المنطقة المظلمة ويجلب معه كتاب قاموس ضخم، قارئا في القاموس وبصوت يشوبه الحزن' حالة وحالة أو بقاء، أرملة، أرامل'، الحزن يصمت يتذكر أمه أثناء وفاة أبيه. تحاول المخرجة الانتقال بطريقة التداعي 'الفلاش باك' تظهر أم حزينة في غرفة ,تتحرك وبدون توقف بطريقة ميكانيكية إلى الأمام والرجوع ذهاباً وإياباً يميناً ويساراً ودون أي حوار باب موصد، نافدة يتخللها الضوء كأنه غرفة سجن معتمة, وهي تعيش حالة الألم وفراق الزوج. أجهزة الإضاءة تتحرك والهيرسات لإبراز الحالة الجنائزية لوفاة الأم ... سنة معتمة وليلة لا أستطيع أن أنساها لم أعرف صمتاً كهذا، الأرض قد تكون بلا سكان, تعتبر مسرحية 'الملك أوبو' البداية الحقيقية لمدرسة العبث التي ازدهرت في الخمسينات، عرضت مسرحية الملك أوبو في فرنساسنة ١٨٩٦. وتدور المسرحية حول فكرة الطمع في السلطة واغتصابها, تذكرنا في هيكلها الأساسي بمسرحية 'شكسبير 'مكبث'، بداية المسرحية نرى زوجة أوبو تحثه على قتل الملك ونسلاس واغتصاب عرشه ,هذا الرجل أوبو يظهر من بين الانقاض والصفائح المعدنية والخراب.. رجل بدين خشن الملامح. كان من قبل ملكاً على أراجون وأصبح الآن قائداً في جيش ونسلاس ملك بولندا.. في اليوم التالي يذبح الأسرة المالكة ولا يفلت من المذبحة سوى (بوجرلاس) الوريث الشرعي للعرش ووالدته. ويدير أوبو المملكة عن طريق القتل ونهب الأموال والسرقة والاستيلاء علىالممتلكات، وفي إحدى المشاهد الدموية لجرائم الملك أوبو نشاهد طابوراً طويلاً من النبلاء ورجال القضاء والبنوك يعدمون بواسطة آلة تفتيت العقول، يضعونهم في أقفاص حديدية . عندما ينتهي أزلام أوبو من الرعاع والدهماء من حرق ونهب أموال المملكة، يشن الحرب على قيصر روسيا, والذي كان قد أقسم أن ينتقم لمصرع قريبه ونسلاس، وتتمخض الحرب عن هزيمة الملك أزبز ويفر هو وزوجته إلى فرنسا ,كانت رؤية الكاتب 'الفريد غاري' للعالم رؤية وحشية لا يحكمها منطق أو عقل، وحاول أن يعبر عن هذه الرؤية في أسلوب حياته وفي مسرحياته. فشخصية الملك أوبو تمثل الشر والغرور بعينيه يسحق كل من يقف في طريقه، شخصية مليئة بالحقد والغدر وتحمل في طياتها روح الثأر، شخصية أوبو مشابهة في كثير من تفاصيلها بشخصية ذلك المحارب الروماني، ورامبو العصرصاحب النزق المتوحش القريب من الملك أوبو, المحاط بشلة فاسدة من اللصوص وقطاع الطرق، صاحب الأخلاق الوهمية والمهووس بالعجرفة والغرور والذي يحلم بتدمير الأخضر واليابس . شخصية الملك أوبو قد حوت كل صفات القوة الكونية الشريرة, والتي تتخلل الدراما الطليعية المتقنة الصنع, والتي يستعملها أوبو لانتزاع المخ من مكانه. أما الناس الذين لا يروقون له فيقتلهم بإجلاسهم على الخازوق،والمذابح الجماعية الارتجالية التي يأمر بها دائماً. كل هذه الصفات فيها نوع من القسوة التي أراد (ارتو) إدخالها في الدراما, بإظهار خضوع الإنسان لما في العالم من قوى معادية. قصة الملك أوبو قصة خيالية لملك يغتال بيد مغتصب شرير وغازي، وأمير شاب يجتهد في الأخذ بثأر أبيه. حاول المؤلف والمخرج التركيز على شخصية أوبو وإظهاره بصورة القوة الطاغية والشريرة التي لا ترى في الكون إلاّ نفسها, ومحاولة سحق كل من يقف في طريقها، يسيطر على الكون من خلال الشر والقسوة تحت شعار أنا أحكم هذه الأرض أو أكون كما أهوى يعيش, يعيش, هذا الشعار الخالد يجعله يفعل كما يروق له باسم العدالة والحرية وتحرير الإنسان , لتحقيق الإمبراطورية السرية متشابكة المصالح والأهداف، وجعل الناس البسطاء خدماً، وجعل كل اللصوص والسماسرة رهن الإشارة ,مسرحية الملك أوبو مسرحية غنائية مليئة بالمشاهد الساخرة ,والتزاوج القسري ما بين الهجاء التهكمي والفارس الجريء، قد يغرق المتلقي في الضحك ثم ما يلبث أن يحك رأسه حيرة. شخصية الملك أبو تجمع بين المرح وانشراح الصدر والبدانة المفرطة، والوعيد الصارم المشؤوم الذي ينبئ به الملك المطلق إنه رمز للشر الكوني. إن دمار الحرب الذي شهدته البشرية مرتين خلال نصف قرن، وتشهده في هذا الزمن الرديء أعنف من سابقاتها وأشد رعباً وفتكاً وإفناء، هذا الدمار الذي ينبثق من رغبات تافهة مليئة بالغطرسة وسفك الدماء, إنه أراد أن يسعى إلى التأله في الأرض واستعباد البشرية. هذا الدمار نشأ على طبول الحرب، ولم يكتف تاريخنا منذ ذلك الوقت عن أن يكون قتلاً وظلماً أو عنفاً. وهكذا جاء عدد كبير من الأعمال المسرحية انعكاساً لهذا الألم الذي يعانيه الإنسان والفنان بشكل خاص وهو يجابه الرعب والدمار في أرض الخراب, في كل يوم يسود قانون الغاب، كل ما يأتي ونشهده من زمن الملك أوبو إلى يومنا هذا من جرائم وحروب, زمن نشهد فيه التدمير الكامل والتنكر للآدمية ,هناك اختلاف مابين تصنيف هذه المسرحيات ما بين العبثية والواقعية النقدية ,والتسجيلية والتعبيرية، وهناك صعوبة في أن تدرج بعض المسرحيات ضمن أي مدرسة, لأنه يصعب تبويبه ضمن شكل واحد ـ أما مسألة تبويب الأعمال الفنية وتصنيفها داخل قوالب فهذه مهمة النقاد, فالعمل الفني الجيد يستحق التصنيف والتبويب, فلا يطلق عليه وصف مثل تجريبي لأنه تمرد على القوالب الجامدة فيالمسرح، من السهل أن تقول هذا كاتب عبثي, وهذا واقعي، وهذا تعبيري فتحل جميع مشاكل الحياة. إن المسرح في العالم الآن يتجه اتجاهاً آخر لا تبويب ولا تصنيف ,فبعد مدرسة العبث في الخمسينات, لم نر أي ناقد أوروبي يصنف المسرح الذي تشهده أوروبا, طوال هذه السنين الأخيرة أو يحاول أن يفرض على الكتاب الحاليين أن يدرجوا تحت مدرسة أو أخرى من المدارس الفنية القديمة، وإلاّ فعل النقاد أن يذكروا لنا إن استطاعوا اسم المدرسة السائدة الآن في المسرح الأوروبي ؛؛؛ فمثلا في كل المهرجانات الأوروبية والعربية هناك اتجاه لدى الأغلبية , من كسر القوالب القديمة والتحرر من أسر المدرسة الواحدة , ومحاولة الخلاص من كل ماهو عبث وباطل واعلان الاحتجاج على الوضع الانساني, والبعيد عن اي بارقة امل, وكذلك القيود التي يفرضها المجتمع على الفرد، ربما تكون النظرة التشاؤمية لكل كتاب الدراما المحدثين, مثل الكاتب النرويجي يان فوسيه،والكاتبة البريطانية سارة كين،الكاتب السويدي لارس نورين, كلهم يركزون على مظاهر الاضطهاد المتوارث عبر الحياة الانسانية, نتيجة تمرد الابن على الاب وتمرده على المجتمع . هناك علاقة مابين كتاب المسرح الطليعي وكل الكتاب المعاصرين, من خلال القواعد الدرامية التي وضعها انتونان ارتو والفريد جاري. مع الالتزام بالقواعد الثابتة, المسرح يمثل الآن إحدى صفات الحداثة في الفن المعاصر في العالم

عصمان فارس مخرج وناقد مسرحي السويد

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف