ثقافات

بمناسبة صدور "رحلة كامل التلمساني: السريالي في مواجهة الواقعي"

محسن البلاسي: سيرة التلمساني جولة طليعية في دروب مظلمة تحت جلد القاهرة

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

الجزء الأول


صدر عن دار الثقافة الجديدة (القاهرة) "رحلة كامل التلمساني: السريالي في مواجهة الواقعي" (300 صفحة) بقلم محسن البلاسي. كتاب له شحنة ثقافية خاصة لم نتعود عليها في ما يصدر من كتب عربية جديدة. أنه رصد حار لشخصية ثقافية سوريالية عرفته مصر الاربعينات والخمسينات اسمه كامل التلمساني في حوليات تاريخ الحرية. جاءت فيه المعلومات لا على شكل أحجار ميتة مكومة في رؤوس سطلها الغباء والجهل، وإنما على شكل أزهار تنبت لتثمر . فنحن هنا نتابع التلمساني من بدايته وواجب مروره بتيارات فاضت في مطلع ثلاثينات القاهرة لينتمي الى مجموعة "الفن والحرية" حاملا رايتها السوريالية نصا ومشهدا، شعرا ورسما وافلاما... نشعر وكأننا في دهاليز القاعات الحرة آنذاك التي كانت تعرض له اعماله وأعمال رفاقه رمسيس يونان، فؤاد كامل، انور كامل ورسامين عالميين كانوا يعيشون في مصر. كتاب وثائقي وفي الوقت ذاته سردي روائي ينبض بين سطوره شعر حيوي حر لا علاقة له بالنَظم والاديولوجيات وأدب المقاولة. فمحسن البلاسي، هو نفسه سوريالي يشرف على "الغرفة"مجلة السورياليين العالميين، التي سنأتي على ذكرها حين يصدر قريبا العدد الثاني. المقابلة هناء جاءت ايضا بطريقة جديد: أن يأخذ حصته الكاملة من الشرح في كل جواب على سؤال طرحته عليه... ولهذا السبب سننشر نص الحوار في ثلاثة أجزاء.

هنا ثلاث اجابات على:
- لماذا كامل التلمساني بالذات في هذا الوقت...؟
منذ سنوات طويلة، كنت مراهقا حين قرأت هذه العبارة لجورج حنين:
تعرفون تلك الأكشاك الرمادية الباهتة الملساء التي تحتوي تارة على محولات كهربائية قوية وتارة اخرى على كابلات عالية التردد والتي تجدون على جوانبها عبارة قصيرة تحذركم (لا تفتحوا -خطر الموت) حسنا، إن السريالية هي شئ كتبت عليه يد لا حصر لأصابعها ردا على الصيغة السابقة (نرجوكم أن تفتحوا - خطر الحياة) منذ ذلك الوقت وأنا ممسوس بكوني ولدت سرياليا. مهوسا باكتشاف لون الريح الشفقي العظيم.
اصبحت مولعا بثورة مجموعة الفن والحرية الفنية والأدبية والفلسفية في ثلاثينيات القرن الماضي ومجذوب بمنتج المجموعة السريالية العربية في باريس السبعينيات، كنت انظر من بعيد حيث الغابة المشتعلة خلف غسق الماضي والتي تولد كل لحظة شابة يافعة. لكن كامل التلمساني وجورج حنين وحضرتك بالترتيب الزمني كان لكم وضع خاص في عقلي.
النموذج الأمثل بالنسبة لي لمفهوم الذئب السريالي الشامل. وظللتم تسكنوا عقلي ومخيلتي لسنوات طويلة، كتبت عن مجموعة الفن والحرية، اكتشفت كتاباتكم ومنشوراتكم، الرغبة الاباحية والنقطة وأنشطتكم في السبعينيات والثمانينيات. في سن مبكرة كنت اتعامل مع كل رائحة سريالية مزقت كل السلاسل العربية الفلسفية والاجتماعية والتراثية بالكثير من التبجيل والشهوة نحو اكتشاف المزيد، تعلمت منكم أن قتل الآباء شرط ازلي للعقل الحي وأن اللحظة هي الرائد الوحيد، لا مستقبل، لا ماضي يجب أن يتبع، تعلمت أن التسليم لمغناطيس الصدف الموضوعية سبيل شاسع للعصيان الفردي. وها هي السريالية تتألق في لحظة لن تسقط من ذاكرتي أبدا
عبد القادر الجنابي الذي ذرعت منشوراته بذور التمرد في خلاياي العصبية حين كنت مراهقا صغيرا، يحاورني.
تلك هي السريالية الحية
جاءت فكرة الكتاب حين كنت أقوم بتصوير مجموعة ڤيديوهات وثائقية عن مجموعة الفن والحرية السريالية وعن كامل التلمساني وجورج حنين لتنشر كحلقات مصورة مصحوبة بمجموعة مقالات. كنت أصور حلقة منها مع الصحفي والناقد الكبير أستاذ سمير غريب في منزله عن كامل التلمساني ومجموعة الفن والحرية، ربما منتصف ٢٠١٩ وفي وقت التصوير وبعد نقاش اقترح علي الأستاذ سمير أن أجمع هذه الحلقات في كتاب عن كامل التلمساني، الحقيقة أن الفضل الأكبر يعود له في تحريضي ومساعدتي لكتابة هذا الكتاب في البداية. وبالفعل بدأت المغامرة، تحمست للمشروع الروائية المصرية والصديقة الجميلة مي التلمساني أبنة الناقد السينمائي الكبير عبد القادر التلمساني الأخ الأصغر لكامل التلمساني، وأمدتني بوثائق ومعلومات في غاية الأهمية عن كامل التلمساني تنشر لأول مرة في الكتاب،
الحقيقة أن كامل التلمساني له طبيعة خاصة من بين ذئاب مجموعة الفن والحرية السوريالية في مصر الثلاثينيات والأربعينيات، فعلى امتداد ما يقارب المائة عام لم تعرف الساحة الثقافية والفنية العربية شخصيات كثيرة امتلكت هذا الجوع الوحشي والقدرة على التجريب الفني والسفر عبر أشكال وقوالب ومدارس الخيال مثل التي امتلكها كامل فلا يمكن وصف كامل التلمساني بالفنان أو الناقد التشكيلي فقط أو المخرج أو الناقد السينمائي او كاتب السيناريو أو مدير الانتاج او كاتب القصة القصيرة فقط، او حتى المفكر الاجتماعي فقط ولا يمكن وصفه كرائد للسينما الواقعية في مصر أو على المستوى العربي فقط لكنه كان في ذاته حركة فنية وثقافية شاملة وبركان كان له التأثير الأكبر في تشكيل وعي كتيبة من المبدعين المعاصرين له والذين اصبحوا فيما بعد فنانين استثنائيين وفارقين كل في مجاله ومكانه .
بدءا بزملائه في المدرسة السعيدية الثانوية، راتب صديق وفؤاد كامل وسعد الخادم والذين أصبحوا فيما بعد من أهم وأبرز الأسماء التشكيلية المصرية في القرن العشرين مرورا بإخوته الأصغر حسن التلمساني، وعبد القادر التلمساني وتأثيراتهما الفارقة في الحركة السينمائية التقدمية في مصر، والتشكيلية الاستثنائية انجي افلاطون وأختها الشاعرة جلبيري افلاطون، والفنانين عماد حمدي، و منير مراد، والعديد من المبدعين وصناع السينما والتشكيلين والكتاب الذين تأثروا به وأثروا فيه.
كامل التلمساني وجورج حنين ورمسيس يونان كانوا الأعمدة الرئيسية لتكوين مجموعة الفن والحرية. كامل يحمل حمضها النووي الأول.
حتى قبل ميلادها بدءا من منتصف الثلاثينيات وكامل كان مهتما بدمج رسوماته مع النصوص الأدبية، فرسم رسومات لقصص لكتاب مثل طه حسين وغيره وصولا لتعاونه البصري مع ألبير قصيري في رائعته بشر نسيهم الله، وهي واحدة من أهم المجموعات القصصية في تاريخ الأدب المصري الحديث في تقييمي، كامل أيضا كان من المؤسس الرئيسي لجماعة الشرقيين الجدد عام ١٩٣٧ مع سعد الخادم وراتب صديق وكمال الملاخ وغيرهم، هذه المجموعة التي أصدرت بيان الاستشراق الجديد. البيان الأول من نوعه الذي يدعو الفن الشعبي إلى شكل حداثي واضح وصريح وجذري.
لم تكن المحاولات التحديثية للفن الشعبي تأخذ هذا المنحى الجذري قبل جماعة الشرقيين الجدد التي اطلقها كامل في فترة مبكرة من شبابه. المراحل الفنية لحياة كامل الفنية كانت مفاصل تطورية للفن المصري الحديث سواء تشكيليا او سينمائيا او نقديا.
الحقيقة أن حجم المفقودات في تاريخ الشحنات الكهربائية السريالية التي أحدثتها الحركة السريالية في الشرق الأوسط منذ بداية تفجرها في بداية ثلاثينيات القرن الماضي عبر جماعة المحاولين في القاهرة كمنشأ أولي مرورا بجماعة الفن والحرية ومجموعتكم السريالية العربية في باريس ومجموعات سريالية اخرى يعادل المتاح منها. وكل تفصيلة في هذا المفقود وحتى المتاح تمثل جرعة تحريضية على مزيد من الانشطارات السريالية وانشطارات المخيلة العربية التي تعاني من الصدأ التاريخي والتخيلي.
أيضا الكتاب ينطلق من إلقاء الضوء على مسار و تطور ونشأة الحركة الثقافية الفرنكفونية الطليعية في القاهرة في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر وجذورها الممتدة منذ الحملة الفرنسية على مصر عام ١٨٠٥ وانتشار اللغة الفرنسية في الأوساط الثقافية المصرية في بداية القرن العشرين وصولا لبدء النشاط السريالي في مصر ومرحلة العاصفة السريالية الأولي في القاهرة في نهاية العشرينيات وبداية الثلاثينيات عبر فنانين وشعراء وشاعرات ومصورين لم يسلط الضوء عليهم في مصر كثيرا من قبل مثل مايو وايدا كار ولي ميللر وماري كافاديا إلا قليلا في كتابات استاذ سمير غريب واستاذ بشير السباعي ثم نأتي لبداية النشاط السريالي الحقيقي عبر جماعة المحاولين في القاهرة وتشريح تكوينها في بداية الثلاثينيات حتى نهاية هذا العقد وصولا لنشاط جورج حنين وبدء نشاط كامل التلمساني في نهاية الثلاثينيات وتأسيسه لجماعة الشرقيين الجدد ثم ديوانه المشترك مع جورج حنين الذي اشترك فيه برسومه وهنأهما اندريه بريتون عام ١٩٣٨، كل هذا حققه كامل التلمساني في سن مبكرة قبل تأسيس مجموعة الفن والحرية.
كل هذا يصنع مشهدا سوسيولوجا رأسيا للنشاط الثقافي الهائل للقاهرة كمدينة كوزموبولوتية نشطة في النصف الاول من القرن العشرين، وما تخبئه من انشطارات في ذاكرتها لا نهاية لها. يتجسد في تأثر كامل التلمساني بالعاهرات قسريا عميقا في دروب مظلمة تحت جلد القاهرة،. نقل معاناتهم ونزفهم رسوما وكلمات، ظهرت بوضوح في شخصية فهيمة، شبح هذا الكتاب
أيضا المسار الدرامي لحياة كامل وتحولاته الحادة من النقيض إلى النقيض منذ نهاية عشرينيات القرن العشرين حتى بداية سبعينياته أغراني لتضفير بعض انعطافات وتطورات الحركة الفنية الحديثة في مصر مع رحلة حياة كامل و التي دفنت أهم معالمها بعد تسليع المخيلة المصرية على امتداد عشرات السنوات لاعتبارات كثيرة بدئا من السبعينيات وربما قبل ذلك بسنوات، الحقيقة أنه على المستوى العام أو الشعبي في مصر كامل التلمساني معروف كمخرج سينمائي في الخمسينيات لكن لم يطلع الكثيرون على منتجه النقدي أو التشكيلي السابق لعصره بشكل مدهش، قبل عام 1945. أيضا وبرغم مرور أكثر من ثمانون عاما على نشاط كامل النقدي فلو قمنا بتشريح مقالاته النقدية سنجده يقدم نموذجا تفتقر إليه الحركة النقدية العربية المعاصرة ويسبقها ربما بعشرات السنوات فيما يخص فن المقال النقدي بتضفيره مع قوالب أدبية اخرى وهذا نموذج بإعادة نشره يقدم أمثولة واضحة على أن الحركة النقدية العربية تمشي بظهرها. بالطبع لدي سلوك عدائي تجاه الحركة النقدية العربية المعاصرة لا أنكر ذلك وأفعل كل ما أستطيع كي أؤرق نومها.
أيضا يصب كل هذا التضفير داخل الكتاب في بوتقة السؤال الذي يتصدر عنوان الكتاب "السريالي في مواجهة الواقعي " كيف تحول كامل التلمساني إلى النقيض من سريالي نشط إلى مخرج سينما واقعية؟
ماذا حدث وشكل التشريح الاجتماعي للأوساط الثقافية في مصر الذي عاصر هذا التحول خصوصا أنه جاء في لحظة تغير فيها البناء الطبقي والاجتماعي والثقافي للمجتمع المصري خلال الحرب العالمية الثانية وهو ما جسده في فيلمه السوق السوداء ونشوء طبقة من تجار الحرب الذين كان لهم أثرا كبيرا في تغيير شكل المجتمع المصري، أيضا تحول كامل التلمساني إلى السينما الواقعية وإخراجه لفيلم السوق السوداء كان معاصرا لنشأة السينما الواقعية المصرية بمفهوم سينما الواقعية الاجتماعية الواضح، بعد محاولات كمال سليم الأولية في نهاية الثلاثينيات.
لم يؤثر هذا التغيير الاجتماعي في كامل فقط لكن أحدث تغيرات في مسارات بعض رفاقه في مجموعة الفن والحرية السريالية.
أيضا يبحث الفصل الأول من الكتاب في شكل التغير الذي طرأ على الأوساط الأدبية والفنية في ظل تنامي القوى الفاشية في مصر وظهور تيارات فنية وأدبية تقدمية معادية للفاشية بدءا من دستور ١٩٣٠ وتولي إسماعيل صدقي باشا رئاسة الوزراء حتى نهاية الحرب الثانية عام ١٩٤٥
أما بعد تحول كامل التلمساني للسينما الواقعية ورحلته مع ستوديو مصر وكيانات الانتاج السينمائي التي تغير شكلها تماما بعد عام ١٩٥٢، يبحث الكتاب في التغيرات السياسية والاجتماعية فيما بعد ٥٢ وعلاقتها بمنظومة الإنتاج السينمائي عبر رحلة نقدية في أعمال كامل السينمائية خلال الخمسينيات وتطورها، وتحليل اعماله ككاتب سيناريو بالاضافة لكونه مخرج ومدير انتاج. وكتب كتابين في النقد السينمائي ورواية مفقودة سنعرف سرها في الكتاب.
وصولا إلى خروجه من مصر في بداية الستينيات إلى بيروت حيث عمل كمدير انتاج لفرقة الرحبانية وفيروز، كانت حياته في بيروت مكدسة بالنشاط الفني كعادته، حتى وفاته وحيدا بعيدا عن القاهرة التي نزع منها.
كل تفاصيل هذه الرحلة تلقي بسهامها على واقعنا المعاصر سواء فكريا أو أدبيا أو فنيا أو اجتماعيا بشكل مباشر وتلقي في وجوهنا تساؤلات عن الطريق الذي مهد إلى حالة الشلل والفقر الثقافي التي نعيشها الآن في الشرق الأوسط.
كنت اسعى إلى دفع القارئ إلى إجبار عقله على السؤال ماذا حدث لتضمحل المخيلة العربية إلى هذا الحد بعدما أنتجت هذا الشكل السابق لعصره والخارق للظرف الاجتماعي في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي أي أنشط الحقب الزمنية فى تطور الفكر المصرى الحديث، بالاضافة لما قدمته المجموعة السريالية العربية في باريس التي أسستموها في السبعينيات والثمانينيات لتكون الآن جسرا ازليا متجدد الحياة بين حقبة سريالية وحقبة أخرى. بالطبع كانت هذه الحركات استثناءات تاريخية لكنها استثنائات صنعت المستقبل للفن الحر في منطقتنا
كانت سيرة كامل التلمساني قالب شاسع يتم صب كل هذه الأسئلة داخله لتصرخ صفحات الكتاب بالدعوى للمزيد من البحث والتنقيب في أنفاق وأزقة رافعي الخيال الحر في تاريخ منطقتنا سواء الشرق الأوسط او شمال افريقيا.

- أتعتقد أن كتابا عن كامل التلمساني سيعطي دفعة فنية أو ابداعية للثقافة المصرية الحالية؟
سنجد في كل منعطف داخل هذا الكتاب صراعا ما بين القوى الرجعية والقوى التي رفعت راية الخيال عالية خلال القرن الماضي، حتى بشكل ديناميكي في سيرة حياة كامل ومعاصريه. سواء كان هذا الصراع أدبيا أو نقديا او تشكيليا او سينمائيا او ثقافيا او اجتماعيا أو سياسيا او حتى شخصيا.
كان مصير كامل ورفاقه في مجموعة الفن والحرية مرآة صارخة النقاء والصدق للصراعات الاقتصادية والسياسية والفلسفية والفنية والأدبية التي عاشها العالم على طول الحرب الأولى والثانية وما بينهما وبعدهما.
المصير الذي آلت إليه الأشكال الرقابية على الفن في الخمسينيات وتأثيراتها على الأشكال والأبنية الإنتاجية خصوصا في السينما والمسرح يرفع يافطة تحمل الكثير من الأسئلة داخل الكتاب. وتؤكد شرطية حرية الفن لتقدم أي مجتمع واخراجه من الظلام. أي بناء فلسفي أو فكري أو ثقافي رجعي لا يسقط سوى بتعرية ثغرات لسانياته. حين نقرأ غالبية مقالات كامل التلمساني النقدية المنشور بعضها في الكتاب سنجد في مقدمتها او في صدرها او نهايتها نصوصا ادبية عالية التكثيف، وربما تصل لحد السرد الشعري او الشعر الخالص داخل المقال. المقال عند كامل التلمساني عمل أدبي ربما متكامل الأركان. اعتقد ان في تاريخ المقال النقدي العربي كامل التلمساني يعد طفرة استثنائية تصلح لإدهاش أي متلقي في أي عصر وتصلح كسوط يجلد المخيلات الفقيرة لغالبية كاتبي المقال النقدي المعاصرين. نعم ربما كان من بعض أهدافي لكتابة الكتاب تعرية فقر المخيلة النقدية واللغوية المعاصرة، يبهرك وأنت تقرأ مقالا نقديا لكامل التلمساني بأنه امتلك كيمياء الكلمة " مثل رامبو وأبولينير و مالارميه وكل الشعراء السرياليين الذين جاؤوا بعدهم، تشعر بالشعر الملموس والمرئي بمفهومه الكامل حين يأخذك عالمه إلى حالات حسية متجددة ومتناقضة ومنشطرة الدلالات.
لم تحدث هذه التعرية لشلل الثقافة العربية السائدة وفساد اللا حركة النقدية العربية وحتى اللغوية خلال المائة عام الماضية بشكل جذري واضح سوى عبر انفجارين في المخيلة العربية الحبيسة، الانفجار الأول كان عبر مجموعة الفن والحرية السريالية في مصر والانفجار الثاني كان عبر مجموعتكم السريالية العربية في باريس.
اعادة فتح أبواب هذه المناجم المشتعلة بالحياة والمخيلات الذئبية الخارقة مثل كامل التلمساني وإخراج التنانين التي تسكنها حية وتدخر لهيب منتجها للحظات وحالات انشطارية أخرى سيحرض على المزيد من شهوة البحث والتنقيب لدى الجادين من الباحثين والمنقبين وسيحرض على الجوع لغزل حبل يربط لحظات خالدة رفعت فيها راية الخيال حرة مرفرفة بشاطئ الحركة السريالية المعاصرة في الشرق الأوسط وشمال افريقيا وأي حركات ادبية وفنية ترفع راية الخيال فوق كل راية.

- هل في نيتكم اعداد كتب موسعة عن أبطال مجموعة "الفن والحرية" السوريالية، ككتابكم عن التلمساني؟
الحقيقة ربما في السنين المقبلة أبحث عن المزيد من المفقود في تاريخ مجموعة الفن والحرية السريالية لكن ليس قبل أربع أو خمس سنوات. السنوات القليلة المقبلة سأكرسها لسريالية العصر الراهن في المنطقة وربما عالميا، سأركز مجهودي على تطوير سبل التعاون الحديثة بين المجموعات السريالية في العالم واندماجها في كيانات نشر وإنتاج ثقافي تجمع مجهودها، بالطبع نعتبر انفسنا ابناءا شرعيين لمجموعة الفن والحرية ومجموعتكم السريالية العربية في باريس السبعينيات. ولن نحقق شئ لو لم نلم بكل تفاصيل من خرجنا من رحمهم الفكري حتى لو آمنا بأننا لسنا في حاجة إلى أسلاف لكننا ننظر لكم ولمجموعة الفن والحرية ليس كأسلاف لكن كمؤسسين وفاتحي الطريق لما نفعله الآن. ولن يهدأ جوعنا نحو المزيد من الحفر والتنقيب في منتجكم لكن مجموعتنا او حركتنا المعاصرة تحتاج إلى تضافر جهودنا الآن جميعا لصقلها بمشروع فكري وفني وفلسفي وبصري يعيش طويلا حتى نسلم الراية لمن سيأتوا بعدنا. ربما أعمل على عدة أنطلوجيات ومشاريع ترجمة لكن علي ان أصب كامل مجهودي وتركيزي على مشروعي الشعري والتشكيلي أيضا. هناك ديوان شعر باللغة العربية نعمل عليه أنا وغادة كمال تحت عنوان بوابة جيلاتينية كما سيصدر أيضا في خلال شهر كتاب شعري مشترك أنا و غادة كمال باللغات الفرنسية والإنجليزية والاسبانية تحت عنوان
The wolves of the moon
إصدار La belle inutile editions.
سيحتوي على قصائد وكولاجات مشتركة. بالإضافة إلى اهتمامي بترجمة أعمال السرياليين المعاصرين عالميا الآن ربما اجمع ترجماتي للحركة السريالية المعاصرة في انطلوجيا قريبا. أعمل أيضا أنا والشاعرة الأمريكية جورجيا باڤليدو شريكتي في تحرير موقع
sulfursurrealistjungle.com
على كتاب سيكون مجموعة من حواراتنا مع شعراء باللغة الإنجليزية. كما أننا نحضر لمجموعة معارض فنية جماعية في اكثر من مدينة في العالم بعد زوال الوباء. لذلك سيكون من الصعب أن ابدأ في مشروع بحثي تاريخي ككتاب كامل التلمساني يخص أحد ابطال الفن والحرية قبل أربع أو خمس سنوات لكنني بالطبع لن أتوقف عن البحث الدائم وربما يكون للصدفة الموضوعية رأي آخر

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
كل الشكر للاسطوري عبد القادر الجنابي. لحظة سريالية بالنسبة لي ان يحاورني الرجل الذي الهمني لاكثر من عرين عاما
محسن البلاسي -

شكرا لملهمي العظيم عبد القادر الجنابي وشكرا لإيلاف لاتاحة الفرصة لهذا اللقاء. لحظة سريالية ستخبد في عقلي. ان يحاورني الىجل الذي الهم خيالي لاكثر من عشرين عاما وحرره وحرضه لينفك من كل القيود الداكنة. شكرا مرة أخرى لايلاف وللعظيم عبد القادر الجنابي