جديد منتصر عبد الموجود: في مديح البلدات الصغيرة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
صدر مؤخرا للشاعر المصري منتصر عبد الموجود، عن “الآن ناشرون وموزعون” (بعمان)، كتاب جميل المظهر ومكتنز الصور تحت عنوان "في مديح البلدات الصغيرة". توالت النصوص تواليا يذكر بشروط القصيدة النثرية وفي الوقت ذاته بتفكيك النوع الأدبي الذي غالبا ما يحاصر القصيدة الجديدة. ذلك أن منتصر عبد الموجود، في كل مجموعة شعرية جديدة، يبرهن على وجود طاقة كبيرة في الشعر لفتح إمكانيات اللغة. فلغته، هنا، تمنح المديح عطرا يفتح الذاكرة على لغة خرجت لتوها من بيت النائم في الذاكرة، وراء أبواب التركيب والحيثيات... لغة تمسك خيط المسرح، وتلغي الستار بينها وبين ملكة إدراك القارئ. شعر مستتر في وضوحه... يتناغم في صوره كقلادة حول رقبة الكلمات لتتخلص من حراس المعنى الثقلاء؛ من زينة تلبية المهمات. الشعر هنا كما أراده بودلير، قضية لغة تفكك العلائق الداخلية من أجل تطابق مع الطبيعة، وليس برنامجا اجتماعيا ليوزع على عوام البؤس وعودا وهمية لتخليصهم من وضعهم البائس. ليست الجملة الشعرية عداءةً، وإنما مسافة اللغم الذهني. للشعر خارطته: الحاضر بلا لوازم الزمان! لا غرضية وراء انكسار صورة او تركيب. الكلمات تتعاشق مجانا، سريرها الإدراك. لا تحاول، إذن، ان تبحث عن راحة لبالك وكأن الشعر مهدئ، ففي "بلدات" الشعر لا دواء ولا مخدر، فكل نص مستقل بذاته، غير قابل للاحتواء. لا قضية هنا غير اللغة. ليس ثمة وصايا وطرق انقاذ، وإنما هنا اغراء على ان تلقي بنفسك في نهر داخلك. ومع هذا لا صورة ولا كتلة تقول لك "تشبّث بي" لكي تعرف كيف ان تعيش. لا غناء ولا بكاء، وبالأخص لا مجال للنكتة. فالصورة قابلة: لا تَستنسخ وانما تُولّد. هنا: شعر جديد متمكن من أدواته في سبر أغوار المراد، في باطن الذات؛ شعرٌ يبحث عن قارئ جديد في ذائقته لكي يمتد علامة حرية. النصوص، رغم الترابط بينها كحبل السرة، كلها تواصل سيرها ضاغطة اقدامها على اسفلت الرسالة تمردا على السُّلالة، حتى يدخل القارئ بلدات اللغة نظيفا من كل نفايات الخطاب وقَسَم المجاز وكتاب. اقرأ، وتجد نفسك تتسلل إلى فردوسٍ انهارُه مصابيحٌ صغيرة.
"في مديح البلدات الصغيرة" نتعرف على نصوص مَنظرية يخلصنا سردها المتوتر والموجز من تموجات نبرة المغني، مانحا إيانا فرصة الانتشاء بإيقاع الصمت في مجرى الصور المتأملة.
من الكتاب:
بانتهاء الدفن، عدنا إلى بيت العائلة المهجور، اجتمعنا في الغرفة الصغيرة نفسها، حكينا عنك، كل حكاية تنتهي بالضحك، ضحك المتعبين العالق بتراب المقابر بأحذيتهم، ولمّا علت الأصوات، تمادينا بلا خجل؛ حتى انفتحَتْ حواسُنَا عَلَى حقيقةِ موتِكَ، نصرِك الأخير الذي أدرْتَه بمهارةٍ - من مدفنِك - على الموتِ!