ABBA تتجدد رقمياً، ولكن بروحية الماضي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
حينما تم إنتاج وعرض فيلم آفاتار Avatar عام 2009، بتقنية لاقط الحركة Motion Capture، المصممة مِن ملابس خاصة يرتديها الممثلون ويقومون بتأدية المشاهد التمثيلية، ترتبط بمجموعة أسلاك تلتقط الحركة لتحويلها إلى برنامج جرافيك يُظهِرها بصورة رمزية كالتي شاهدناها في الفيلم، لم يكن عُشّاق فرقة ABBA السويدية الأسطورية يعلمون بأن هذه التقنية تمثل الطريقة التي ستعود فرقتهم الحبيبة إليهم من خلالها على المسرح بعد 13 عاماً في السادس والعشرين من مايو 2022، عِبر عرض حي بإسم "ABBA Voyage"، يختلف عما إعتادوا عليه في الماضي.
كان هذا الأمر يعد خيالياً، وما كان لأحد أن يصدق نجاحه حتى قبل عدة سنوات. فرغم أن هذه التقنية قد تمّت تجربتها في السابق مع فنانين رحلوا أو تقدّموا في السن، إلا أنها لم تحقق النجاح. لكن أعضاء الفرقة ومعهم فريق متخصص من 850 شخص، بإشراف شركة Industrial Light & Magic، التي أسسها جورج لوكاس منتج ومخرج سلسلة أفلام حرب النجوم الأسطورية، حاولوا هذه المرة التوصل للصيغة الملائمة التي توفر لجمهورهم أجواء حقيقية تشبه ما كانت عليه حفلاتهم الحية في سبعينات القرن الماضي، وقد نجحوا في ذلك. "كان الأمر سحرياً، نجحنا"، هكذا عَبّر بيورن أولفيوس أحد أعضاء فرقة ABBA ومؤلف كلمات وألحان أغلب أغانيها الشهيرة، الذي إحتفل مؤخراً بعيد ميلاده77، عن سعادته بهذه التجربة، وأضاف متحدثاً لوسائل الإعلام عن أول حفلة موسيقية حية إفتراضية في تأريخ الموسيقى عادت بها فرقته إلى المسرح: "سوف يتواجد الناس بأنفسهم في هذا العالم الخيالي ليَروا من خلاله صورنا الرمزية كأنها كائنات حية، فهل سنتمكن من إقناعهم بهذا العرض الافتراضي؟ وضعنا قلوبنا وأرواحنا بهذه النسخ الرقمية وهي ستتولى المسؤولية عنّا". وبالفعل حينما سار أعضاء الفرقة الأربعة على السجادة الحمراء معاً، أغنيتا وآني فريد ببدلات بيضاء، وبيني في زي السبعينيات بمعطف ملون، وبيورن ببدلة داكنة، إنطلقت هتافات المعجبين الذين كانوا يحتشدون بإنتظار هذه اللحظة التي بدا فيها أعضاء الفرقة وكأنه قد تم تجديد شبابهم بأعجوبة، أو كما لو أنهم قد قفزوا الى عام 2022 مع آلة زمن مِن أواخر السبعينيات. فنجوم الفرقة الأربعة لم يكونوا على خشبة المسرح بأنفسهم، بل بصورة رمزية أطلِق عليها تسمية Abba-tars من وحي اسم الفرقة، أي كنسخ رقمية مِنهم مُتحركة بالكامل، ومصحوبة بفرقة موسيقية حية مِن عشرة عازفين.
لمدة خمسة أسابيع، تم وضع أعضاء الفرقة الأربعة في بدلات خاصة سلكية، وقاموا بأداء كل أغنية مِن أغانيهم العشرين القديمة الشهيرة أمام 160 كاميرا، بحيث يمكن تسجيل كل حركة من حركاتهم، التي حاولوا القيام ببعضها كما في السابق، وكما تعود جمهورهم على رؤيتهم. أولى الأغنيات التي قامت الفرقة بتسجيلها هي "I Still Have Faith In You" التي أطلقتها الفرقة بعد عودتها المؤقتة للجمهور في سبتمبر2021، وقد تم إختيارها كبداية للتعبير عن الرابطة التي تجمع بين أعضاء الفرقة. تلتها بقية كلاسيكياتهم الخالدة مثل "Dancing Queen" و"Mamma Mia" و"Waterloo" و"Chiquitita " و"Money, Money, Money " و"The Winner Takes It All " و"Super Trouper " التي ما زالت تسحَر سامعيها في جميع أنحاء العالم، والتي بات بإمكان محبيABBA الآن تجربة سماعها في حفلة موسيقية لأول مرة منذ 40 عاماً. حوالي 3000 متفرج غنوا ورقصوا بحماس مع أغاني الفرقة، وصفقوا في النهاية طويلاً لأعضائها كنُسخ رقمية وكأفراد حقيقيين، والفرقة بدورها شكرتهم على حبهم ووفائهم لها لأكثر من 50 عاماً، والضيوف على حضورهم ودعمهم، والذين كان من بينهم الملك غوستاف ملك السويد وزوجته الملكة سيلفيا، ونجمة البوب كيلي مينوغ، والممثلة كيرا نايتلي، وعمدة لندن صادق خان.
قد يتسائل البعض لماذا أقيم العرض في لندن وليس ستوكهولم، وقد أجاب أعضاء الفرقة والمنظمين للعرض بأن السبب يتعلق بالمكان، كون التكنولوجيا المستخدمة لإخراج "ABBA Voyage" معقدة للغاية لدرجة أنه كان لا بد من بناء مسرح خاص لها، ومثل هذا المكان لم يتوفر في ستوكهولم، وتم إقتراح لندن أو منطقة الرور، ثم وقع الإختيار على لندن، حيث تم بناء ABBA Arena في شرقها قرب الملعب الأولمبي في ستراتفورد، والتي تحوي شاشة من 65 مليون بكسل مع ما يقارب 300 مكبر صوت. وقد إستغرق العمل عليها خمس سنوات من الإستعدادات.
لقد أثبتت فرقة ABBA بأنها واحدة من أكثر الفرق نجاحاً على مر العصور. فقد إنطلقت عام 1974 في مسابقة الأغنية الأوروبية التي أقيمت في جنوب إنكلترا بمدينة برايتون، وباتت خلال مدة قياسية إحدى أبرز الفرق الغنائية في العالم. وقد تم أعادة غناء أو عزف أغانيهم من قبل أشهر مطربي وعازفي العالم، مثل شير ومادونا وجيمس لاست وأندريه ريو. بالإضافة الى إنتاج الفيلم الإستعراضي"Mamma Mia" بجزئيه من وحي أفكار أغانيها، وبمشاركة نخبة من ألمع نجوم السينما العالمية، الذي كسب قلوب الصغار قبل الكبار بأجواءه الساحرة التي أضفتها عليه أغاني الفرقة، التي لطالما دخلت القلوب دون إستئذان وسَحَرتها قبل الآذان، وهي سِمَة ميزتها وشكلت أحد أهم أسباب ديمومتها وخلودها.
على مدى العقود الأربعة التي تلت إنفراط عقد الفرقة وتفرق أعضائها، بائت كل مساعي ومحاولات إعادة لمّ شملها على المسارح أو حتى في الستوديوهات بالفشل، وكان آخرها عام 2000 حينما رفضت الفرقة عقد قيمته حوالي مليار دولار للقيام بجولة فنية. لذا كانت خطوة إقامة هذا الحفل وبهذه الطريقة رغم تعقيداتها وصعوبتها إنجازاً يحسب للمساهمين فيه، وستمثل بكل تأكيد مَحطة وعلامة تضاف الى عديد المحطات الفارقة والعلامات المضيئة في تأريخ الفرقة.
karadachi@gmail.com