ثقافات

بلموندو وديلون، صداقة عُمر لم تنضبها المنافسة

الممثلان الفرنسيان جان بول بلموندو (إلى اليسار) وآلان ديلون (إلى اليمين) يحضران افتتاح متحف بول بلموندو المخصص لعمل والد جان بول بلموندو، في بولوني بيلانكور، خارج باريس، فرنسا، 14 سبتمبر 2010
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

النجمان الفرنسيان جان بول بلموندو وآلان ديلون، توطدت بينهما علاقة صداقة، تعَمّقت شيئاً فشيئاً، منذ اللحظة الأولى لإنطلاقتهما في عالم السينما، وإنخراطهما سوية بتيار الموجة الحديثة للسينما الفرنسية، والتي مثلا أبرز إيقوناتها، كنموذجين للروح الشبابية المتمردة، وإستمرت حتى رحيل بلموندو في مثل هذه الأيام من العام الماضي، حيث رثاه ديلون باكياً لشبكة CNews الفرنسية بالقول: "خسرت اليوم أخ وصديق، أنا مدمر تماماً. سأحاول الصمود كي لا أحذو حذوه في الساعات القادمة، ما كان الأمر ليكون سيئاً لو غادرنا معاً. فلقد بات جزء مهم من حياتي منذ بدأنا معاً قبل 60 عاماً".

كانا صديقين لدودين في شبابهما، لكن بمرور الوقت باتا رفيقين قريبين ونجمين ساطعين، لكل منهما ألقه ومكانته الخاصة وشخصيته المختلفة عن رفيقه. كان لقائهما الأول بفيلم "كوني جميلة وأصمتي" مع الجميلة ميلين ديمونجوت، لتبدأ بعده منافسة ثم صداقة إستمرت حتى أخر لحظة من حياة بلموندو. صحيح أنهما كان يتنافسان على الأدوار، لكن ليس بالصورة التي كان يظهرها الإعلام، فصداقتهما كانت أعمق بكثير من التنافس الذي كان ظاهراً على السطح. قال بلموندو مرة: "الصحافة بالغت كثيراً في هذا الأمر، إذ كان لكل منا مساحة كافية". أحبا بعضهما بنقاء وصدق، لم تؤثر عليه محاوﻻت البعض لإثارة الخلافات بينهما، في وقت كانا يتنافسان على صدارة شباك التذاكر، وبقيا يتربعان على قمته لمدة نصف قرن بماراثون فني لا مثيل له. على عكس صديق عمره ومنافسه الأبدي ديلون، بقي بلموندو يتحرك داخل أطر شاشة السينما الفرنسية حتى إعتزاله، ولم يُجَرّب خوض تجربة العمل في السينما الأوروبية أو العالمية إﻻ نادراً.

كانا مختلفَين كثيراً، مع قليل من المشتركات. بلموندو عاش طفولة سعيدة وكان محاطاً بحب عائلته البرجوازية المثقفة. في حين عاش صديقه ديلون طفولة حزينة فقيرة وعانى من الوحدة. كان بلموندو يضحك ويمزح طوال الوقت حتى قبل التصوير، بعكس صديقه ديلون الذي كان دائم التجهم ويحتاج الى التركيز قبل التصوير. وصف بلموندو ثنائيته المتناقضة هذه مع ديلون بالقول: "العلاقة بيننا صداقة مخلصة، رغم أنني وهو كالنهار والليل".

كانت لحظة الخلاف الوحيدة بينهما أثناء تصوير فيلم Borsalino، أحد أنجح الأفلام التي قدماها معاً عام 1970. فنظراً لأن ديلون كان منتجاً للفيلم، الذي لعب فيه كلاهما دور رجال العصابات، فقد إحتل إسمه المرتبة الأولى على ملصقات الفيلم، وهو ما لم ينص عليه العقد، مما دفع بلموندو لرفع دعوى قضائية فاز بها في النهاية، عَلّق عليها في وقت لاحق بالقول: "كان شجاراً بين الأحباب". يذكر أن الفيلم إعتُبِر حينها حدثاً سينمائياً فريداً لأنه جمع بينهما، وقد إقبتسته السينما المصرية وقدمته عام 1987 عبر فيلم "سلام ياصاحبي" الذي قام ببطولته النجمان عادل إمام وسعيد صالح.

كان المخرج جان لوك جودار أول من وضع قدم بلموندو على طريق النجومية وحببه في السينما، ومنحه الثقة في نفسه وقدراته بعدما حاول الكثيرون إحباطه، وأولهم أحد اساتذته بالمعهد العالي للفنون المسرحية الذي قال له يوماً "مع شَكلك هذا، لن تستطيع يوماً أن تحتضِن إمرأة، إذ لن يكون ذلك مقنعاً"، كونه لا يحمل ملامح الجان المتعارف عليها، والتي كان ديلون مثلاً إيقونتها الأبرز فرنسياً وعالمياً. لكن بلموندو كَذّب نبوءة أستاذه، فقد إحتضَن خلال مسيرته السينمائية عشرات الجميلات، وخفقت له قلوب النساء، كما خفقت لصاحبه الذي ترَبّع معه على عرش نجوم فرنسا الأكثر جاذبية في القرن العشرين. كما كان لديلون دور مهم في مساندة صديقه في بداياته، فقد تحَدّث بلموندو في كتاب سيرته عن صديقه ديلون: (كان مبتدئاً مثلي، إﻻ أنه كان قد أثبت وجوده وحاضراً هناك قبل وصولي بفترة، رغم ذلك لم يُظهِر علامة إنزعاج، ولم يضَع قدمَه لإبطائي، لم أسمع منه تنهدات، ولم أرى فكاً مشدوداً أو عيون غاضبة. عام1957 كنا ننتظر معاً عند باب أحدهم، وحين همَمَت بالرحيل، رمقني بنظرته الزرقاء الفولاذية قائلاً: "اهدأ، كُن قوياً مُبهِراً". بعد أيام قليلة صادَفته في الحي المُفضّل لدي، ومِن يومها بدأت بيننا صداقة لم تنضب أبداً).

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف