منذ سبعة آلاف عام في المنطقة المعروفة بحوض باريس
الحمض النووي يتيح إعادة تكوين شجرة العائلة لأسرتين من العصر الحجري الحديث
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
باريس: أعاد علماء تكوين شجرة عائلة لأسرتين كانتا تدفنان موتاهما في المكان نفسه قبل سبعة آلاف عام في المنطقة المعروفة بحوض باريس، وفقاً لدراسة توفّر معطيات جديدة عن حياة مجتمعات العصر الحجري الحديث في أوروبا.
ويشكّل موقع بلدة غورجي "ليه نوازا" الجنائزي الذي اكتُشِف عام 2004 مقبرة شاسعة تحتوي على مدافن لـ130 فرداً، يعود تاريخها إلى ما بين 4850 و4500 عام قبل العصر الجاري.
وقال مكتشف الموقع عالِم الأنثروبولوجيا الأثرية ستيفان روتييه لوكالة فرانس برس إن عمليات التنقيب عن الآثار وفرت معلومات عن التنظيم المكاني للمقابر وموقع المتوفين والأغراض المتروكة، على افتراض أن المقبرة استُخدمت من قبل "مجموعة موحدة نسبياً".
تقنيات جديدة
ولمعرفة طبيعة الصلة بين المتوفين، استخدم الباحثون تقنيات جديدة لتحليل الحمض النووي النووي "الموروث عن الوالدين"، على ما شرحت عالمة الوراثة القديمة مايتيه ريفولا، المعدّة الأولى للدراسة التي نُشرت الأربعاء في مجلة "نيتشر" العلمية.
واستُخلِصَت عيّنات من الحمض النووي من عظام الموتى في مختبرات جامعة بوردو ومعهد ماكس بلانك في لايبزيغ (ألمانيا).
وكشفت التحاليل روابط قربى بين شاغلي المقبرة، وأتاحت إعادة بناء شجرتي الأنساب لعائلتين، على مدى خمسة وسبعة أجيال على التوالي. وهاتان السلالتان المتصلتان على نحو غير دقيق استخدمتا مساحات منفصلة من المقبرة.
وفي الحالتين، كان "كل جيل مرتبطاً بشكل حصري تقريباً بالجيل السابق من خلال الأب البيولوجي، الذي يربط مجموعة غورجي بأكملها من خلال السلالة الأبوية"، وفقاً لبيان صادر عن معهد ماكس بلانك.
واستنتجت الدراسة وجود تنظيم كانت النساء فيه يتركن مجموعتهن الأصلية وينضممن إلى مجموعة أخرى بهدف التكاثر، فيما كان الرجال يبقون في عشيرتهم و"يشكلون هيكلية المجموعة"، وفق مايتيه ريفولا.
وقال ستيفان روتييه إنه "زواج أباعِد نسائي" على ما كان العلماء يفترضون حتى الآن ولكن من دون دليل بيولوجي قوي.
وقالت ريفولا "لا نعرف في ظل أي ظروف كانت هذه التبادلات تحصل، لذلك علينا توخي الحذر في تفسيرها". وأضافت "يميل الخيال الجماعي إلى الاعتقاد أن الرجال سيذهبون لاسترداد زوجاتهم مستعينين بالهراوات ، وهو ما ليس صحيحاً على الأرجح".
ولا تظهر أي مؤشرات إلى تعدد الزوجات، على ما يتضح من عدم وجود إخوة غير أشقاء وأخوات غير أشقاء في العائلات.
عائلات كبيرة جداً
وأكد تحليل نظائر السترونتيوم - وهو عنصر يبتلعه الجسم ويتغير وفقاً للبيئة- أن النساء في المجموعة كن ينتقلن خلال حياتهن. وأظهر عدم وجود رابط عائلي بينهن أنهنّ ينتمين أصلاً إلى مجتمعات مختلفة في المنطقة، لا إلى مجموعة واحدة.
وتبيّن أن الفتيات المولودات في غورجي كنّ يغادرن عش الأسرة بمجرد بلوغهن سن الإنجاب. وقالت الباحثة إن الدليل على ذلك هو أن "العائلات كانت كبيرة جداً وتتألف من أفراد بالغين... ليس بينهم فتيات".
وفي الجزء العلوي من شجرة الأنساب للعائلة الأكبر من الأسرتين، نجد رجلاً هو من دون شك الجد المشترك. كان رفاته مميزاً إذ أنه دفن مرة ثانية. وقالت عالِمة المتحجرات القديمة في جامعة بوردو ماري فرانس ديغيّو، وهي المعدّة الرئيسية المشاركة للدراسة إنه كان على ما يبدو "شخصاً مهماً جداً لمؤسسي موقع غورجي الذين نقلوه إليه بعد دفنه مرة أولى في مكان آخر".
من المزارعين المستقرين
ولم تكن المقبرة مكانًا للإقامة ولكن يُعتقد أن العائلات وهي من المزارعين المستقرين، كانت تعيش في مكان غير بعيد عن موتاها.
ولم يُعثر على موطن معاصر في المنطقة المجاورة. وقال ستيفان روتييه: "وفقاً للدراسات التي أجريت على البقايا التي عُثر عليها في الجورا، نعلم أن المنازل المصنوعة من الخشب والكنوز في تلك الحقبة، لم تكن تدوم طويلاً".
وكانت هذه المنازل تبقى قائمة لعقود فحسب، كان الحد الأقصى لعمرها مئة عام، وهو وقت يقابل إلى حد ما استخدام المقبرة. وكانت مجموعات المزارعين والرعاة تنتقل لإعادة بناء مسكن لها في مكان آخر عندما تُستنفد الموارد الطبيعية حولها ولا يعود منزلها صالحاً للسكن.