ثقافات

محاضرة جمعت باحثين ودارسين في الدار البيضاء

جماليات السرد النسائي في الرواية المصرية

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

نهاد القزوي من الدار البيضاء: نظم مختبر السرديات والخطابات الثقافية بكلية الآداب بنمسيك بالدار البيضاء، بتنسيق مع فرقة البحث في الإبداع النسائي، كلية الآداب بتطوان، صبيحة يوم الخميس 30 تشرين الثاني/نوفمبر 2023، في رحاب كلية الآداب بنمسيك، ندوة في موضوع "جماليات السرد النسائي في الرواية المصرية"، بحضور ثلة من الباحثين والباحثات من مختبرات ومجموعات بحث تنتسب لكليات وجامعات مغربية مختلفة. كما جرى نقلها مباشرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي بمساهمة الدكتورة جيهان الدمرداش من مصر.

انطلقت الجلسة الافتتاحية، التي تولت رئاستها مريم ودي، بكلمة سميرة الركيبي، نائبة العميد المكلفة بالشؤون الأكاديمية، رحبت فيها بالحضور ونوهت بموضوع الندوة والآفاق التي يفتحها أمام الباحثين والباحثات، ثم تلتها كلمة شعيب حليفي، رئيس مختبر السرديات، الذي أكد أن المختبر، وخلال مسيرته التي بلغت الثلاثين سنة، قد اهتم بالإبداع والنقد والثقافة العربية في المغرب والمشرق على حد سواء. وفي هذا الإطار تأتي هذه الندوة التي خصصت للاحتفاء بجماليات السرد النسائي في الرواية المصرية، بعد سنة من الإعداد والتواصل مع الكتاب المصريين ومنهم خالد حماد ولبنى الطماوي وهالة البدري.

مكانة مهمة في حقل الإبداع العربي
ونيابة عن سعاد الناصر، رئيسة فرقة البحث في الإبداع النسائي-تطوان التي تعذر حضورها، تلت سعاد مسكين كلمة ثمنت فيها سلسلة اللقاءات والندوات العلمية التي دأب المختبر على تنظيمها، وعبرت عن سعادتها بهذا التنسيق للاحتفاء بالرواية النسائية المصرية التي راكمت عبر سنوات تجربة مميزة، بوّأها مكانة مهمة في حقل الإبداع العربي. ثم قدمت سلمى براهمة كلمة عن اللجنة المنظمة، أكدت فيها على أن هذا اللقاء هو اللقاء الثاني المخصص لجماليات السرد النسائي العربي، بعد اللقاء الأول الذي تم في 2022، بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان، وقد خصص للرواية المصرية نظراً لمكانتها الخاصة في المشهد الروائي العربي عموماً، والمدونة الروائية النسائية على وجه الخصوص، واعتباراً للدور الطلائعي التاريخي الذي لعبه الكتاب والكاتبات المصرين منذ "النهضة العربية"، للنهوض بأوضاع المرأة العربية بدءاً بقاسم أمين، مروراً بمي زيادة ونوال السعداوي ولطيفة الزيات، وصولا إلى الروائيات المعاصرات اللواتي سيحظى عشر منهن بقراءة آخر أعمالهن الروائية.

في الجلسة العلمية الأولى، التي سيرت مجرياتها عائشة المعطي، كانت الانطلاقة مع سعاد مسكين بورقة قدمت فيها مقاربة سردية نفسية لرواية "على فراش فرويد" للروائية نهلة كرم، مؤكدة على تجاوزها النقد النفسي البيوغرافي الذي يولي الاهتمام بحياة الكاتب، وتتبع أثرها المختفية في باطن الإبداع، إلى الاهتمام برصد خبايا الشخصيات الحكائية في المتن الروائي، وما تعرفه من خِلل نفسية، وأمراض عصابية يكشف عنها السرد السريري الذي لا يسمعنا كلاما عن الآخرين فقط، بل وعن الآخر فينا.

على فراش فرويد
أما المداخلة الثانية فقد جاءت موسومة ب"ذاكرة الفقد وأسئلة الكتابة، قراءة في رواية "طي الألم" لِهَالة البدري"، قدمها محمد أعزيز، وقد توقف فيها عند كيفية اشتغال الذاكرة بوصفها دافعا محرضا على فعل الكتابة، نظرا لما تختزنه الذكريات من آلام جراء الفقد الفادح الذي ألمّ بالذات الساردة بعد موت زوجها، على هذا الأساس تغدو الكتابة في حد ذاتها فعلا مؤلما بما هي مواجهة مع الغياب الموجع، كما حاول المتدخل إبراز الآليات الكتابية المتوسل بها في تسريد الذاكرة المؤلمة ودور هذه الآليات في تشييد النص الروائي، كما توقف عند جماليات هذا التشييد بما هو انفتاح على مختلف الأجناس والخطابات والفنون لاستجلاء الأسس الفنية للرواية المدروسة.

وجاءت المداخلة الثالثة لبشرى قانيت بعنوان "أصوات الذات: بين هاجس الكتابة وأفق التلقي"، تناولت فيها بالدراسة والتحليل العمل الإبداعي "نص هجره أبطاله" للكاتبة المصرية "دينا محمد عبد السلام"، حيث أشارت إلى تشعب الفرضيات معبرة عن طبيعة مقاربة هذا المتن التي تنوس بين ما هو بنيوي، يسائل عناصر تخييلية عدة: ذات الشخصية وعلاقتُها بالآخر والمجتمع والمكان والزمن، وصلتُها بالتاريخ والذاكرة، وبين ما هو مندرج في سياق موضوعة الكتابة والتفكير فيها انطلاقاً من استحضار العناصر السابقة وأفق التلقي، دون غض الطرف عن حضور وعي الذات المثقفة، من خلال حضور التناص في أكثر من موضع ضمن المتناص الروائي.

في المداخلة الرابعة المعنونة بـ"الواقعية السحرية وجمالية التعبير عن الذات في رواية "جبل التيه" لمنى العساسي، رصدت لطيفة هدان الطريقة التي تنبني بها أصوات الذات في علاقتها بالآخر والمجتمع، كما أشارت إلى أن الكاتبة عملت على استكناه مجموعة من الذوات ودفعها إلى البوح بما يختلج أعماقها، متوسلة بالحلم بوصفه حيلة من حيل الكتاب لسبر أعمق طبقات الذات، ومستندة على صياغة أسطورية للواقع وهي استراتيجية إبداعية ترى في البناء السحري الأسطوري للنص حلا مناسبا لتمثيل الواقع المجتمعي المأهول بالفقر والاستبداد والعادات الاجتماعية الرديئة.

رحلةُ الحياة والموت
أما آخر مداخلة في هذه الجلسة الأولة، فكانت بعنوان "رحلةُ الحياة والموت: مُقاربة سيميائية هَوَوية لرواية سدرة لغادة العبسي" كشفت من خلالها الباحثة سارة الأحمر، عن هوى الخوف الذي تعيشه الذات الساردة، وبينت فيها المقاصد الذاتية والاجتماعية الثاوية خلفه بالاعتماد على مقاربة سيميائية هَووية، كما أبرزت آليات اشتغال المعنى الاستهوائي داخل النص الروائي، وتوجه الأفعال السردية، وتتحكم في انبثاق المعاني والدلالات التي ينبني عليها خطاب الخوف المتجسد في نص "سدرة".

وانطلقت أشغال الجلسة العلمية الثانية برئاسة عبد الإله مرتبط، الذي أعطى الكلمة لأول متدخلة وهي سلمى براهمة في مداخلة موسومة بـ"الرواية النسوية العربية: بين تمثيل الذات وإعادة تمثيل العالم. قراءة في رواية الحديقة المحرمة لسهير المصادفة"، حيث أكدت في البداية على أن الرواية تندرج ضمن الروايات النسوية، أي الروايات المنتصرة لقضايا النساء، والتواقة لتفكيك النسق الذكوري، وقد بينت أن هذا العمل الفني قد جاء نسوياً، بفضل استراتيجيته القائمة على تناوب صوتي الرجل والمرأة على الحكي، وتناوب عالمين من حيث الحضور، عالم واقعي حديث، وآخر غريب يحيل على العوالم البدائية الما قبل تاريخية. كما رصدت في ورقتها مجموعة من التقنيات الروائية المعتمدة في الرواية، والتي غدا بعضها ملمحا نسائيا، يميز المدونة السردية النسوية.

أيّام الشمس المشرقة
في المداخلة الثانية، سعت مريم دمنوتي إلى مقاربة رواية "أيّام الشمس المشرقة" للكاتبة المصرية ميرال الطحاوي في بُعديها التّيماتيكي والفنّي الجمالي، حيث لمست المداخلة سؤال الهوية الإنسانية في علاقته بتجربة الهجرة والاغتراب، وما يَترتّب عليه من معاني الألم والضياع والاغتراب النفسي الاجتماعي والقلق الوجودي الذي يعاني منه المهاجرون في بلاد المهجر. كما توقفت أيضا عند البناء الفني للرواية والتقنيات السردية التي وظفتها الكاتبة في صياغة مُتخيّلها الروائي.

بعد ذلك، قدمت الباحثة ابتسام الهاشمي مداخلتها والتي عملت فيها على استكشاف تجليات الذات وتتبع أسئلتها في سرديات المؤنث، مستعينة برواية "هناك حيث ينتهي النهر" للكاتبة المصرية "مريم عبد العزيز" نموذجاً للتحليل، وذلك من خلال تتبع تحول انشغال الذات بالأنا الفردية نحو الاهتمام بالنحن الجماعية، مسلطًة الضوء على الجوانب الإنسانية، والثقافية، والتاريخية، التي تنسجم داخل سرد المؤنث، وذلك عبر تتبع اجتهاد الساردة في اعتماد ضمائر المتكلم والسرد الحواري، واللجوء إلى الجماليات التعبيرية المتعددة؛ بهدف استيعاب البعد الإنساني بتنوعه وشموليته.

أما في مداخلتها المعنونة بـ"إشكالية الاغتراب الذاتي في رواية بساتين البصرة لمنصورة عز الدين"، فقد توقفت الباحثة مريم السعيدي عند مفهوم الاغتراب باعتباره ظاهرة نفسية وفكرية، وانطلقت في هذه القراءة من اغتراب ذات البطل وكذا المسببات الاجتماعية والثقافية المتدخلة فيه، وما يلحقه من تبعات نفسية تؤثر بشكل مهم على الذات. كما عملت على الكشف عن المظاهر الأخرى للاغتراب، والبحث في مفهوم انشطار الذهن أو الذات وربط كل ذلك بما عاشه ويعيشه الإنسان العربي المغترب في وطنه، وفي حاضره. وقد حظيت هذه الرواية بقراءة أخرى للأستاذ عبد الإله مرتبط وسمها بـ"المستويات الخطابية في رواية بساتين البصرة لمنصورة عز الدين"، قدم ملخصاً لأهم ما ورد فيها.

المداخلة الأخيرة، قدمتها الباحثة غزلان عتقاوي بعنوان "السرد النسوي بين البوح والوعي بالذات في رواية أطياف كاميليا لنورا ناجي" والتي أكدت على أن الرواية قدمت في شكل رسائل تبوح بأسرار جريئة من طرف الأنثى العربية في مقابل بوح الآخر، كما صورت نوعية من المثقف المهزوم اجتماعيا من طرف الوعي الجمعي، لا يحمل قضية ولا هماً وجودياًَ.

اختتم اللقاء بنقاش مثمر تفاعل فيه الحضور مع المداخلات، نظرا لراهنية المواضيع التي تم تدارسها، وكذا لدور الرواية المصرية في إغناء المشهدين الأدبي والثقافي العربيين.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف