إثر إصابته بفيروس كورونا
كيم كي دوك... المخرج السينمائي الكوري الذي رحل مبكراً
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
"لقد غادرنا فنان عظيم"! بهذه العبارة بدأ مدير مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي البرتو باربيرا حديثه عن الرحيل المبكر والمحزن للمخرج الكوري كيم كي دوك، مضيفاً: "مخرجٌ يتمتع بموهبة هائلة وشخصية غير عادية، على الرغم مما شابه مؤخراً من جدل. إنني فخور حقاً بأنني ساهمت في نشر أفلامه في جميع أنحاء العالم، واستمتعت بصداقته التي عززناها معاً بتردنا المتواصل والدؤوب. سنفتقد موهبته البصرية ومهاراته التصويرية الراقية وذائقته الاستفزازية اللامحدودة التي لن يتمكن بعد الآن من نشرها، لكن أفلامه ستتواصل في تغذية خيالنا ومخيلة مُشاهدي الغد".
كان المخرج الكوري الجنوبي دوك قد غادرنا في الساعات الأولى من صباح يوم الأحد 20 كانون الأول (ديسمبر) عام 2020 في أحد مستشفيات لاتفيا حيث كان يُعالج من إصابته بفيروس كورونا. قيل إنه سافر إلى تلك الدولة بهدف شراء منزل لغرض الحصول على إقامة هناك. وقد أذاع خبر رحيله المخرج الوثائقي الروسي فيتالي مانسوي الذي يعيش في لاتفيا ويدير مهرجان الفن الفني الوثائقي المحلي.
القسم الأول
ينتمي كيم كي دوك (1960-2021) إلى الموجة الجديدة للسينما الكورية، وقد اسس اسمه من خلال أفلامه المثيرة للجدل، لا سيما عند نيله جائزة "الأسد الذهبي" كأفضل مخرج عن فيلمه (3Iron) في مهرجان فينيسيا السينمائي. الفيلم الذي حار النقاد في تصنيفه وإدراجه في أي فئة من أنواع الأفلام، فهو خليط من الرومانسية والتهكم الاجتماعي والدراما في نفس الوقت.
فيلم (3Iron) أو "البيت الخالي"(*)
"من الصعب معرفة ما إذا كان العالم الذي نعيش فيه واقعاً أم حلم"
يتحدث الفيلم عن شاب اسمه "تاي سوك" يقتحم البيوت بشكل غير قانوني، ليس لسرقتها، إنما ليعيش حياة ساكنيها لمدة محدّدة، يقوم خلالها بترتيب المنزل وتنظيف الملابس وكيها وإصلاح الأشياء العاطلة من الأجهزة ثم مغادرتها كما لو أنه لم يكن هناك.
حين يدخل تاي سوك تلك البيوت تتغير الأشياء فجأة، ففي إحدى اقتحاماته لتلك البيوت يعثر على امرأة تعرضت للإساءة والأذى، اسمها "سان هاو"، التي سرعان ما تراه، تنجذب نحوه كما لو أنه طيف المخلّص المنتَظَر، وتقرر الهرب معه وترك بيت الزوجية لتنضم إلى مغامراته.
يُظهر الفيلم العلاقة بين تاي سوك وسان هاو وزوجها، من جانب، ومن جانب آخر، تتدفق أمامنا حكاية حب فائقة الجمال تنبثق في صلب موضوع الفيلم تذكرنا بكلاسيكيات الثمانينات من القرن الماضي، وتعطينا أيضاً ومضة مختلفة تماماً عن الحياة المنزلية الكورية.
حين سُئِل كيم كي دوك عن مصدر فكرة الفيلم أو من أين جاءته؟ قال: "ثمة مصدران لهذه الفكرة: الأول، أنني كنت مرة أحاول الدخول إلى بيتي ولاحظت ملصقاً مثّبت على مقبض باب البيت ومقابض البيوت المجاورة أيضاً، وأدركت أن ذلك يعني أن تلك البيوت خالية من سكنتها. أما المصدر الثاني، فهو أنني كنت دائماً منجذباً نحو نادي غولف اسمه 3Iron، وهو من النوادي القليلة التي تستعمل لُعبة الغولف. وهذه اللعبة هي من أصعب اللُعَب إذا أردت أن تلعبها بشكل صائب. إنني نادراً ما أمارس هذه اللعبة، لأنها تتطلب الكثير من الأموال في كوريا، لذا فقد كنت أمارسها عادة بضرب الكرة من خلال شدها بحبل نحو شجرة، تماماً مثلما تفعل الشخصية الرئيسية في هذا الفيلم".
الأكثر منه فيلماً عن لعبة الغولف، كيم كي دوك يشدّد هنا على العلاقة الشيقة جداً بين الفتى والفتاة، تلك التي تفضي إلى نهاية فانتازية أكثر إبهاماً، والتي تفتح طرقاً عديدة ومتباينة لقراءة الفيلم. وبهذا الصدد يقول: "أعتقد أن الكثير من الناس هم غير سعداء لأنهم يمتلكون المال، لا سيما هذه الأيام، لذا فنحن بحاجة إلى نوع من الفانتازيا وأفلام كهذا الفيلم. لقد أردت أن أعبّر عن تعاسة الواقع، أن أعالجه بطريقة فانتازية". ويضيف: "يتملكني تشويش وخلط كبيرين بشأن الواقع والفانتازيا في بعض الأحيان، وكما هو موضح في العبارة التي ترد في ختام الفيلم والتي توحي أن ليس بوسع المرء التمييز مطلقاً ما بين ما هو واقع وما هو حلم. وهكذا، لقد أردت أن أعبّر عن حالة الخلط أو التشويش التي تنتابني حول موضوع الحلم والواقع". (**)
إحدى ميزات كيم كي دوك هو أنه لا يستخدم ذات الممثلين في أفلامه ولا يعمل مع النجوم من الممثلين أصلاً، لأنه لا يمتلك المال الكافي لعمل فيلم، فهو عادة يعمل بميزانية زهيدة جداً، لذا فمعظم الممثلين الذين يعملون معه هم غير معروفين. "لو أردتُ العمل مع نجوم محترفين" يقول "فينبغي أن أتكيف مع جداول مواعيد أعمالهم، وهذا ما لا أفضّله حقاً. أما شخصية الفتى في الفيلم فهو ممثل تلفزيوني إلا إنه غير معروف".
وحول الكيفية التي استطاع بها إنجاز هذا الفيلم في ثلاثة عشر يوماً، يقول: "لقد أنفقت الكثير من الوقت في التفكير في كل شيء. فقد استغرق العمل على الفكرة شهراً كاملاً وبعدها أنجزت كتابة السيناريو في ثلاثة أيام. فكرتُ أولاً بالمكان، وبعدها بالشخصيات، ومن ثم قمت بابتكار الأحداث".
من الأشياء المميزة لهذا الفيلم والفيلم الذي سبقه (الربيع، الصيف، الخريف، الشتاء... ثم الربيع) أن كلاهما لا يتضمن حوارات كثيرة متيحاً للصورة مساحة أوسع لتتحدث بنفسها عن سير أحداث القصص.
"في البدء، كتبت الحوار في السكربت بالطبع" يضيف قائلاً "وفي هذه المرحلة أعرف تماماً أين ومتى أُقصي الحوار، مستعيضاً عنه بالأحداث التي يمكن أن تتحدث عن نفس الحقيقة إن أمكن. أما السبب الذي دعاني إلى وضع عبارة مكتوبة على الشاشة في ختام الفيلم فهو أنني لم أعثر على وسيلة أخرى لاستبدالها بشيء آخر. ومع ذلك، وبالرغم من عدم وجود أحداً يتكلم في الفيلم، إلا إن صراخهم الداخلي يمكن أن يُسمع. وثمة لحظات أخرى تثير الضحك أيضاً. هذه كلها بمثابة حوارات أيضاً بالنسبة لي. لذا يمكنني القول إن الفيلم يتضمن الكثير من الحوارات غير المنطوقة".
هذا القول يقودنا بالطبع إلى التفكير في الفيلم الصامت، وهو الأمر الذي يقيم المُخرج له الاعتبار بشكل جاد: "... أُحبُّ أن أعمل فيلماً خالٍ تماماً من الحوارات والأصوات أيضاً، بل حتى من الموسيقى. لا شيء تماماً. حينها ينبغي لك أنت كمتفرج أن تستخدم مخيلتك وأن تخلق الأصوات بنفسك ولنفسك وتتخيل نوع المفردات التي ستخرج من فم كل شخصية".
في فيلمه 3-Iron هذا عالج كيم كي دوك، أكثر من أفلامه الأخرى، العلاقة بين الرجال والنساء، بين الأزواج والزوجات، مشدداً على موضوع الأذى والعنف المنزلي. بهذا الشأن يقول: "أظن أن ثمة الكثير ممن يتماهى وشخصية الزوجة سان هوا في مجتمعنا الكوري وفي الولايات المتحدة. في أميركا يبدو الرجال والنساء من الخارج على درجة بالغة في المساواة، لكنني على يقين تام أنك ما أن تدخل في منازلهم حتى تعثر على الكثير من النساء اللواتي يتعرضن للإساءة والأذى الجسدي. بل وحتى البعض من الرجال يتعرضون لذلك. لقد شاهدت مرة البرنامج الذي تقدمه أوبرا وينفري، وكانت زوجة الملاكم الأمريكي مايك تايسون مشتركة في ذلك البرنامج وقد ذكرت أوبرا وينفري أن نسبة واحد من عشرة من الأمريكيين هو ضحية للعنف المنزلي".
الفيلم ينتهي بعبارة مأثورة تقول: "من الصعب القول إن العالم الذي نعيش فيه هو واقع أم حلم". وهذا الأمر بلا شك هو أمر ملتبس، يشرع الباب لقراءات وتأويلات مختلفة، فيمكن رؤيته بوصفه ثمرة لخيال امرأة تتعرض للإساءة وتحلم بمن يأتي لينقذها من جحيمها المنزلي؟ ويمكن أن يكون أيضاً، هو ثمرة خيال فتىً يلعب دور المخلّص ورغبته في أن يدخل يوما ما لأحد البيوت الخالية من ساكنيها ليعثر على شخص غير سعيد يستطيع أن ينقذه. وتلك ممكن أن تكون هي رغبته الخاصة. أمر آخر، غير مستبعد أيضاً، أن يكون هو ثمرة خيال الزوج نفسه. وبهذا يمكن القول إن ثمة طرق كثيرة لقراءة هذا الفيلم.
وعن وجهة نظر المُشاهد الكوري بأفلامه، ومن ثم رؤية المشاهدين الآخرين في بقية بلدان العالم لها، يقول: ".. حتى في كوريا ثمة القليل من المشاهدين ممن فهم أفلامي، لكن بما إن هناك تأريخ طويل للسينما في الغرب فلا شك أن هناك الكثير من المشاهدين من يهتم بأفلام كهذه، فضلاً عن كونها البيئة الملائمة لأفلام مثل أفلامي. فيلم (الربيع الصيف الخريف الشتاء.. ثم الربيع) مثلاً، كان ناجحاً بشكل لا يصدّق في الولايات المتحدة. ففي إيطاليا مثلاً حضر لمشاهدته ٣٠-٤٠ ألف تقريباً يوم الافتتاح. أما في كوريا فقد شاهده ضعف هذا العدد من المشاهدين. أعتقد أن هذا هو نوع من أنواع التهكم".
أما رأيه بشأن النقاد الذين سخروا منه لاستخدامه العنف في أفلامه، فيقول: "النقاد لم يقولوا شيئاً منفراً لي، كشخص، لذا لا أشعر بتلك السخرية. لكنني أعتقد أن ذلك هو أمر جيد بالنسبة لهم لئن يتنافسوا سواء كان ذلك سلباً أم إيجاباً. أنا لم أبتكر العنف. أنا أشعر مثل الجميع أن الأشياء التي صورتها في أفلامي موجودة أصلاً في مجتمعنا، وما قمت به هو مجرد وصف لذلك الشيء الموجود. إذا كانت ردة الفعل قوية من قبلهم، فهذا يعني أكثر أن الشيء الذي يشعرون به قد صوّر بشكل واقعي وحقيقي".
وحول تكرار الأفكار ذاتها في جُّل أفلامه فسببه، كما يقول: "إنَّ كل إنسان لديه جانب طيّب وآخر شرير. الطيّب يمكن أن يكون شريراً، بل ويمكن أن يكون الشخص الخيّر هو أسوأ الناس. في أفلام هوليوود هذا الأمر مشطور بشكل واضح: الشخصية الطيبة طيبة والخيّرة خيرة. أعتقد أن الخير والشر يمكن أن يتواجدا في شخص واحد".
(*) (3Iron) هو اسم نادي للعب الغولف في كوريا الجنوبية خاص بالأثرياء.
مدة الفيلم 88 دقيقة و15 ثانية
سيناريو وإخراج وإنتاج كيم كي دوك
بطولة سونغ يون، جاي هي، كوون هيوك هو، جو جين مو.إنتاج 2005 (**) ينتهي الفيلم بعبارة مأثورة تقول:
"من الصعب القول إن العالم الذي نعيش فيه هو واقع أم حلم".
رابط الفيلم: انقر هنا
القسم الثاني يتبع..