سينما
كوينتن تارانتينو يعود إلى التمثيل بدور رئيسي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
فاجأ المخرج والمبدع الأميركي كوينتن تارانتينو (62 عامًا) الأوساط السينمائية العالمية بإعلانه العودة إلى التمثيل في فيلم جديد بعنوان Only What We Carry &"فقط ما نحمله&"، ليقدّم بذلك أول أداء تمثيلي رئيسي له منذ ما يقرب من ثلاثة عقود، وتحديدًا منذ ظهوره اللافت في فيلم From Dusk Till Dawn &"من الغسق حتى الفجر&" عام 1996.
تأتي هذه الخطوة غير المتوقعة من أحد أكثر المخرجين تأثيرًا في السينما الحديثة، لتذكّر جمهوره بأن تارانتينو لم يكن يومًا مجرّد صانع صور، بل أيضًا ممثلًا يمتلك حضورًا يجمع بين الغرابة والعفوية والسخرية الداخلية.
الفيلم من إخراج الويلزي جيمي آدامز، أحد أبرز وجوه السينما المستقلة البريطانية في العقد الأخير، والذي صنع لنفسه أسلوبًا خاصًا يعتمد على الارتجال والبنية المفتوحة للحوار. عُرف آدامز بأعمال مثل She Is Love &"إنها الحب&"، Wild Honey Pie&"فطيرة العسل البري!&"، اللذين جمعا بين الحميمية الإنسانية والتجريب الفني، وهو ما يبدو أنه سيواصل استكشافه في فقط ما نحمله.
جرى تصوير الفيلم بسرية على ساحل دوفيل في نورماندي الفرنسية، وهي منطقة ارتبطت تاريخيًا بأفلام التأمل والعلاقات المتشابكة، من إيريك رومير إلى فرانسوا تروفو. في هذا المكان المبلّل بالذاكرة والرياح، تتقاطع مصائر الشخصيات في لحظة مواجهة بين الماضي والحاضر. يجسّد سيمون بيج شخصية جوليان جونز، وهو معلم سابق يعيش عزلة اختيارية تطارده فيها أخطاء شبابه، قبل أن تعود تلميذته السابقة شارلوت ليفانت (صوفيا بوتيلة) إلى بلدتها لتصالح نفسها مع ما مضى. ظهور تارانتينو بدور جون بيرسي، صديق جوليان القديم، يشعل الحكاية من جديد، إذ تكشف عودته المفاجئة عن أسرار خفية وتحوّلات داخلية تقود الشخصيات إلى مواجهة ذاتها، لا عدوّها.
ويشارك في العمل أيضًا شارلوت غينسبورغ بدور جوزفين شابرول، الأخت الحنون التي تمثل الجانب العاطفي والواعي من القصة، والممثل الفرنسي ليام هيلمان في دور فينسنت، الفنان الممزق بين الولاء والعاطفة، إضافة إلى المغنية الأميركية ليزي ماك ألبين، التي تخوض تجربتها السينمائية الأولى بدور جاكلين، راقصة شابة يُغيّر حضورها مجرى حياة الجميع.
يُوصف الفيلم بأنه &"تأمل في الحب، والفقد، والشجاعة الهادئة للاستمرار&"، وهي مفاهيم تبتعد عن العنف الصاخب والانتقام الذي ميّز عالم تارانتينو السينمائي في أفلام مثل Pulp Fiction &"خيال رخيص&" وDjango Unchained &"جانغو الحر&". من هنا، يرى النقاد أن عودته كممثل قد تكون نوعًا من المصالحة مع ذاته الفنية، أو بحثًا عن طبقة جديدة من التعبير الهادئ بعيدًا عن طاقة الدم والرصاص التي رافقت اسمه طويلًا.
يقول المخرج آدامز في تصريح لموقع Deadline: &"لطالما حلمتُ بصنع فيلم على طريقة إيريك رومير في نورماندي، بمشاركة ممثلين من ثقافات مختلفة. السينما المستقلة منحتني الحرية لتحقيق هذا الحلم، ووجود تارانتينو أمام الكاميرا كان بمثابة مفاجأة سحرية&".
تارانتينو، الذي اعتاد الظهور القصير في أفلامه — كما فعل في Once Upon a Time in Hollywood &"كان يا ما كان في هوليوود&"، 2019) وسلسلة Super Pumped &"مفرط الحماس&"، 2022 — يخوض هذه المرة تجربة تمثيلية كاملة، تتطلب التزامًا وجدية لم يظهر بهما منذ بداياته في التسعينيات. ويبدو أن الأمر بالنسبة له يتجاوز حدود الأداء إلى نوع من الحوار الشخصي مع تاريخه السينمائي، بعد أن أعلن سابقًا نيّته التوقف عن الإخراج بعد فيلمه العاشر The Movie Critic &"الناقد السينمائي&"، ثم تراجع عن الفكرة، تاركًا جمهوره في حالة ترقّب دائمة.
لم يُعلَن بعد موعد عرض الفيلم رسميًا، إذ لا يزال في مرحلة ما بعد الإنتاج، لكن من المتوقع أن يُعرض لأول مرة في أحد المهرجانات الأوروبية الكبرى قبل نهاية عام 2026. ومع ذلك، فإن مجرد مشاركة تارانتينو بدور تمثيلي رئيسي تكفي لتضع الفيلم ضمن أكثر الأعمال المرتقبة في العام المقبل.
قد لا تكون عودة تارانتينو إلى التمثيل مجرد حدث فني عابر، بل لحظة رمزية في مسيرته: المخرج الذي صنع أبطالًا يواجهون مصائرهم في العنف والعبث، يعود ليجسّد هذه المرة رجلًا يواجه ماضيه في الصمت والذاكرة. إنها عودة تبدو أقرب إلى الاعتراف منها إلى الاستعراض، وإلى الوداع منها إلى التجربة الجديدة — عودة تحمل في داخلها ما نحمله جميعًا: مزيجًا من الخسارة والرغبة في البدء من جديد.