اقتصاد

مثلث شرق آسيا وتهديد ونووية كوريا

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

مثلث شرق آسيا وتهديد ونووية كوريا


جوزيف س. ناي


مرة أخرى باتت جهود كوريا الشمالية الرامية إلى تصنيع الأسلحة النووية تهدد الاستقرار في آسيا. ولقد سارع رئيس وزراء اليابان الجديد شينـزو آبي إلى ترتيب لقاء قمة في الصين مع الرئيس هيو جينتاو عشية الاختبار النووي الذي أجرته كوريا الشمالية. ولقد أسفر ذلك الاجتماع عن اتفاق الرجلين على أن مثل هذه التحركات "لا يجوز التسامح معها".


قد يشكل هذا الاجتماع تطوراً محموداً، إلا أن آبي تولى منصبه وقد سبقته سمعته كزعيم قومي أقوى من سلفه جونيشيرو كويزومي، الذي ساعد إصراره على زيارة ضريح ياسوكوني المثير للجدال (حيث دفن بعض عتاة مجرمي الحرب من فترة الحرب العالمية الثانية) في تعكير العلاقات بين الصين واليابان. ولكي يتسنى الحفاظ على الاستقرار فلابد من تحسين العلاقات الصينية - اليابانية.


على الرغم من أن طموحات كوريا الشمالية النووية تثير الانزعاج وتشيع جواً من عدم الاستقرار، إلا أن نهضة الصين ما زالت تشكل القضية الاستراتيجية الرئيسية في شرق آسيا. ففي غضون ثلاثة عقود شهد اقتصاد الصين نمواً بلغ من 8 إلى 10 في المائة سنوياً. كما شهد إنفاقها على الدفاع نمواً أسرع. إلا أن زعماء الصين يتحدثون دوماً عن "نهضة الصين السلمية" وعن "التنمية السلمية".


يعتقد بعض المحللين أن نهضة الصين ليس من الممكن أن تتأتى سلمياً، وأنها لابد وأن تسعى إلى فرض هيمنتها على شرق آسيا، فتؤدي بذلك إلى اشتعال الصراع بينها وبين الولايات المتحدة واليابان. ويشير آخرون إلى أن الصين كانت حريصة على الانخراط في سياسات "حسن الجوار" منذ تسعينيات القرن العشرين، كما حرصت على تسوية نزاعاتها الحدودية كافة، ولعبت دوراً أكبر تأثيراً في المؤسسات الدولية، وأدركت منافع استغلال القوة الناعمة.


منذ عقد من الزمان كنت قد توليت الإشراف على إعداد التقرير الاستراتيجي لشرق آسيا لصالح وزارة الدفاع في الولايات المتحدة، وهو التقرير الذي استرشدت به السياسة الأميركية أثناء ولاية كلينتون ثم ولاية بوش. آنذاك كان النقاش محتدماً بين هؤلاء الذين أرادوا احتواء قوة الصين المتنامية، وأولئك الذين كانوا يستعجلون اندماج الصين في النظام الدولي. كانت استراتيجية الاحتواء غير واردة، وذلك لأن الصين، على العكس من الاتحاد السوفياتي أثناء الحرب الباردة، لم تكن تشكل خطراً داهماً بالنسبة لجاراتها من الدول. فضلاً عن ذلك فإن التعامل مع الصين باعتبارها عدواً من شأنه أن يضمن تحولها إلى عدو بالفعل، الأمر الذي قد يسفر بلا ضرورة عن إهدار فرص التوصل إلى نتائج حميدة.


وكانت الاستراتيجية التي وقع عليها اختيارنا تتلخص في "التوازن والدمج". وكان توازن القوى في شرق آسيا يستند إلى مثلث الصين، واليابان، والولايات المتحدة. ومن خلال إعادة التأكيد على أهمية العلاقات الأمنية بين الولايات المتحدة واليابان في إعلان كلينتون - هاشيموتو عام 1996، ساعدت الولايات المتحدة في بناء توازن إقليمي إيجابي. وبتشجيع الصين في الوقت ذاته على الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية ومؤسسات أخرى، نجحنا في إيجاد الحوافز التي دفعت الصين إلى الحرص على السلوك الطيب. وعلى ذلك فقد كان دمج الصين مقيداً بحسابات واقعية تحسباً لأية نتائج سلبية.


لاقت هذه الاستراتيجية نجاحاً واسع النطاق. فعلى الرغم من ازدياد قوة الصين العسكرية، إلا أن سلوكها أصبح أكثر اعتدالاً مما كان عليه منذ عقد من الزمان. والصين اليوم بعيدة إلى حد كبير عن فرض أي نوع من التحدي على التفوق الأمريكي كذلك الذي فرضته ألمانيا القيصرية حين تفوقت على بريطانيا مع بداية القرن العشرين. والحقيقة أن المفتاح إلى القوة العسكرية في عصر المعلومات الذي نعيشه اليوم يعتمد على القدرة على استيعاب الأنظمة العلمية المعقدة التي تشكل الأساس للاستطلاع والمراقبة من الفضاء، وتصنيع الحاسبات فائقة السرعة، والأسلحة "الذكية". وليس من المرجح أن تتمكن الصين (أو غيرها) من اللحاق بالولايات المتحدة في هذا المجال في المستقبل المنظور.


مما لا شك فيه أن عدم ترجيح قدرة الصين على منافسة الولايات المتحدة على الصعيد العالمي لا يعني أنها غير قادرة على تحدي الولايات المتحدة في منطقة شرق آسيا، أو أن اندلاع الحرب بسبب تايوان ليس بالأمر الوارد. فإذا ما أعلنت تايوان استقلالها فمن المرجح أن تستخدم الصين القوة، بصرف النظر عن التكاليف العسكرية أو الاقتصادية المحتملة. إلا أن تحقيق النصر في حرب كهذه ليس بالأمر المرجح، كما أن حرص الأطراف كافة على انتهاج سياسة حكيمة متعقلة من شأنه أن يقلص من احتمالات نشوب حرب كهذه.


إذاً، ما هي المشكلة الاستراتيجية القائمة اليوم؟ إن استقرار شرق آسيا يعتمد على العلاقات الطيبة بين الأضلاع الثلاثة المكونة لمثلث الولايات المتحدة-الصين-اليابان، إلا أن الروابط بين الصين واليابان شهدت تدهوراً ملحوظاً أثناء سنوات ولاية كويزومي. فلقد سمحت الصين بتنظيم المظاهرات، بل وارتكاب أعمال عنف أحياناً، ضد قنصليات اليابان في الصين احتجاجاً على التغييرات التي أدخلت على المناهج المدرسية في اليابان والتي خففت من وصفها غزو اليابان للصين أثناء ثلاثينيات القرن العشرين. وبعد أن وقع 22 مليون صيني على عريضة ضد حصول اليابان على العضوية الدائمة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، أعلن رئيس الوزراء وين جيباو معارضة الصين مثل هذه الخطوة.


كما احتجت الصين أيضاً على تصريحات يابانية بشأن تايوان. وهناك أيضاً نزاعات حدودية تدور حول جزر صغيرة ومخزون محتمل من الغاز بالقرب من الحدود البحرية بين الصين واليابان.
إلا أن زيارات رئيس الوزراء الرسمية إلى ضريح ياسوكوني كانت تشكل القضية الأكثر إثارة للنزاع والجدال في العلاقات الصينية اليابانية. وقبل زيارة آبي كانت الصين عازفة عن المشاركة في أي لقاءات قمة مع اليابان ما دامت مثل هذه الزيارات مستمرة. وعلى الرغم من أن الصين أصبحت تشكل الشريك الأكبر لليابان في مجالات التجارة والاستثمار المباشر الأجنبي، إلا أن أصحاب النزعة القومية في كل من البلدين عملوا على تغذية التعصب والتطرف لدى الطرف الآخر، بينما كانت الحكومة في كل من البلدين تلعب بالنار.


إن المصالح الأمريكية في المنطقة تقوم على الاستقرار الإقليمي والنمو المستمر في مجالات التجارة والاستثمار. وعلى هذا فقد كان بوسع الرئيس جورج دبليو بوش أن يخبر آبي بهدوء أننا نرحب بالعلاقات الطيبة بين اليابان والصين، وأن زيارات رئيس الوزراء الرسمية لضريح ياسوكوني تهدد مصالح اليابان في شرق آسيا. ذلك أن هذه الزيارات تذكر أهل آسيا باليابان البغيضة كما كانت في ثلاثينيات القرن العشرين، بدلاً من اليابان الجذابة كما هي اليوم.


في الوقت ذاته يتعين على الولايات المتحدة أن تحرص على عدم توريط اليابان في القضايا المتصلة بتايوان ـ والتي تشكل موضعاً في غاية الحساسية بالنسبة للصين ـ وأن تعمل على تشجيع تنمية المؤسسات الآسيوية التي من شأنها أن تعزز من أواصر التعاون والاتصال وأن تثبط النزاعات. وقد تتضمن هذه الجهود تنمية قمة شرق آسيا، وإحياء منظمة التعاون الاقتصادي الآسيوي الباسيفيكي APEC، وتطوير المحادثات السداسية الحالية بشأن كوريا الشمالية إلى حوار أمني دائم في منطقة شمال شرق آسيا.


من الأمور التي تدعو إلى التفاؤل تلك العلامات التي تؤكد أن الصين واليابان تسعيان إلى الخروج من ذلك الطريق المسدود الذي وصلت إليه العلاقات بينهما أثناء السنوات الأخيرة. وعلى الرغم من أن آبي لم يغير موقفه فيما يتصل بضريح ياسوكوني، إلا أن لقاءه بالرئيس الصيني هيو جينتاو كان بمثابة خطوة واعدة إلى الأمام. وعلى الجانب الآخر يدرك بعض المحللين الصينيين الخطر المتمثل في المبالغة في تحفيز النزعة القومية ضد اليابان.


ينبغي على الولايات المتحدة أن تحاول بهدوء دفع مثل هذه الخطوات إلى الأمام. وكما ندرك أن التحالف بين الولايات المتحدة واليابان على قدر كبير من الأهمية فيما يتصل بترسيخ الاستقرار في شرق آسيا، فلا بد وأن نعي أن أي مثلث يحتاج إلى ثلاثة أضلاع.




التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف