اقتصاد

روسيا: دولة تعود إلى الاقتصاد

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

روسيا: دولة تعود إلى الاقتصاد


مارينا ديريابينا من موسكو


تتزايد إشارات وسائل الإعلام العالمية في الآونة الأخيرة إلى سعي الشركات الحكومية الروسية إلى زيادة موجوداتها بصورة ملموسة. فإن عمالقة الطاقة "روس نفط" و"غاز بروم" وشركة "شبكة الطاقة الكهربائية الروسية الموحدة" المساهمة على استعداد لصرف مليارات الدولارات من أجل شراء حصص المساهمين الروس والأجانب من القطاع الخاص في شركات النفط وتوليد الطاقة الكهربائية الكبرى. ولكن هذا من حيث الجوهر ما هو إلا جزء من نهج الدولة الروسية الرامي إلى الارتقاء بمستوى قدرات البلد التنافسية.

فإن الدولة الروسية تقوم بالدرجة الأولى بفرض إشرافها المباشر على تنمية القطاعات الهامة استراتيجيا وترسيخ مواقعها في الأسواق العالمية. وتضمنت قائمة المؤسسات الإستراتيجية حسب إحصائية أواسط عام 2006 ما مجموعه 514 مؤسسة وطنية فدرالية متحدة و548 شركة مساهمة حصة الدولة مهيمنة فيها.

ويعتبر من المجدي القيام في السنوات القادمة بإنشاء 30 ـ 40 شركة قابضة كبرى حصة الدولة فيها لا تقل عن 50 بالمائة في القطاعات الهامة للدولة. وقد أسست وفق مرسوم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شركة وطنية موحدة لصناعة الطائرات وتجري التحضيرات لإنشاء شركة قابضة وطنية لصنع محركات الطائرات وكذلك شركة قابضة وطنية لصناعة المدرعات. كما تجري دراسة قضية إنشاء شركة كبرى وطنية لصناعة مكائن الطاقة وشركة قابضة في القطاع الذري وكذلك في قطاع تحويل ومعالجة الأخشاب وحتى صناعة السيارات.

ومن الممكن أن يجري تجميع موجودات الدولة في إطار شركات قابضة بمختلف الطرق.

ولماذا يحدث كل هذا؟ لأنه يجري النظر في روسيا الآن في مهمتين أساسيتين في السياسة الاقتصادية ـ تسريع نمو الاقتصاد الوطني (جرت بلورة الهدف حتى وقت قريب جدا بشكل طموح أكثر ـ مضاعفة إجمالي الناتج الوطني) والارتقاء بمستوى قدراته التنافسية عالميا.

وفيما يخص الاتجاه الأول كان يهيمن في التسعينات تصور الدولة كمالك سيء للغاية ومن الضروري تقليص ممتلكاته بشكل جذري وإيصال التدخل في الاقتصاد إلى الحد الأدنى. ويجري الآن التخلي عن هذا الطرح. فقد انسجمت الإدارة الحديثة لشركات الدولة الروسية الكبرى مع السوق وأتقنت العمل في مجالات النشاط الاقتصادي الحر. ولم يعد يعتبر إشراف الدولة النشط على الاقتصاد بمثابة كابح لنموه على أساس قاعدة السوق. وتعتبر أوساط رجال الأعمال والسياسية تعزيز وجود الدولة ودعمها بالذات في عدد من القطاعات علاوة على ذلك بمثابة ضمانة لنموها الناجح وترسيخ مواقعها في السوق.

واكسبت ضرورة الإرتقاء بمستوى قدرات الاقتصاد الروسي التنافسية تدخل الدولة المباشر في كافة القطاعات والميادين عمليا زخما إضافيا. ولا تثير أي شكوك في غضون ذلك الشروط النظامية لتنمية الاقتصاد التنافسي مثل زيادة إنتاجية العمل وتحديث الطاقات الإنتاجية وزيادة الاستثمارات في رؤوس المال الأساسية والارتقاء بمستوى مؤهلات العاملين.

وتسير الدولة نحو الهدف المحدد لإعادة بناء الاقتصاد وفق شروط القدرات التنافسية العالمية "بجبهة واسعة". وتلفت الانتباه إجراءات الدولة بصدد توسيع مواقع الشركات الروسية في الأسواق العالمية. فأكدت شركة الطيران والفضاء الأوروبية "EADS" رسميا ظهور مساهم روسي جديد بشخص بنك العلاقات التجارية الخارجية الوطني الروسي الذي اشترى أكثر من 5 بالمائة من أسهم الشركة. وإن شراء المؤسسات الروسية أسهم شركة "EADS" لن يتوقف أغلب الظن عند هذا. ولا يخفي بنك العلاقات التجارية الخارجية طموحه بإيصال حصة الأسهم إلى 10 بالمائة.

كما يتزايد ويتنوع ويتعزز نفوذ "رسل الدولة الرئيسيين" إلى الأسواق العالمية إذ معروفة سياسة "غازبروم" المطردة للتغلغل في شبكات توزيع الغاز في عدد من البلدان الأوروبية. وتبدي شركة "شبكة الطاقة الكهربائية الروسية الموحدة" اهتماما بموجودات شركات الطاقة سواء فى الدول المجاورة أو في المناطق الأخرى بعقدها صفقات عديدة لشراء حصص أسهم شركات توليد الطاقة.

وعلى ما يبدو من الصعب حاليا تقييم النتائج المحتملة للسياسة التي تمارسها الدولة الروسية في الأسواق الداخلية والخارجية. لكن مما لا شك فيه أن تعزيز وجود الدولة في الاقتصاد سيساعد على تجاوز وإصلاح العديد من العواقب السلبية لسياسة عقد الإصلاحات الأول بما في ذلك فقدان دور روسيا الطليعي السابق في العديد من المجالات. وفي الوقت نفسه قد يكون ثمن هذا عاليا جدا لأنه يجري إبعاد السوق الروسية الفتية عمليا من وضع التنافس وإشاعة الاحتكار فيها بدرجة معينة.

دكتورة في العلوم الاقتصادية وكبيرة الباحثين العلميين في معهد الاقتصاد التابع لأكاديمية العلوم الروسية


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف