اقتصاد

كيف نستفيد من تايوان؟

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك




كيف نستفيد من تايوان؟

حيدر عبدالرضا من مسقط

ربما يثير هذا التساؤل بعض الدول باعتبار أنه منذ انتقال حكومة تايوان إلى الجزيرة التي يطلق عليها البعض أيضا جزيرة (فرموزا) عند قيام جمهورية الصين الشعبية عام .1949 فان هناك قضية سياسية عبر مضيق تايوان، حيث تؤكد حكومة الصين الشعبية أن تايوان جزءا لا يتجزأ منها، وأن حل مسألة تايوان يكمن في إعادة توحيد الصين سلميا وأن تحقيق الوحدة يمكن حلها من خلال نظامين اجتماعيين مختلفين بحيث يكون نظاما اشتراكيا في الصين الشعبية، ورأسماليا في تايوان في آن واحد وداخل دولة موحدة.


ورغم حالة المد والجزر التي تحصل بين الطرفين، إلا أن تايوان ماضية في تعزيز علاقاتها الاقتصادية من الصين الأم، وأن هناك انفتاحا متزايدا في هذا الاتجاه خاصة في مجال الاستثمارات التايوانية التي تضخ كل عام إلى البر الصيني الكبير،الذي يتميز برخص الأيدي العاملة، حيث اقيمت خلال العقود الثلاثة الماضية العديد من المشروعات الصناعية الضخمة التي يستفيد منها المستثمرون التايوانيون وأطراف أخرى من الصين الشعبية. لقد سبق لي أن عشت تجربة حياة يومية مع الشعب التايواني في العاصمة التايونية ولمدة عامين تقريبا في بداية عقد التسعينيات لمست من خلالها الجهد الذي يبذله الجميع لتنمية وتطوير بلدهم وقدراتهم الذاتية، والمشقة التي يعانونها لكسب لقمة العيش، والجهد الذي يبذلونه من أجل بلدهم، خاصة وأن أجواء الديموقراطية التي يمارسونها في حياتهم اليومية أكسبتهم هذة الصفات، حيث يعيش سكان تايون البالغ عددهم 23 مليونا على جزيرة رئيسية وعدة جزر أخرى محيطة بها تبلغ مساحتها الاجمالية 36 ألف كيلو متر مربع، أي أن مساحتها تعادل حوالي تسع مساحة السلطنة. وخلال الأيام الماضية اتيحت لي الفرصة لأعود إلى تايوان مرة أخرى بعد عشر سنوات من خلال دعوة كريمة تلقتها جمعية الصحفيين العمانية للتعرف على التطورات التي تشهدها تايوان في مختلف المجالات،

وكصحفي يبحث عن حقيقة هذه الدولة التي يمكن أن نطلق عليها "دولة المليون صناعة" حيث تنتشر المناطق الحرة والموانئ الضخمة والمصانع في كل شبر من هذه الجزيرة، لتصبح تايوان اليوم واحدة بمشاريعها الضخمة في مجال الاتصالات والنقل والصناعة والتسويق والمراكر التجارية الضخمة من أكثر الدول المصدرة للمنتجات الوطنية إلى العالم، وواحدة من أكثر الدول استيرادا على الخارطة العالمية، ناهيك عن المعجزات التي يحققها الشعب التايواني في مختلف المجالات الاقتصادية والتجارية الأخرى. ولعل تايوان تكسب مكانتها اليوم على خريطة العالم نتيجة لدخولها في مجالات أكبر خاصة في قطاعات المعرفة وتحسين الصناعات والعمل بمبدأ التنافسية، وتحويل أراضيها لتصبح "جزيرة السليكون الأخضر" لإنتاج التقنية المتقدمة عالية القيمة. وفي الوقت الذي تبدى فيه حكومة تايوان هذا الإهتمام الكبير لاقتصادها الوطني فإنها تركز أيضاً على القيم الإنسانية والحياتية والانفتاح على العالم من خلال زيادة استثماراتها وصادراتها ووارداتها مع مختلف القارات ليصبح حجم تجارتها الخارجية مع العالم وفقا للبيناتت الاحصائية لعام 2004م حوالي 342 بليون دولار أمريكي منها 174 بليون دولار عبارة عن إجمالي الصادرات، و168 بليون دولار عبارة عن إجمالي الواردات.
وتأتي جمهورية الصين الشعبية في مقدمة الدول التي تتعامل معها تايوان بالرغم من الحالة السياسية بينهما، بحيث بلغت نسبة صادراتها الرئيسية إلى الأسواق الصينية 19,45?، تلتها هونج كونغ بواقع 17,14?، ثم الولايات المتحدة الأمريكية بنسبة 16,16? ثم اليابان بنسبة 7,58? ثم سنغافورة بنسبة 3,64? ثم بقية العالم. أما من حيث إحتياطيات العملات الأجنبية فتأتي تايوان في المرتبة الثالثة في العالم، حيث بلغت جملة إحتياطيات العملات الأجنبية لديها 252 بليون دولار في أكتوبر عام .2005 وقد حققت تايوان اليوم للفرد الواحد من إجمالي الناتج المحلي نصيباً يزيد عن 14 ألف دولار أمريكي لتصبح في المركز السابع عشر كأكبر اقتصاد على مستوى العالم, والخامس عشر كأكبر مصدّر على المستوى العالمي.


وبالرغم من غياب المكاتب التجارية للدول العربية في تايوان مقارنة بعشرات المكاتب التجارية والسياحية والعمالية والثقافية لمختلف دول العالم، إلا أن حجم العلاقات الاقتصادية بين تايوان والعرب في تنامي مستمر. فقد بلغ حجم التجارة الخارجية بين تايوان ودول الشرق الأوسط في عام 2005م حوالي 6,25? من إجمالي التجارة. وقد أوضح السفير سي إس شين المدير العام ورئيس دائرة دول آسيا الغربية بوزارة الخارجية بتايوان لـ "إيلاف" أن حجم هذه التجارة تتسارع نموا عاما بعد عام، خاصة مع المملكة العربية السعودية، والكويت ودولة الامارات العربية المتحدة حيث نمت خلال الشهور السبعة الأولى من العام الحالي بنسبة 7?،

وأن حجم التجارة بين تايوان و22 دولة عربية بلغ في النصف الأول من العام الحالي 14 بليون دولار أمريكي، منها 12,45 بليون دولار عبارة عن قيمة الواردات التايوانية من الدول العربية حيث تركز معظمها في المجالات والمنتجات النفطية. ويشير المسؤول أن معظم التجارة بين تايوان والدول العربية تتركز مع دول مجلس التعاون الخليجي الست حيث بلغ حجمها 12,72 بليون دولار امريكي منها 11.78 بليون دولار عبارة عن قيمة الواردات التايوانية النفطية من تلك الدول مشكلة ما نسبته 92,5?، بحيث أصبحت دول المجلس المصدر الرئيسي المزود لتايوان من احتياجاتها النفطية السنوية حيث تستورد تايوان 99% من احتياجاتها من الطاقة من الخارج. فواردات تايوان النفطية من دول المجلس تبلغ يوميا 600 ألف برميل نفط بقيمة تصل إلى 40 مليون دولار في اليوم وفقا لتصريحات المسؤول التايواني، وقد ضخت تايوان بعض استثماراتها في دول المنطقة مشيرا إلى أن تايوان تقوم الآن بتنفيذ مشروع ضخم للغاز الطبيعي مع دولة قطر يزيد قيمته حاليا عن 10 بلايين دولار أمريكي، وربما يصل إلى 20 بليون دولار في مراحله الأخرى، وهناك عقد مع قطر بحيث تقوم تايوان باستيراد الطاقة منها بقيمة 15 بليون دولار خلال السنوات المقبلة بجانب المشروعات البتروكيماوية المقامة في السعودية بمشاركة استثمارات تايوانية. كما تستورد تايون منتجات خليجية أخرى منها الالمنيوم والمواد الفسفورية وغيرها. وتزود دول المجلس بمختلف منتجاتها التي تتميز بجودة عالية تشمل أجهزة الحاسب الآلي وتقنياتها، والمواد الكهربائية، وأجهزة التصنيع والمكائن والالآت الرياضية والدراجات بمختلف أنواعها غيرها من المنتجات الأخرى.

ولا شك أن المرحلة القادمة تتطلب زيادة التعاون مع هذه الدولة التي أصبحت مؤسساتها اليوم تقدّم الكثير من منح التدريب والتأهيل في المجالات الصناعية والفنية والاتصالات بجانب المجالات الانسانية، وكذلك القروض التي تقدمها لمختلف المشاريع وخاصة المشاريع الصغيرة والمتوسطة، في حين أصبح السائح التايواني لا يقل انفاقا عن السائح الياباني أوالغربي حيث لا تتوقف حركة الملاحة الجوية بمطاراتها الدولية والمحلية، وكذا بمؤانئها البحرية التي تكتظ بملايين الحاويات المليئة والفارغة، في الوقت الذي تنشئ دول العالم مختلف أنواع مكاتب التمثيل التجاري والسياحي في العاصمة/تايبيه لاستقطاب المزيد من السياح من ناحية، وتعزيز المجالات الاقتصادية والتجارية والاستفادة من البرامج والمشاريع التي تقيمها تايوان في مختلف دول العالم من ناحية أخرى، وهذا ما سنركز عليه في المقال القادم، مع التركيز على الدور الذي يقوم به المكتب التجاري العماني في تايبية.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف