اقتصاد

قانون للاستثمار في العراق

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

قانون للاستثمار في العراق


علي الفكيكي


أصدر مجلس الرئاسة في العراق قانون الاستثمار رقم 13 لسنة 2006 ، وفيه أحكام تنظيمية وحقوقية وتشجيعية تشمل المستثمرين العراقيين وغير العراقيين، ولمرحلتي التأسيس والتشغيل. ويهدف القانون الى جذب وتشجيع الاستثمارات، ونقل التقنيات الحديثة الى البلاد، وتشجيع القطاع الخاص العراقي والأجنبي للاستثمار في البلد، وحماية حقوق وممتلكات المستثمرين وعوائدهم، وتوسيع الصادرات، وتعزيز القدرات التنافسية في الداخل والخارج.

ويشمل القانون كل فروع النشاط الاستثماري والإنتاجي والخدمي باستثناء استخراج وإنتاج النفط والغاز، والمصارف، وشركات التأمين. وتبين ان نشاطات استخراج المعادن الأخرى، وكذلك تكرير وتصفية النفط هي قطاعات مشمولة بالقانون مثلها مثل سائر فروع الاستثمار الأخرى من صناعة وزراعة وسياحة وصحة وغيرها.

ولم يشترط القانون مشاركة شريك عراقي مع المستثمر الأجنبي سواء لغرض الترخيص، أم التمتع بالإعفاءات الضريبية والامتيازات والتسهيلات. ونص على تأسيس الهيئة الوطنية للاستثمار لتتولى تنفيذ أحكامه. وأجاز للأقاليم والمحافظات غير المنتظمة بإقليم، تشكيل هيئات استثمار في مناطقها تتمتع بصلاحية إصدار التراخيص ومنح الإعفاءات والتسهيلات وتنظيم شؤون المشاريع الاستثمارية فيها. وبهدف تسهيل عملية الترخيص، أجاز القانون للهيئة إصدار إجازة التأسيس (رخصة الاستثمار) من خلال إنشاء ما يدعى "النافذة الواحدة" في الإقليم او المحافظة.

ويتمتع المستثمر، بغض النظر عن جنسيته بجميع الميزات والتسهيلات والضمانات والإعفاءات. وله في مشاريع الإسكان حق امتلاك الأرض اللازمة لإقامة المشروع.

وتشمل الحقوق والميزات والتسهيلات في القانون الجديد على الآتي:

(1) التمتع بالإعفاء الضريبي لمدة عشر سنوات ابتداء من سنة التشغيل، مع الإعفاء من رسوم الاستيراد لاستيرادات مستلزمات مرحلة التأسيس والتوسيع والتطوير والتحديث من أجهزة ومعدات ووسائل نقل ومواد، واستيرادات مرحلة التشغيل من مواد أولية ووسيطة وقطع غيار.

(2) إدخال وإخراج رؤوس الأموال وعوائدها، وفتح الحسابات في المصارف داخل العراق وخارجه.

(3) التداول في سوق العراق للأوراق المالية بالأسهم والسندات، وتكوين المحافظ الاستثمارية.

(4) استئجار الأرض اللازمة للمشروع لمدة خمسين سنة قابلة للتجديد. وفي مشاريع الإسكان حق امتلاك الأرض أيضاً.

(5) إمكان تمتع المستثمر بميزات إضافية خاصة وفقاً لاتفاقات دولية ثنائية بين العراق ودولته، او وفق اتفاقات متعددة الأطراف. مع حق المستثمر الأجنبي بيع مشروعه كلياً أو جزئياً.

وبعد قرابة نصف قرن من تقديم الإعفاءات الضريبية والمساعدات السخية للصناعة في العراق، ابتداء من الخمسينات، كانت النتيجة مشاريع حكومية خاسرة لا ينفع معها علاج غير التخلص منها بالبيع، وإدمان لدى إدارات المشاريع والمصانع الخاصة على مساعدات الدولة والحماية، ومشاريع فاقدة القدرة على المنافسة في الداخل والخارج، مع تخلف نوعي وكمي وسعري في اوضاع الصناعات الجانبية المغذية بالأجزاء والمدخلات وفاقدة لقدرة الاستدامة، وعاجزة عن اللحاق بالتجدد في مطالب السوق وتجزؤ الطلب، ومصانع متقادمة، هامشية، واستثمارات متراجعة سنة بعد اخرى مع افتقاد البلاد القدرة على جذب الاستثمارات، وبيروقراطية معقدة تنطوي على كثير من القيود الإدارية التي تمنع فرص التقدم وتقمع سرعة الاستجابة وتستنفد الوقت والجهود.

فإلى أي مدى سيحقق القانون الجديد في المرحلة الجديدة أهدافه في جلب الاستثمارات؟

يعتمد ذلك بالدرجة الأولى على مدى توافر بنية تحتية متطورة، وهي تشمل كل العوامل الاجتماعية والسياسية والمادية، وليس فقط الطرق والجسور والكهرباء والماء، بل أيضاً اوضاع منتجي الأجزاء والمدخلات وأوضاع الصناعات الثانوية الجانبية، والمهارات الإدارية الحكومية، ونظام الضرائب وتوافر الشفافية ونظام إدارة الاقتصاد الكلي، ونسب التعليم والتدريب واحتياط البلاد من المتعلمين والمهندسين والفنيين والخصائص السكانية.

فتوافر بنية تحتية بهذا المفهوم، الى جانب قانون الاستثمار الجديد، سيكون عاملاً حاسماً في جذب الاستثمارات.

ان مدى انحسار او تفشي الفساد الإداري والمالي عامل آخر من عوامل جذب الاستثمارات أو إبعادها.

ففي تقرير لمنظمة الشفافية العالمية (مقرها برلين)، جاءت دولة هاييتي في المرتبة الأولى بين اكثر الدول فساداً، وجاء العراق في المرتبة الثالثة. وفي إفادته أمام الكونغرس الأميركي في 8/2/2006 بين وزير الدفاع الأميركي السابق دونالد رامسفيلد، "ان الفساد الإداري والمالي متغلغل في العراق في كل جوانب الإدارة الحكومية والمالية". وحتى لو انحسر هذا الفساد فستبقى هناك مشكلة أكبر، متجذرة عميقاً ومتمثلة في المفاهيم والتصورات والعقليات البيروقراطية الموروثة في الكوادر الإدارية الحكومية في كل مستوياتها.

لقد أوصى القانون الجديد بإتباع ما يدعى "النافذة الواحدة" في تسلم طلبات الاستثمار والبت بها. وهو ما أوصت به تشريعات التنمية والاستثمار في البلدان النامية لغرض اختصار وتوفير الوقت والجهد والمال. فهل سيكون الأمر في العراق كما يراد من تأسيس هذه النافذة؟

يذكر ان المديرية العامة للتنمية الصناعية في بغداد تطبق هذه "النافذة" منذ أكثر من سنة. لكن ما تقوم به المديرية المذكورة هو مجرد توحيد جهة استلام الطلب (الجانب الشكلي). اما المحتوى البيروقراطي، فقد بقي ذاته كما كان قبل ثلاثين سنة او أكثر، من دون تغيير.

من المؤكد أن العراق سيستقطب استثمارات كثيرة بعد صدور القانون الجديد. ولكن هل سيوازي حجم هذه الاستثمارات الطموحات المنشودة؟

وكما هي الحال في بلدان جنوب شرقي آسيا، مثل سنغافورة أو ماليزيا، مثلاً، فإن ذلك يحتاج أيضاً إلى إحداث ثورة انقلابية في المفاهيم وطرق التفكير وتناول المواضيع. فالمطلوب والضروري، توافر إدارات اقتصادية تضع الحصان أمام العربة وليس العكس في معالجة أمور التنمية والتعامل مع الاستثمارات. عندها فقط يستطيع القانون الجديد تحقيق أهدافه وطموحات البلاد.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف