هل تنتقم إيران بإيقاف صادرات النفط العراقية؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
هل تنتقم إيران بإيقاف صادرات النفط العراقية؟
د. أنس بن فيصل الحجي
ما ردة فعل الحكومة الإيرانية إذا قام مجلس الأمن أو الولايات المتحدة بفرض عقوبات اقتصادية عليها أو إذا قامت الولايات المتحدة أو إسرائيل بقصف المنشآت النووية الإيرانية؟ الخيارات الإيرانية محدودة، ولكن بعضها قد يمنع الولايات المتحدة من اتخاذ تدابير قاسية ضد طهران.
1- استخدام سلاح النفط: تبين في مقال الأسبوع الماضي أن أكثر المتضررين من هذا الخيار هو إيران لأسباب عدة أهمها أن الحكومة الحالية تستمد دعمها الشعبي من الدعم الحكومي للمواد الأساسية والوقود والإسكان، الأمر الذي يتطلب استمرار تدفق إيرادات نفطية تكفي لتغطية هذه الإعانات. وكانت الحكومة الإيرانية قد اضطرت إلى سحب مبلغ 2.6 مليار دولار من صندق التوازن الذي تم إنشاؤه لجمع الفائض عندما ترتفع أسعار النفط لاستخدامه في فترات انخفاض الأسعار. وقد اضطرت الحكومة للقيام بذلك بدلاً من رفع أسعار المحروقات لاقتناعها بأن رفع الأسعار سيؤدي إلى مظاهرات وقلاقل سياسية في جميع أنحاء البلاد.
فإذا كانت الحكومة تخاف من مظاهرات بسبب ارتفاع أسعار المحروقات، فما الذي سيحدث لو توقفت إيرادات النفط، خاصة أن 90 في المائة من الإنفاق الحكومي يأتي من النفط؟ إضافة إلى ذلك فإن إيران ستعاني من أزمة نفطية خانقة في حالة خفضها صادرات النفط بسبب امتناع بعض الدول الآسيوية والأوروبية عن تصدير البنزين إلى إيران، وامتناع بعض دول وسط آسيا، خاصة تركمانستان، عن تصدير الغاز الطبيعي إلى المدن الإيرانية. كما تبين أن تأثير وقف الإمدادات في الولايات المتحدة وبريطانيا سيكون بسيطاً للغاية بسبب وجود احتياطي استراتيجي ضخم من النفط سيكفي كلا البلدين لعدة أشهر.
2- طرد شركات النفط الأجنبية: قد تقوم إيران بالرد على العقوبات التي قد يفرضها مجلس الأمن أو على أي غارة جوية بطرد شركات النفط الأجنبية العاملة في إيران، الأمر الذي سيكبد هذه الشركات خسائر فادحة. وتهدف إيران من هذه العملية إلى معاقبة حكومات بعض الدول الأوروبية والآسيوية عن طريق معاقبة شركاتها. المشكلة أن هذا الخيار ليس في صالح إيران لأنه سيؤدي إلى انسحاب رأس المال الأجنبي وانخفاض الإنتاج الإيراني في المستقبل، بدلاً من أن يزداد وفقاً لمخططات الحكومة الحالية. تشير الدراسات المختلفة إلى أن إيران في حاجة ماسة إلى الاستثمار الأجنبي لمنع إنتاجها من الانخفاض من جهة، وزيادة طاقتها الإنتاجية من جهة أخرى. وتشير تصرفات الحكومة الحالية وتصريحات مسؤوليها إلى أن الحكومة الإيرانية مدركة تماماً أهمية الاستثمار الأجنبي، لذلك فإنها تحاول جاهدة جلب الاستثمارات من مختلف أنحاء العالم. فالخطة الخمسية الحالية تشير إلى حاجة إيران إلى 70 مليار دولار لزيادة الطاقة الإنتاجية على أن يأتي 60 في المائة منها من الاستثمارات الأجنبية. إن طرد الشركات الأوروبية والآسيوية سينعكس سلبياً على إيران، في الوقت الذي لن تغير فيه حكومات هذه الشركات من موقفها تجاه إيران.
3- فرض حظر نفطي على بعض الدول الأوروبية والآسيوية: أثبتت تجارب الحظر النفطي خلال العقود الماضية أنه لا يمكن للحظر النفطي أن يحقق أهدافه إلا إذا تمت إحاطة البلد المستهدف بجيش ضخم يمنع تسرب النفط إليه، وكلنا يعرف أنه ليس لإيران القدرة على تطويق بلد صغير، فما بالك بتطويق الولايات المتحدة وبريطانيا؟ كما أن الدلائل التاريخية تشير إلى أنه لا يمكن لأي حظر نفطي أن يلحق أضراراً بالبلد المستهدف إلا إذا تم تخفيض الإنتاج، الأمر الذي يعيدنا إلى الخيار الأول. المشكلة في هذه الحالة أن هذا الخيار لا يفرق بين الأعداء والأصدقاء. لقد ثبت تاريخيا فشل الحصار النفطي، لذلك فإن إيران لن تلجأ إليه إلا بشكله الصوري لحصد المزيد من التأييد الشعبي وامتصاص نقمة الشعب الذي يطالب الحكومة بأن تفعل شيئاً ما رداً على الاعتداءات الأمريكية.
4- وقف صادرات النفط العراقية: إن حذر الولايات المتحدة في التعامل مع إيران لا يعود إلى قوة إيران العسكرية، أو إلى تآمر أمريكي- شيعي ضد أهل السنة كما يرى البعض، وإنما إلى ما يمكن أن تفعله إيران في العراق. إن آخر ما يرغبه الأمريكيون في الفترة الحالية هو وقف صادرات النفط العراقية، أو ثورة شيعية في الجنوب، أو اتحاد الشيعة والسنة في حربهم ضد الولايات المتحدة وبريطانيا، وكل هذه الأمور في يد إيران الآن. إن وقف صادرات النفط العراقية سيحقق لإيران ثلاثة أهداف سياسية واقتصادية. الأول معاقبة الولايات المتحدة وبريطانيا عن طريق إفشال خططها في العراق، التي تعتمد بشكل كبير على إيرادات النفط العراقية. الثاني التأثير في المجتمع الدولي عن طريق رفع أسعار النفط. والثالث جني عوائد نفطية إضافية من ارتفاع أسعار النفط، الأمر الذي سيخفف من العجز في موازنة العام الحالي. بعبارة أخرى، ستعزز الحكومة من قوتها داخلياً. إن إدراك الأمريكيين هذا الاحتمال قد يكون السبب وراء تصعيد الموقف من خلال التصريحات الصحافية النارية لنائب الرئيس الأمريكي ووزيرة الخارجية الأمريكية في الوقت الذي قبلت فيه الولايات المتحدة التفاوض مع إيران، ليس بشأن برنامجها النووي، وإنما بشأن "العراق"!
ما الخيارات المثلى؟
ليس من مصلحة إيران على الإطلاق تخفيض صادراتها النفطية، أو فرض عقوبات نفطية على دول معينة، أو طرد بعض الشركات الأجنبية. في الوقت نفسه ستكون هناك ضغوط شعبية كبيرة للرد على العقوبات الاقتصادية أو الغارة الجوية، الأمر الذي قد يجبر القادة الإيرانيين على اتخاذ قرار ما. بناء على الخيارات المختلفة وتكاليفها ومنافعها فإن الحكومة الإيرانية قد تجمع بين الخيارات الثلاثة الأخيرة، ولكن لأسباب مختلفة تماماً. ستقوم الحكومة الإيرانية برفع وتيرة تهديدها للشركات الأجنبية، وقد تقوم فعلاً بإلغاء عقود بعضها، ليس انتقاماً من حكوماتها التي ساندت العقوبات الاقتصادية أو أيدت الغارات الجوية، ولكن بهدف إجبار الشركات على التخلي عن عقودها القديمة وتوقيع عقود جديدة تضمن عوائد أكبر للحكومة الإيرانية. ففي محاولات لكسر الحصار الاقتصادي وقعت الحكومة الإيرانية خلال السنوات العشر الماضية عقوداً طويلة المدى مع الشركات الأجنبية تعرف بعقود "إعادة الشراء"، وهي عقود مغرية جداً للشركات الأجنبية وتضمن لها أرباحاً عالية بغض النظر عن سعر النفط في السوق. وأدركت الحكومة الإيرانية أخيرا أن هذه العقود مجحفة في حق إيران، لكنها لا تستطيع تغيير هذه العقود إلا إذا ضغطت على هذه الشركات. لذلك فإن الأزمة الحالية تعطي الحكومة الإيرانية الغطاء القانوني والسياسي الذي كانت تحلم به بحيث تطرد هذه الشركات وتستبدل بها شركات أخرى أو تجبرها على توقيع عقود جديدة.
أما الخيار الثالث فإنه على الرغم من عدم تأثيره في الدول المستهدفة، واقتناع الدول المستهدفة بأنه لن يؤثر فيها، إلا أن حكومة محمود أحمدي نجاد قد تستخدمه بشكل صوري لكسب التأييد الشعبي على المستويين الإيراني والإسلامي، وإخماد أي حركة شعبية تطالب الحكومة بفعل شيء ما ضد الاعتداءات الأمريكية.
الخيار الرابع، وهو قيام عملاء إيران بوقف ضخ النفط العراقي من ميناء البصرة، فإنه أكثر السياسات فعالية وتاثيراً. لقد أدركت إيران من احتلال الولايات المتحدة العراق وعدم هجومها على كوريا الشمالية أن الولايات المتحدة وغيرها لن تستطيع اجتياح أو احتلال أي دولة تملك سلاحاً نووياً. ولكن إيران تحتاج إلى عدة سنوات لتطوير سلاحها النووي. لذلك أدركت إيران أن "السلاح النووي" الآخر هو التدخل في العراق لأنه قد ينتهي بتدمير كل الخطط الأمريكية في المنطقة. المشكلة أن الدول الأخرى المجاروة للعراق أدركت الفكرة نفسها، الأمر الذي يعني المزيد من التدخل الدولي لاقتناع هذه الدول بأنها تحمي نفسها من خلال التدخل في الشؤون العراقية. بعبارة أخرى، التضحية بالشعب العراقي ومستقبله كيلا تتدخل الولايات المتحدة عسكرياً في هذه الدول. قد يقول قائل إن الحل في هذه الحالة هو انسحاب الأمريكيين من العراق لأن تدخل هذه الدول في العراق يهدف إلى الضغط على الأمريكيين، وليس التدخل في الشأن العراقي. المشكلة هنا أن انسحاب الأمريكيين قد يفسر على أنه نجاح لهذا "السلاح النووي" الجديد!
خلاصة الأمر أن إيران اختارت منذ 1988 سياسة عدم المجابهة المباشرة مع الغرب وحاربت المصالح الأمريكية عن طريق حلفائها في أفغانستان والعراق ولبنان وسورية ومنطقة بحر قزوين والبلاد الأخرى. لذلك فإن إيران لن تخفض صادراتها النفطية، ولكن عملاءها في العراق قد ينتقمون لإيران بوقف صادرات النفط العراقية. وقد تقوم بفرض عقوبات نفطية صورية على بعض الدول لكسب التأييد الشعبي، وستهدد بطرد بعض الشركات لإجبارها على توقيع عقود نفطية جديدة تضمن عوائد أكبر للحكومة الإيرانية.