اقتصاد

المواد «النفطية» في الدستور العراقي تفتقر الى ضوابط تنظيمية وتنفيذية

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

المواد "النفطية" في الدستور العراقي تفتقر الى ضوابط تنظيمية وتنفيذية


طارق شفيق


أثارت مواد مسودة الدستور العراقي النفطية 108 و 109 و 111 تساؤلات وانتقادات كثيرة. وبما أن الباب لا يزال مفتوحاً لإعادة النظر في هذه المواد وإمكان تعديلها، نود أن نقدم هنا رأينا فيها، لما لها من أهمية لمستقبل العراق الاقتصادي وللصناعة النفطية الإقليمية عموماً.


أ - المواد الدستورية التي تحكم اصول النفط والغاز

- تنص المادة 108 على أن "النفط والغاز هما ملك الأمة (الشعب) في كل الاقاليم والمحافظات".

- وتنص المادة 109 على:

1- ان الحكومة الفيديرالية ستدير إنتاج حقول النفط والغاز بالتعاون (التشاور مع حكومات الاقاليم والمحافظات المنتجة) (بشرط ان توزع المداخيل بطريقة تنسجم مع التوزيع الديموغرافي لجميع انحاء البلاد).

2- الحكومة الفيديرالية وحكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة بالتعاون (بالتشاور او معاً) ستضع السياسات الاستراتيجية الضرورية من اجل تطوير اصول النفط والغاز (الثروة) لتحقيق اكبر قدر من المنفعة للشعب العراقي بالاستناد الى احدث تقنيات السوق وتشجيع الاستثمارات.

- تقع المادتان 108 و 109 تحت السلطة الحصرية للحكومة الفيديرالية، ولذا فإن اختيار الكلمات في الترجمة يتأثر تبعاً لذلك كما في الاستخدام المحتمل للدستور للتشاور وليس للتعاون او التشارك.

- تنص المادة 111 على ان "كل ما هو غير مكتوب في السلطة الحصرية للحكومة الفيديرالية يقع تحت سلطة الاقاليم وكل ما هو غير مكتوب في السلطة الحصرية للحكومة الفيديرالية هو في سلطة الاقاليم والمحافظات. وفي حال النزاع حول الامور التي تقع تحت سلطة قوى متعددة (مشتركة) بين الحكومة الاتحادية وحكومات الاقاليم والمحافظات ستكون الاولوية للاخيرة.

- المواد الوارد ذكرها انفاً بدلت الى 111، 112، 115على التوالي.


ب - حقائق تقنية

- يوجد في العراق نحو 530 دالة تركيبية، جرى الحفر في 115 منها حتى اليوم، ثبت ان 80 حقلاً تحوي حوالى 115 بليون برميل. والدالات التركيبية التي لم تستكشف بعد يقدر انها تحوي ما يزيد على 215 بليون برميل.

- الانتاج الحالي هو 2 مليون برميل في اليوم يصدر منها 1.5 مليون برميل يومياً. وتاريخياً كان اعلى انتاج 3.5 مليون برميل في 1979، والانتاج قبل حرب اذار (مارس) 2003 كان 2.8 مليون برميل في اليوم.

- ان كلفة استكشاف وتطوير كل برميل نفط تقدر بـ دولار واحد وهي مساوية لنحو 5.000 دولار لمعدل انتاج برميل في اليوم (365 برميلاً في السنة) وادارة الانتاج تكلف 1.0 - 1.5 دولار لكل برميل.

- ان المخزونات المؤكدة في الوقت الحاضر يمكن ان تدعم معدل إنتاج قدره 10 ملايين برميل يومياً، يمـــكن إدامته لمدة تزيد على 8 سنوات قبل ان يبدأ بالهبوط.

- ان بناء معدلات انتاج العراق الى 10 ملايين برميل في اليوم وإبقائه بهذا المستوى لمدة 8 سنوات يحتاج الى معدل استنزاف سنوي يبلغ 4 في المئة في البداية، (ويرتفع الى 5.3 في المئة عندما يسمح له بالاضمحلال من اجل المحافظة على الاستنزاف السليم في مستوى 4 الى 5 في المئة). ونظرياً، إذا سمح له بالاضمحلال فإن معدل انتاج النفط كان سيصل الى 6.4 مليون برميل في اليوم في نهاية العام 25 من الانتاج عندما تكون مخزونات البلد انخفضت من 115 بليون برميل في بداية بناء طاقة الانتاج الى ما يقرب من 40 بليون برميل، وهو ما زال أكبر من احتياطات بحر الشمال أو بحر قزوين.

- ان مستوى 10 ملايين برميل في اليوم يمكن زيادته الى 12 مليوناً في اليوم مع اضافة المخزونات الجديدة للاحتفاظ بالاستنزاف الســـليم بمعدل 4 الى 5 في المئة. وعلى اية حال فإن العراق سيحتاج الى اكثر من عقد ليصل الى معدل انتاج قدره 10 ملايين برميل في اليوم.

- خلافاً للمفهوم المعتمد عموماً من ان فعاليات التنقيب تمس الحاجة اليها في كل الاوقات في الاقل لاستعادة المخزونات التي تم انتاجها فإن حال العراق لسوء الحظ فريدة. ان معدل انتاج العراق لم يكن ابداً متعادلاً مع المخزونات المؤكدة خلال العقود الماضية في مدة امتياز شركة نفط العراق، او المدة التي امم فيها النفط التي تلت ذلك في السبعينات. ان مسؤولي شركة نفط العراق كان لهم إلتزامات تطويرية في اماكن اخرى من الشرق الاوسط، ولذا حدد إنتاج النفط في كل بلد بدرجة يتدنى معدل الاستنزاف السنوي الى 1 في المئة. وقد اعتبروا البلدان الاخرى اكثر امناً للاستثمار من العراق الذي كان يتبع سياسات متشددة منذ صدور القانون الرقم 80 في عام 1961، الذي فرض احادية التنازل عن المناطق غير المستكشفة والمستكشفات غير المطورة. وقد تبنت شركة النفط الوطنية منذ ذلك الوقت ممارسات موروثة بما فيها معدلات الإستنزاف المنخفضة واضطرت الى اعادة بناء الطاقة الانتاجية من البداية تكراراً بسبب الحروب المتكررة، في حين استمرت مخزونات النفط بالتكدس مسببة وجود كميات هائلة لا تتناسب ومعدل الانتاج. والعراق اليوم، على اساس عالمي يملك اعلى نسبة من المخزونات المؤكدة او مخزونات موارد النفط الكلية (عند اضافة ما هو متوقع الى المخزون المؤكد) الى معدل الانتاج (مقياس لتوقع العمر) وهي من 157 سنة الى 452 سنة على التوالي. وبمعدل انتاج 5 ملايين برميل في اليوم فأن ذلك سيستغرق 62سنة و 180 سنة على التوالي. افلا يستطيع العراق اذاً ان يحجم عن عقد إتفاقات انتاج مشترك (PSA) لبضع سنوات او في الاقل حتى يعم الامن وينحسر ضغط القوى الكبرى؟ وفي الوقت نفسه تركز الصناعة على استثمار رأسمالها ومواردها البشرية المحدودة على انماء الطاقة الانتاجية من اجل الحصول على الموارد الضرورية. وللعلم فإن المنتجين خارج الشرق الاوسط يبقون نسبة الموجودات الى الانتاج بحدود جزء مما هي عليه في العراق: (المملكة المتحدة عند 6، النروج عند 8، الدنمارك عند 9، الولايات المتحدة عند 11 وروسيا عند 21 سنة، بموجب احصاءات 2005). والاخيرة، يصل انتاجها الى 9.4 مليون برميل في اليوم مع مخزونات تصل الى 75 بليون برميل وهو ما يتطابق مع معدل استنزاف سنوي قدره 5 في المئة.

- ان هذا لا يعني على اي حال ان اعمال الاستكشاف لا ينبغي ان تؤدي الى تعزيز لإستيعاب المعرفة الجيولوجية واغناء الاستشرافات المستقبلية للنفط والغاز. فمثل أعمال الاستكشاف هذه ستكون جزءاً من التخطيط الشامل والموحد للاستكشاف والتطوير الذي يشمل البلد بأسره. ولكنه سيكون محدوداً بقدر اصغر بكثير من مشاريع الاستكشاف غير المنسق لشركات النفط العالمية المتنافسة في مختلف الأقاليم والمحافظات والمتوقعة بموجب مواد الدستور الحالي. وفي الحقيقة فان كردستان بدأت فعلاً بذلك، وأن عدداً من المحافظات هو في بداية الطريق للحاق بها.


ج - تخطيط تطوير حقول النفط

ان تخطيط حقول النفط لانماء طاقة الانتاج يتم بواسطة خطة مركبة اساسية تقوم بفحص الحقول المكتشفة والمنتجة (بما في ذلك كل تكوين منتج في كل حقل) من وجهة نظر الصلاحية التقنية والاقتصادية، وفي الوقت نفسه تأخذ في الاعتبار خطط اعمار العراق واحتياجاته. واختيار الخطة التي يراد تنفيذها يجب ان يؤكد:

- الاستخدام الامثل للاحتياطات المؤكدة والموجودة في مواقع كثيرة مختلفة في المحافظات والاقاليم الغنية.

- افضل كلفة لتطوير حقول النفط تزاد عليها كلفة اي انبوب نفط اضافي او تبديل انبوب رئيسي يقوم بنقل النفط وتصديره.

- الاعداد لمخزونات إضافية محتملة في المستقبل بحسب الحاجة.

- تأمين رأسمال للاستثمار وللقدرات الادارية للجهد الوطني (سواء كان ذلك الوزارة او شركة النفط الوطنية) واقرار دور شركات النفط العالمية المكملة وإعدادها.

مثل هذا التخطيط الشامل والمتكامل لا يمكن تحقيقه في غياب آلية سياسة نفطية مركزية منسقة وموحدة وقاعدة معلومات تشمل البلد بأسره. ويمكن انجاز ذلك على الوجه الافضل من خلال السلطة المركزية، وزارة النفط و/ او لجنة طاقة عليا تعمل بالارتباط مع وزارة النفط وتتشاور مع اصحاب الاختصاص والمنظمات غير الحكومية الكفوءة من مختلف الأقاليم والمحافظات التي تختار من خلال امكاناتها.


د - ادارة استكشاف وتطوير حقول النفط في ضوء مواد الدستور الحالي

- من دون سياسة مركزية موحدة لن يكون هناك انسجام وتنافس بين شركة النفط الوطنية (التي تعمل على الانتاج والتسويق وتصدير النفط من اجل توفير دخل الدولة) وبين الأقاليم والمحافظات (تعمل على استكشاف من اجل مخزونات اضافية لا حاجة لها)، وبين مختلف الاقاليم والمحافظات وفي وضع من عدم التنسيق والحسد بين الذين يملكون والذين لا يملكون. وسيؤدي ذلك الى صناعة نفط سقيمة تسبب عدم الاستقرار وتفتت البلد.

- ان عدم الاستقرار يحبط شركات النفط العالمية ذات المعرفة ورأس المال والسوق من المشاركة في تطوير صناعة النفط.

وسيجد العراق نفسه مضطراً الى قبول دور المضاربين والمستثمرين الصغار الذين يعدون بأكثر مما يستطيعون تنفيذه.

- ان نقص الافراد ذوي الخبرة في ادارة النفط على المستوى الاقليمي وغياب نموذج موحد لشروط العقود والاتفاقات، يمكن ان تؤدي الى اتفاقات نفط وغاز متخلفة مع شركات النفط العالمية، وهذا بحد ذاته فشل حيث انه لا يحقق المتطلبات الدستورية التي تنص على "ضمان اعلى منفعة للشعب". والأسوأ من ذلك احتمال ان تصبح الشفافية و المحاسبة صعبة بالنسبة للحكومات الاقليمية الوليدة والمحافظات التي تفتقر الى المؤسسات والتقاليد. إضافة الى ذلك فإن العقود المبرمة تحت ظروف غير عادلة كهذه، بسبب عدم تكافؤ الطرفين، ستعتبر باطلة بحسب قوانين "المعهد العالي لتوحيد القانون الخاص" والمعروف بـ UNIDROIT .

- إن أعلى فائدة من النفط المنتج يمكن ان تأتي فقط من عمليات نفط وطنية حيث الاستثمار المباشر لدولار واحد عن كل برميل مطور، يأتي بعائد يزيد على 55 دولاراً في سوق اليوم الذي لا ينتظر ان يهبط الى ما دون 35 - 40 دولاراً في نهاية العقد وبعده. وليس منطقياً ان يقتصر مثل هذا العمل المربح على شركات النفط العالمية.

- إذا فسرت الفقرة الدستورية (احدث تقنية لمبادئ السوق وتطوير الاستثمار) خارج مضمونها المشروط بـ "ضمان اكبر منفعة للشعب"، فان مبيعاً بالجملة لثروة النفط العراقي المستقبلية يتوقع ان يذهب الى عمليات شركات النفط العالمية فقط، وهذا يؤدي الى الغاء تأميم مخزونات النفط والغاز العراقية. وسيعيد ذلك العراق الى مرحلة الامتياز وكل ما فيها من مشاكل بما في ذلك تفتيت السيادة بسبب اعتماده المالي المطلق عندئذ على شركات النفط العالمية.

- في حين ان شركات النفط العالمية تستطيع تحقيق منافع مشتركة كثيرة بما في ذلك المسار السريع والتطوير السليم فان الانتاج غير المنضبط لشركات النفط العالمية المتنافسة يؤدي الى انتاج زائد عن الحد مسبباً تدهوراً للاسعار وعدم استقرار للاسواق. وهذا ليس في مصلحة العراق بوصفه من كبار المنتجين ولا يتطابق مع التزاماته تجاه الاوبك.

- ونتيجة تفعيل المادتين 109 و111 على المدى البعيد هي أن الأقاليم والمحافظات الغنية بالنفط والغاز ستمضي الى مستقبل فيه السيطرة لها حصراً على نحو ثلثي النفط العراقي. وبما أن مخزونات النفط تهبط في الحقول المنتجة تتناقض وتبنى حقول جديدة في الأقاليم والمحافظات، سيكون للأخيرة قوة اقتصادية اكبر من تلك التي للحكومة الفيديرالية.


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف