آثار صكوك سابك على سوق الأسهم
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
آثار صكوك "سابك" على سوق الأسهم
د. محمد أل عباس
أعتقد أن موضوع طرح الشركة السعودية للصناعات الأساسية "سابك" صكوكاً متوسطة الأجل والتي يقال إنها متوافقة مع الشريعة الإسلامية (؟!) قد تصدر قائمة أهم الموضوعات الاقتصادية لدينا. ولما لهذا الحدث من آثار عديدة منها إيجابي ولنا حق الاستفسار عن الجوانب السلبية ومدى قدرة شركة سابك على مجابهتها فإنه وتبعا لتلك الأهمية تثار الأسئلة ويصبح الموضوع حديث الشارع الاقتصادي. لا تتوقع مني أيها القارئ الكريم أن أقف ضد السيل الجارف الذي يؤيد طرح تلك الصكوك ولن أكون تطبيقا لـ "خالف تُعرف" ولم أتعود أن ألعب هذا الدور, لذلك سوف تظل أسئلتي موضوعية بحتة دون القطع بالنتائج أو استباق الأحداث ويهمني في صلب المقال توضيح معنى هذه الصكوك وآثارها التي أتوقعها.
أعلنت شركة سابك من خلال موقع تداول "أن هيئة السوق المالية أصدرت موافقتها للشركة على إصدار صكوك بقيمة ثلاثة مليارات ريال سعودي، وستكون قيمة الصك الواحد 50 ألف ريال بحد أدنى 500 ألف ريال بواقع عشرة صكوك للمكتتب. هذه الصكوك تم اعتمادها من قبل لجنة شرعية هي هيئة الرقابة الشرعية للأمانة في بنك (ساب). كذلك أكد الإعلان أن هذه الصكوك ستدرج وستكون متاحة للتداول في المملكة عن طريق "تداول" كما أشار الإعلان إلى أن الطرح سيقتصر على المؤسسات المالية والشركات الكبرى، ويمكن للأفراد المشاركة من خلال الصناديق الاستثمارية المتنوعة في البنوك التي يتعاملون معها".
هذا باختصار هو أفضل إعلان متاح عن هذه الصكوك, وكما عودتنا "سابك" فهي لا تعير السوق المالية اهتماما كافيا وتقدم توضيحات أكثر وتناقش الموضوع بشكل أعم. لم توضح "سابك" وخاصة لحملة أسهم الشركة مدى احتياجها إلى هذه الأموال ولماذا تتجه الشركة إلى هذا النوع من التمويل وهي التي استخدمت أساليب عدة من قبل منها رسملة الأرباح الذي لم يمر عليه سوى ثلاثة أشهر وتم عن طريق توزيع أسهم مجانية, وادعت الشركة بأنها ستستخدم تلك الأموال لتمويل مشروعات قائمة وتوسعية. في هذه النقطة بالذات أناقش إهمال إدارة "سابك" حقوق المساهمين من حيث أهمية اطلاعهم في مؤتمر صحافي على مثل هذا الإصدار وتأثيره على حقوقهم وعلى مستوى التدفق النقدي من الأرباح خلال السنوات المقبلة. نعم "سابك" هي قلعة من قلاع الاقتصاد السعودي ونبتهج لكل إنجاز تحققه, ولكن أي تحرك داخل هذه القلعة بل حتى الهمس يؤثر بحدة في سوق الأسهم والشركة لا تراعي ذلك وقد يعود السبب في أن حملة أسهم "سابك" التي يتم تداولها في السوق تشكل أقلية في نظر مجلس الإدارة. قد يقول أحدهم إن متعهد الطرح "إتش إس بي سي"HSBC السعودية المحدودة قدم في مؤتمر صحافي بعض ملامح الطرح، لكن الهدف من المؤتمر كان الترويج لمنتجات HSBCوليس لتقديم شرح واف وكاف للطرح. وقد يُعذر القائمون على المؤتمر الصحافي كون الطرح موجها ابتداء للصناديق الاستثمارية والمؤسسات الكبرى سواء كانت حكومية أو غيرها وأن توضيح آثار الطرح على حقوق حملة الأسهم هو مسؤولية الشركة نفسها وليس المتعهد.
وأعود إلى استفساراتي عن الطرح. هنا سأقبل كلمة إسلامي على مضض لأني سأناقشها لاحقا، ولكن ومع الأخذ في الاعتبار المستوى الريادي الذي تريد شركة سابك أن تتبوأه فهل هذا هو الوقت المناسب لمثل هذا الطرح؟ معلوم للجميع الانهيار الذي حدث للسوق والدور الذي لعبته الصناديق الاستثمارية عندما لم تأخذ في الحسبان احتمال حدوث الانهيار وتحتاط بسيولة مناسبة وكافية لمواجهة مسحوبات العملاء وتصفية الحصص في الصناديق الاستثمارية. وإذا كنا نعول على هذه الصناديق للعودة بالسوق فإن أي طرح كبير يستهدفها على وجه الخصوص وبالإغراءات التي قدمتها "سابك" لهم قد يؤثر في مستوى الأداء العام لسوق الأسهم نظرا إلى حجم السيولة الكبير- أتوقع أن تتجاوز قيمة الطرح بمراحل ـ الذي سوف توجهه هذه الصناديق للحصول على حصة مناسبة،
وخاصة أن الطرح أشبه بالصكوك الخالية من المخاطر RISK FREE كون الدولة تملك حصة الأسد من هذه الشركة، كما أن الوقت ليس كافيا لتقوم البنوك بإنشاء صناديق متخصصة لمواجهة طرح "سابك" وخاصة أنها لا تعرف حصصها على وجه اليقين. وإذا كنت أقول إن هذا الطرح مثير للأسئلة فربما لا يجانبي الصواب عندما تقرأ ما صرح به المتعهد من إنه وخلال فترة الأيام العشرة التي تلي الطرح سيتم التباحث مع البنوك حول التسعير والحصص النهائية لهذه الصكوك. ومعنى هذا الكلام الغامض كما فهمته أن الشركة تتوقع إقبالا ضخما جدا وسوف تدخل في إشكالية توزيع الحصص, ولذلك سوف تضطر إلى مناقشة البنوك حول الحصص، وتبقى مناقشتهم على التسعير أمرا شديد الغموض خاصة أن الصكوك سوف تدرج في "تداول" وتكون خاضعة لقوى العرض والطلب.
هذا من ناحية توقيت الطرح, ومن ناحية أخرى فإن "سابك" أعلنت أن الصكوك تتضمن عائدا ربع سنوي, وبالتأكيد فإن هذا العائد سوف يدفع نقدا لحملة الصكوك ثم وبعد انتهاء أجل الصكوك لابد لـ "سابك" أن تقوم بتصفيتها وإعادة الأموال إلى أصحابها فهل لدى شركة سابك تدفقات نقدية كافية أو متوقع أن تكون كافية لمواجهة هذا الأمر. من المعلوم أن الصكوك المراد طرحها تختلف عن الأسهم المتداولة حاليا حيث لا بد للشركة من رد الأموال إلى أصحابها بعد انتهاء مدة الأجل, ولذلك سميت صكوكا متوسطة الأجل ـ لم أعرف بالضبط مدة هذه الصكوك وإن كانت تصل إلى خمس سنوات في المتوسط - المشكلة أن المعومات التي تقدمها "سابك" إلى السوق محدودة جدا،
ويبقى الإعلان حول آخر قائمة ربع سنوية قدمتها الشركة، والتي حاولت من خلال الإعلان المصاحب للقائمة تبرير انخفاض رقم الأرباح عن الفترات المماثلة، إعلانا مثيرا للجدل بدرجة تكفي لتبرير أي تسأل حول قدرات "سابك" لخلق تدفقات نقدية كافية. وإذا كانت الشركة قادرة على دفع ما تعهدت به لحملة الصكوك فهل يكون هذا على حساب حملة الأسهم ونسبة التدفقات النقدية المتوقع أن تضخها إلى سوق الأسهم. وإذا كانت "سابك" بحجمها وقدراتها وسمعتها تستطيع أن تحرك مؤشر الأسهم اليوم فهل نشهد حقبة جديدة يكون دور "سابك" هو مجرد الاستجابة للاتجاهات العامة للسوق دون توجيهه أو قيادته.
وتبقى كلمة صكوك إسلامية أكثر ما في الطرح غموضا وإثارة للأسئلة! توضح تصريحات أن الطرح عُد إسلاميا بناء على دراسة الهيئة الشرعية في البنك السعودي البريطاني. وهنا تثار الأسئلة حول أهمية الاتفاق بين الهيئات الشرعية حول مثل هذا الطرح حتى لا ندخل في إشكالية الفتاوى المتعارضة فالهدف النهائي هو تنمية الاقتصاد وتطوير السوق المالية السعودية. ولي عودة في قادم الأيام إلى هذه النقطة بالذات. وأخيرا أتمنى لطرح "سابك" أن يكون إسلاميا ناجحا وداعما للسوق المالية, وأتمنى أن تكون الشفافية تطبيقا لا مجرد أمنيات والله اعلم.