اندونيسيا: إصلاحات اقتصادية وبحث مضن عن الاستثمار
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
تبحث عن مجد ضائع
اندونيسيا: إصلاحات اقتصادية وبحث مضن عن الاستثمار الأجنبي
أحمد نجيم من جاكارتا
تشهد أندونيسيا حيوية وحركية داخل مشهدها السياسي، ففي العام 2004, نظمت أكبر ديموقراطية في العالم الإسلامي ثلاث انتخابات دورتان من الانتخابات الرئاسية, ودورة في الانتخابات التشريعية. صوت خلالها 155 مليون على رئيسهم الجديد. هذه الحيوية السياسية, تبعتها إصلاحات اقتصادية تسعى من خلالها جاكارتا إلى استعادة بريقها الذي كانت تتمتع به جهويا وعالميا قبل الأزمة المالية الكبيرة التي شهدها نمور جنوب شرق آسيا في العام 1998، وكانت أندونيسيا الضحية الكبيرة لها.
خلال 16 يوما في أندونيسيا، لا حديث لمسؤوليها السياسيين أو الاقتصاديين, إلا عن رغبة هذا البلد الآسيوي في استعادة بريقه وقوته في منطقة تشهد ظهور اقتصاديات قوية عالميا كالصين والهند. يعي الأندونيسيون هذا المعطى, "علينا أن نركز على الإصلاحات الاقتصادية، وهذا يمر عبر جلب الاستثمار الخارجي، إننا نعي صعوبة هذه النقطة بقربنا الجغرافي من الصين والهند", يقول وزير الخارجية الأندونيسي حسن ويراجودا. لهذا الغرض, تسعى أندونيسيا بعد الانتخابات الرئاسية التي أوصلت الرئيس الحالي ونائبه إلى السلطة، إلى تقديم صورة الدولة التي تعيش حركية وحيوية, "لقد دشنا حملة ضد الرشوة التي عانى منها طويلا اقتصادنا الوطني، وحوكم وزراء وولاة وعمدات وبرلمانيون", يقول المسؤول الحكومي، ثم يضيف "هذا شجع المواطنين على الانخراط في مشروع الحكومة، إن الديموقراطية تتقوى في أندونيسيا، فالحديث عن الديموقراطية ومحاربة الرشوة لا يتوقف".
قبل الدخول في مسلسل الدمقرطة, كان النمو الاقتصادي السنوي يتراوح ما بين 7 و8 في المائة، لكن الأزمة الاقتصادية التي عصفت بآسيا جعلت النمو الاقتصادي يتقلص سنويا ب40 في المائة، هذه الأزمة ضاعفت الدين الخارجي، وكان المواطن المتضرر الأول، إذ ارتفعت نسبة البطالة, فانتقلت نسبة الأندونيسيين الذين يعيشون تحت عتبة الفقر من 16 في المائة إلى 30 في المائة. بدأ الاقتصاد الأندونيسي في استرجاع عافيته تدريجيا منذ العام 2004، إذ انتقلت نسبة النمو إلى 5،2 في المائة, ف5،6 في المائة في العام الموالي, ثم 5،9 في المائة في العام 2006.
وتتوقع الحكومة الأندونيسية أن تصل نسبة النمو الاقتصادي في العام 2007 , قرابة 6،7 في المائة. يؤمن هذا الدبلوماسي الأندونيسي, أن "ديموقراطية مستدامة" لا تتأسس إلا ب "اقتصاد قوي".
غير أن هذا الخطاب لا يبدو مقنعا كثيرا بالنسبة للدول الغربية وللمستثمرين، وهذا ما يتضح جليا في رغبة شركة العقار الكبيرة في جاكارتا "سارانا جايا" في استقطاب استثمارات خارجية، يبدو أن الأمر لم يكن سهلا "فخلال فبراير شباط من العام 2007 , سينطلق مشروع "الأرض الحمراء", لحد الآن قبل الاستثمار فيه مستثمر من سنغافورة".
ورغم أن المشروع يقع وسط العاصمة الجاكارتية، قرابة 12 مليون نسمة، وعلى مساحة 27 هكتار, وبحجم استثماري يصل إلى 7 مليار دولار، فإن هناك تردد كبير للمستثمرين, "ندعو المستثمرين المغاربة إلى الاستثمار في هذا المشروع، فهو مدعوم من بلدية جاكارتا.
ولإغراء المستثمر الأجنبي, فإن الشركة العقارية بدعم من بلدية جاكارتا, تؤكد أن المستثمرين الجدد بإمكانهم أن يحملوا معهم هندستهم المعمارية, "يمكن للمستثمرين المغاربة أن يحملوا ثقافتهم وهندستهم المعمارية، فكل الدول مدعوة إلى هذا المشروع", لكن الاستجابة لم تكن كبيرة لحد الآن.
ويعزو دبلوماسي غربي غياب الاستثمارات الخارجية, إلى غياب شروط الاستثمار, "تعرف البلاد انتشارا كبيرا للرشوة، كما أن البيروقراطية متفشية، وهذا يخيف المستثمرين الغربيين", ثم يضيف "لقد أثار الاتحاد الأوربي أكثر من مرة هذه النقطة، وطالب بإصلاحات اقتصادية كبيرة".
من معيقات الاستثمار في سوق استهلاكية كبيرة، قرابة 230 مليون نسمة، تردد الحكومة في القيام بإصلاحات اقتصادية، لكن الحكومة ترد على ذلك على لسان وزيرها في الخارجية, "إننا لا نرغب في اتباع سياسة حمائية لأسواقنا، لذا قررنا تحرير السوق، لقد أصبحنا أكثر استعدادا لاستقبال الاستثمار الخارجي، فقد بلغت صادراتنا خلال السنة الجارية مائة مليون دولار، إننا نصارع من أجل امتلاك مكانة في هذه الجهة من العالم التي تشتد فيها المنافسة، إننا قرب الصين والهند اللتان تحضيان باهتمام من قبل المستثمرين. إن علينا أن نركز على الإصلاحات الاقتصادية" لتحقيق هذه الغاية، اتبعت الحكومة سياسة اقتصادية، وعينت أحد كبار الاقتصاديين في هذا المنصب المهم في أندونيسيا. كما دشنت الحكومة سياسة تجريبية في مناطق محددة، إذ اختارت الحكومة ثلاث جزر قريبة من سنغافورة وسنت لها قوانين خاصة مشجعة على الاستثمار كالنظام الضريبي, والتخفيف من البيروقراطية.
كما تسعى الحكومة إلى استغلال السوق الداخلية, "تتوفر أندونيسيا على غنى أراضيها، وفي الوقت نفسه على موارد بشرية كبيرة، إننا نعيش في منطقة تتوفر على أسواق كبيرة, لكننا لم نستغل بعد سوقنا الداخلية".
ومن القطاعات التي تعول عليها الحكومة القطاع السياحي، فأندونيسيا أكبر أرخبيل في العالم، تتوفر على 17 ألف جزيرة، كما أن مناخها الاستوائي يجعلها دوما منطقة خضراء جميلة، بالإضافة إلى تنوعها الإثني، حيث تتعدد الديانات,إذ يوجد 87 في المائة في أندونيسيا من المسلمين، بالإضافة إلى أقلية من الهندوس والبوديين والمسيحيين....غير أن الترويج لهذا الغنى على الصعيد الدولي, ضعيف . "لا نملك ميزانية كبيرة لترويج المنتوج السياحي الأندونيسي، وهذا أكبر معيق لتطوير السياحة", يقول مسؤول عن المكتب السياحي ببالي, "إحدى أجمل الجزر السياحية في أندونسيا.
ورغم هذا الجمال, فإن الجزيرة لم تستقطب إلى حدود شهر يونيو المنصرم, سوى نصف مليون سائح، ولم يزرها السنة المنصرمة سوى مليون ونصف مليون سائح. إن الأمر لا يتعلق الأمر بالتسويق فقط، فالإرهاب لعب دورا كبيرا في تراجع السياحة، ففي جزيرة بالي, تمثل السياحة 80 في المائة مرتبطون بالسياحة، وتساهم ب31 في المائة من الدخل المحلي لبالي، غير أن عدد السياح, شهد تراجعا كبيرا بعد الهجوم الإرهابي الذي ضرب بالي السنة المنصرمة، فعدد السياح الأستراليين, تراجع بما يفوق 57 في المائة، وتبحث الحكومة الآن عن أسواق جديدة، مثل الدول العربية, "لقد بدأنا نبحث عن أسواق جديدة في العالم العربي، فالمغاربة الذين زاروا بالي السنة المنصرمة بلغ 93 شخصا، ونحن نأمل أن نستقطب السياح العرب، معتمدين في ذلك على وحدة الدين والتقارب الثقافي"، لكن الإرهاب مازال يهدد أكبر بلد إسلامي، يختار مناطقه السياحية الأكثر نشاطا، لذا قررت الحكومة اتخاذ إجراءات جديدة لمواجهة الظاهرة، ففتحت الحوار مع الأصوليين, كما أطلق سراح الأصولي أبو بكر بشير، لكن نتائج الحوار بعيدة، فمالك المطعم المغربي "الخيمة" ببالي يشرح تجليات الأزمة "السنة المنصرمة وقبل وقوع الهجوم الإرهابي كان المطعم يقدم قرابة 200 طبقا في المساء، أما هذه السنة فلا يتعدى ذلك 60 طبقا". خطاب الحكومة واضح "يمر نجاحنا في معركتنا ضد الإرهاب, يمن خلال منح سلطات إلى المعتدلين من الأصوليين" يقول وزير الخارجية، قبل أن يضيف بيقينية "سننجح في معركتنا ضد الإرهاب".
وتحاول الحكومة الحالية، كذلك، التصدي للنزعات الانفصالية،في تيمور الشرقية، ثم محاولات إقليم "آشي" الذي يطلب الشريعة الإسلامية، استعادت شعارات رفعها محرر البلاد الراحل سوكارنو "شعارنا الوطني هو الوحدة والتنوع، لقد حافظنا على هذا التنوع منذ استقلالنا قبل ستين سنة خلت، إن تنوعنا يفضي إلى نزعات انفصالية, ونحاول أن نتغلب على هذه النزعات بالحوار الحقيقي والمفاوضات، لقد واجهنا خلال 29 سنة خلت نزعات كتلك التي حدثت في جزيرة "أشي", وخلال شهر غشت أغسطس من السنة المنصرمة توصلنا إلى اتفاقية سلام يمكن اعتبارها بالمثالية، وكما حدث في "بابوا الغربية". إنني متيقن أن الحوار الهادف يمكن أن يزيل جميع الصعوبات والمشاكل، إننا نفكر في الحفاظ على وحدتنا رغم تنوعنا، وهذه هي سياستنا المتبعة حاليا", يقول مسؤول حكومي مركزي أندونيسي.
بالإضافة إلى الإرهاب والنزعات الأندونيسية, تعاني الحكومة الأندونيسية من تبعات غضب الطبيعة، فخلال العشرين شهرا الأخيرة, شهدت البلاد زلازل مدمرة كما حدث في جوكجاكارتا شهر مارس المنصرم, وعصف تسونامي ب165 ألف شخصا في إقليم "آشي" الذي يطبق الشريعة الإسلامية، كما أن بركان ميرابي دائم الحركة واستيقاظه ممكن في أية لحظة.
ويطمح الرئيس الحالي استعادة أمجاد أندونيسيا, أمجاد بدأت من استقلالها بعد 350 سنة من الاستعمار الهولندي، على يد القائد سوكارنو، واستمرت مع التطور الكبير الذي شهدته على أيام سوكارنو في الثمانينات وبداية التسعينات، إلا أن الأزمة الاقتصادية عرت مشاكل أكبر بلد إسلامي، ويعول حاليا على الاستثمارات الخارجية وعلى السياحة لاستعادة هبة الأمس القريب.
najim@elaph.com