اقتصاد

باريس – 3» ضرورة لمنع الانهيار الاقتصادي في لبنان والتوافق السياسي شرط لإنجاحه

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

باريس - 3" ضرورة لمنع الانهيار الاقتصادي في لبنان والتوافق السياسي شرط لإنجاحه وتحقيق الإصلاحات


بيروت



سلك لبنـــان الطريق إلى مــؤتــمر "باريس - 3" على رغم العثرات السلبية الداخلية المتمثلة بالأزمة السياسية غير المسبوقة بين الموالاة والمعارضة، وتحفظات القوى السياسية المعارضة والنقابية على بعض مفاصل برنامج الحكومة للإصلاح الاقتصادي، خصوصاً في الجانب المتعلق بالسياسة الضريبية وعمليات التخصيص.

وربما نجحت بيروت في تخطي هذه العقبات متسلحة بشبه إجماع حتى في صفوف الأطراف المعارضين في الداخل على ضرورة عقد هذا المؤتمر، نظراً إلى حاجة لبنان إلى الإمدادات المالية من الخارج لإنقاذ اقتصاده ومجتمعه، وبالدعم الدولي والعربي السياسي والاقتصادي الذي تجسد أخيراً بالاجتماع التحضيري في باريس على مستوى ممثلي الدول المانحة والمؤسسات الدولية والإشادة الإيجابية بالبرنامج.

ولكن في مقابل كل ذلك، يبقى الأهم في مدى التزام تنفيذ البرنامج بحسب روزنامته، خصوصاً أن لا إجماع سياسياً داخلياً على مفاصل في البرنامج، التي تحتاج إلى حوار ونقاش بين الأطراف، وهو ما لا تسمح به الظروف السياسية التي تراوح على وتيرتها الساخنة ومن دون أفق بحل قريب.

وســـألت "الحياة" رئيس جمعية مصارف لبنان فرانسوا باسيل والخبير الاقتصادي غازي وزني عن قراءتهما الأولى للبرنامج، والتوقعات عن مدى تنفيذه في ظل الظروف السياسية السائدة وعدم التوافق عليه، وعن المبالغ التي سيمنحها المؤتمر، وواقعية الأرقام لجهة النمو وخفض الدين والعجز.

أوضح باسيل أن هذا البرنامج "وُضع قبل حرب تموز (يوليو) وتوافقت عليه القوى السياسية بمن فيهم الوزراء الذين تقدموا باستقالاتهم، وما طرأ عليه من إضافات تتمثل بالمعالجات لتداعيات الحرب التي لم تكن ملحوظة".

وأكد أن هناك "ضرورة لعقد مؤتمر باريس - 3، تفادياً للانهيار المالي"، لافتاً إلى أن البرنامج ينص على آلية "تساعد الدولة على إعادة هيكلة الدين العام والإصلاح المالي، الذي يجب أن يتزامن مع الإصلاح السياسي والاقتصادي والإداري". ونبّه إلى أن عدم عقد المؤتمر "يهدد بوقوع لبنان في مشكلة. إذ بات مستوى المديونية مرتفعاً جداً، ولن تتمكن الدولة بعد الآن من الاستدانة من الأسواق المالية الخارجية، حتى بفوائد مرتفعة، وهو أمر لم يعد في إمكانها تحمله".

وشدد على أن المؤتمر "بات ضرورة وطنية وهو لمصلحة الشعب اللبناني وليس لمصلحة الحكومة. وهو لمصلحة استقرار العملة الوطنية"، معتبراً أن "تأثير تعرض قيمة الليرة إلى الانخفاض سيكون على ذوي الدخل المحدود، لأن تراجعها يعني زيادة في كلفة المعيشة، خصوصاً أن لبنان يؤمّن نسبة 80 في المئة من حاجياته من الخارج. هنا تكمن أهمية الاستقرار النقدي الذي حاول حاكم مصرف لبنان والحكومات المتتالية منذ التسعينات الحفاظ عليه، مع العلم أن كلفته كانت عالية بفعل ارتفاع الفائدة. ويشار هنا إلى أن المودعين العرب واللبنانيين استفادوا منها وخصوصاً اللبنانيين الذين يشكلون 80 في المئة من المودعين في القطاع المصرفي".

وعن تقويمه لأرقام النمو وخفض العجز والمديونية من الناتج، أكد باسيل أن الأرقام الملحوظة في البرنامج بالنسبة إلى النمو وانخفاض الدين من الناتج المحلي "متحفظة". إذ توقع أن "تكون معدلات النمو أعلى من 4 و5 في المئة لتتراوح بين 7 و8 في المئة، مع نجاح المؤتمر وحصول لبنان على الأموال التي ستكون على شكل هبات وقروض لمدة طويلة وبالمبالغ المرتقبة والمقدرة بين 6 أو 7 بلايين دولار، وبالتالي حصول التوافق السياسي".

وأشار رئيس جمعية المصارف إلى دور يضطلع به المجلس النيابي ومجلس الوزراء مع نجاح باريس - 3، ورأى أن "اللبنانيين سيتوافقون في كل الأحوال على نتائج المؤتمر". أما بالنسبة إلى الاعتراض على الزيادات الضريبية لما تشكله من أعباء إضافية، فاعتبر أنه "يمكن الجهات المعترضة عدم الموافقة عليها، إذا وجدت أن مصلحة اللبنانيين تقضي ذلك".

وأعلن أنه كان ضد فرض الضرائب وزيادتها قبل 12 تموز، لكنه بات "موافقاً عليها بعد الانخفاض الذي سجلته واردات الدولة من الضرائب المباشرة وغير المباشرة نتيجة حرب تموز الأخيرة، والتراجع في إيرادات المؤسسات، والتدمير الذي حصل". واعتبر أن زيادة نسبة 2 في المئة على الضريبة على القيمة المضافة لتصبح 12 في المئة بدءاً من عام 2008، وعلى فوائد الودائع لتصل إلى 7 في المئة بدلاً من 5 في المئة الآن، "ستعوض قسماً من هذه الإيرادات وسيستفيد جميع اللبنانيين منها"، لافتاً إلى أن الضريبة على القيمة المضافة "لا تفرض على السلع الحياتية الأساسية للمواطن، لذا لن تشكل عبئاً عليه".

أما زيادة الضريبة على الفوائد، فرجح أن "تنعكس خروجاً لبعض الودائع، ولكنها لن تمثل مشكلة". فيما أكد أن تحرير سعر البنزين "بات ضرورة، ويجب التكيف مع الأسواق العالمية لأنه أمر طبيعي"، داعياً إلى "التعود على استعمال النقل المشترك، الذي يجب تطويره". واعتبر أن الأمر ينطبق أيضاً على الكهرباء التي "يجب أن ندفع كلفتها"، سائلاً "كيف يمكن الدولة أن تستمر من دون أموال، وكيف يمكن أن تؤمنها لتقدم لنا الخدمات؟".

وأكد باسيل أن "في حال لم تستعمل حصيلة هذه الضرائب في الوجهة الصحيحة، سيكون لنا دور في المساءلة والمحاسبة والتظاهر".

وعن موقف المصارف المغاير لموقفها من الضريبة على الفوائد بحجة تهريب الإيداعات إلى الخارج، أوضح أن ذلك "شر لا بد منه، وأنا كمصرفي أوافق على ذلك"، موضحاً أن المصرف "لا يستفيد منها ويدفعها المودعون الكبار".

وعن رأيه في اعتماد سياسة مرنة بأسعار الليرة بعد تحقيق الإصلاحات الاقتصادية والمالية، أكد باسيل أن "الاستمرار في سياسية تثبيت سعر صرف الليرة لم يعد مطلوباً، إذ يجب أن يحصل استقرار لسعر الليرة"، معتبراً أن "استقرار الوضع السياسي والاقتصادي هو الذي يؤمن استقرار الليرة الذي يجب أن توفره السوق". وقال: "ما يجب أن يحصل هو العمل على الحفاظ على استقرار سعر صرف الليرة".

وفيما أكد أن معدلات الفائدة ستخفض بعد باريس - 3، شدد أيضاً على "ضرورة التدرج في التعامل بالعملة المحلية بالتزامن مع الإصلاحات الاقتصادية المقررة".

وعن دور القطاع المصرفي في المؤتمر وبعده، خصوصاً أن القطاع المصرفي أعلن عدم تكرار تجربة باريس - 2، أعلن باسيل أن للقطاع المصرفي "دوراً مهماً، إذ يجب أن يضطلع بدور يحل فيه مكان الدولة التي يجب أن يُحجّم دورها، وأن تكلف القطاع الخاص تنفيذ مشاريع البنى التحتية ذات الطابع التجاري". وأكد استعداد القطاع لـ "إيجاد المستثمرين الملائمين وتوفير التمويل اللازم"، معلناً أن المصارف هي التي "ستحدد سقف التمويل الذي تريد التوظيف فيه". وأعلن "وجوب أن تحجّم المصارف دورها في تمويل الدولة وأن توجهه إلى القطاع الخاص بعد تطبيق الإصلاحات التدريجية". وأوضح: "إننا نتعاطى بأموال الناس ولا يمكن التفريط بها، ولا يمكن تجاوز نسبة معينة من ودائعنا في هذا المجال، وهذا الأمر تحدده معايير بازل - 2".

وأكد الخبير الاقتصادي غازي وزني أن المؤتمر "محوري وضروري وأساسي" للوضع الاقتصادي والمالي والاجتماعي، لأنه "السبيل الوحيد إلى الإنقاذ".

وأوضح أن للنظرة إلى المؤتمر "وجهتين لجهة الشكل والمضمون". من ناحية الشكل، لفت إلى أن المؤتمر "سيُعقد من دون أن ينال توافق الأطراف السياسيين، ومن دون أن يصادق عليه المجلس النيابي ورئاسة الجمهورية، ومن دون أن تكون القوى السياسية تبنت مضمون الورقة الإصلاحية التي ستقدم إلى المؤتمر. علماً أن صندوق النقد والبنك الدوليين اشترطا توافق القوى السياسية عليها، لأن هذا البرنامج متوسط المدى (خمس سنوات). ويتخوف الصندوق من ألا تلتزم الحكومات المقبلة هذا البرنامج، كما حصل بعد مؤتمر باريس - 2". لذا رجح أن "تحصل الحكومة على وعود مالية، ولن تُدفع قبل حصول التوافق السياسي على البرنامج. كما سيكون الهدف من المؤتمر تعويم الحكومة وإعطاءها زخماً سياسياً".

وأشـار وزني إلى تجربة باريس - 2، "حيث نال لبنان وعوداً بقروض ومساعدات بقيمة 4.4 بليون دولار، في حين ما حصل عليه بالفعل هو 2.5 بليون دولار". كما لاحظ "عدم تفاعل السوق المالية إيجاباً" مع إعلان برنامج المؤتمر وإقراره، إذ "استمرت الضغوط في سوق القطاع وكذلك تراجعت أسعار الأسهم، خصوصاً سهمي "سوليدير"، في حين كان التفاعل لدى الإعلان عن باريس - 2 مختلفاً، إذ "سجلت أسعار الإصدارات اللبنانية في الخارج تحسناً نسبته 20 في المئة، كما تزايد عرض الدولار في سوق القطع وانخفضت الفوائد بنسبة تزيد على 15 في المئة".

أما لجهة المضمون، فأكد وزني أن الورقة "إيجابية وضرورية، لأنها تتضمن معالجة الاختلالات العامة والمديونية، وتحاول حفز الحركة الاقتصادية وتحسين الوضع الاجتماعي، وذلك من خلال معالجة ملف كهرباء لبنان، التي تكبد الدولة خسائر سنوية تصل إلى بليون دولار، فضلاً عن معالجة نظام التقاعد ونهاية الخدمة الذي ارتفعت نفقاته من واحد في المئة من الناتج المحلي إلى 3.5 في المئة، أي من 150 مليون دولار إلى 650 مليوناً. يضاف إلى ذلك، معالجة التخمة في القطاع العام وتطوير السوق المالية اللبنانية".

لكن وزني رأى أن في مقابل "هذه الإيجابيات" في الورقة الإصلاحية "ثغرات" تتمثل بـ "عدم كفاية وفاعلية الإجراءات المتخذة لحفز النمو الاقتصادي، لأن مساهمة الدولة في حفز النمو من خلال النفقات الاستثمارية متدنية، ومن خلال التشريعات ولا سيما تلك المتعلقة بالحوكمة غير كافية".

كما اعتبر أنها "لا تعالج ضعف القدرة التنافسية للقطاعات الإنتاجية"، ملاحظاً في هذا الإطار "تجاهل الإجراءات الواضحة التي تساهم في تعزيز وضع القطاعات الإنتاجية من صناعية وزراعية، خصوصاً أن هذه القطاعات تضررت بفعل حرب تموز".

أما في المحور الاجتماعي، فأوضح أن الإجراءات المنصوص عليها في البرنامج "غير كافية لتحسين الوضع الاجتماعي، لأن تأسيس لجنة وزارية لتحسين التقديمات الاجتماعية لا يكفي، فضلاً عن أن نفقات الدولة متدنية وهي تقارب 6 في المئة من الناتج المحلي مقابل 10 في المئة في مصر والأردن. كما أن هذه الإجراءات لا توفر شبكة أمان اجتماعي، ولا تعالج المشاكل الإنمائية، بل تقتصر على ذكرها من خلال معالجة مكافحة الفقر والمرض والبطالة والهجرة والإنماء المتوازن".

وعن تقويمه للأرقام الواردة في البرنامج، ومدى تحققها في ظل التأزم السياسي وحظوظ تنفيذ الخطة بحسب جدولتها الزمنية، اعتبر وزني أن معدلات النمو الواردة في البرنامج والمقدرة بـ 4 و5 في المئة "متفائلة"، موضحاً أن "النمو في الفترة السابقة كان يعتمد على القطاع الخاص من خلال الاستثمارات والسياحة العربية، إضافة إلى الاستهلاك". ورأى أن هذه العوامل ستكون "رهن التطورات السياسية والأمنية المستقبلية".

وعن التوقعات بخفض معدلات الفوائد، أكد أن "خفضها ليس سهلاً، لأنها غير مرتفعة الآن إذ يقارب معدلها الوسطي نسبة 8 في المئة، بعكس مستواها قبل مؤتمر باريس - 2، إذ كانت 13 في المئة".

أما بالنسبة إلى خفض عجز الموازنة من الناتج المحلي، فأوضح أن التراجع الذي يحدده البرنامج من 14 إلى 2 في المئة، هو "غير واقعي"، لأن ذلك "يفترض توفير إيرادات كبيرة وضبطاً جدياً للنفقات بعد الإصلاح الاقتصادي خصوصاً خدمة الدين العام".

وعن موقفه من الإجراءات الضريبية لزيادة الإيرادات، أعرب وزني عن خشيته في أن "تطبق الدولة الزيادات الضريبية من دون أن تتمكن من تحقيق الإصلاح في باب النفقات، كما حصل في تجارب سابقة، وعندئذ ستكون الورقة ضريبية".

وعن توقعاته لارتفاع معدلات التضخم بفعل هذه الزيادات، رجح أن "تبلغ معدلات التضخم بين 5 و7 في المئة عامي 2007 و2008".

وإذا كان لديه تصور عن حجم الدعم الخارجي الذي سيقرّه المؤتمر، رجح أن "يبلغ حجم الدعم 10 بلايين دولار، موزعة بين 7 بلايين دولار هبات، و3 بلايين دولار قروضاً. إذ يُفترض أن يغطي مؤتمر باريس - 3 احتياجات الدولة التمويلية للعامين 2007 و2008، التي تقارب 6 بلايين دولار، إضافة إلى نحو 3 بلايين دولار لمساعدة القطاعات الاقتصادية المتضررة وحفز الحركة الاقتصادية".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف