تاريخ الاتحاد العمالي العام...انجازات وشرذمة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
قدم العديد من الشهداء منذ نشوئه في لبنان
تاريخ الاتحاد العمالي العام...انجازات وشرذمة
ريما زهار من بيروت: يحط رحال الاتحاد العمالي اليوم قرب وزارة الاقتصاد في الحمرا في جولة رابعة من الاعتصامات المتنقلة، والملاحظ ان هذه الاعتصامات لم تأت بالاعداد المرجوة وذلك لانقسامات يشهدها هذا الاتحاد اليوم. وفي عودة تاريخية الى نشوء الاتحاد العمالي العام يتضح انه مر بفترات ذروة وفترات محبطة اثقلت كاهله وجعلت السياسة تنخر فيه حتى لم يعد يؤمن ما يحتاجه العمال من مطالب وتطلعات. ويمكن القول ان أولى معالم الديموقراطية في لبنان برزت من خلال ما يُعرف بمؤسسات المجتمع المدني منذ عشرينيات القرن الماضي، وذلك مع تأليف وتشكيل المؤسسات الحزبية والصحفية والنقابية. لقد لعبت تلك المؤسسات عمومًا والنقابات العمالية خصوصًا دورًا مهمًا في الحراك المجتمعي كتعبير طبيعي عمّ مصالح فئات شعبية عديدة في وجه من بيدهم السلطة والمال، دون أو تمتلك في البداية وضوحًا فكريًا أو خلفية سياسية.
اربع مراحل
وبالإمكان تقسيم المراحل التي مرت بها النقابات في لبنان إلى أربع مراحل تبدأ منذ العام 1908 وحتى يومنا هذا، فكانت بادئ بدء الولادة، ثم تلتها مرحلة الانطلاق وإثبات الذات وصولًا إلى اكتساب الشرعية، فغدت الأداة الرئيسية في يد الطبقة العاملة لتحقيق مطالبها، وتسعى مع غيرها من المؤسسات نحو التغيير الديموقراطي للنظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ففي عهد الانتداب الفرنسي، تعرضت الحياة النقابية لتدخل سياسي مباشر، تمثل بداية مع تأسيس اتحاد عمالي لم يستمر طويلًا، لصلته المفضوحة بأجهزة السلطة.
ولأجل التعويض عن الفشل الذي أصاب سلطة الانتداب آنذاك وبشكل يشبه المهزلة، قام الانتداب بإنشاء "حزب العمال العام في لبنان الكبير"، وبشكل هزلي تضمن نظامه الداخلي بنودًا تعجيزية تتعلق برسم الاشتراك الشهري للعامل العادي يفوق قدرته المالية لمنعه من الانتساب أو على الأقل لعدم تشجيعه. كذلك فقد شهدت تلك المرحلة حدثًا له بالغ الدلالة في تاريخ الحركة العمالية، وهو الاحتفال الجماهيري الحاشد الذي أقيم في سينما كريستال بمناسبة عيد العمال في الأول من أيار(مايو) من العام 1925، وقد أعتبر الحدث الذي وضع روح الحركة العمالية داخل جسمها العمالي الحقيقي، حيث ظهر لدى القادة النقابيين امتلاك أدوات الوعي التنظيمي والرؤية الكفاحية التي اتحدت مع الالتزام بالمبادئ من قبل العمال وقادتهم.
البرامج
وأصبحت البرامج المتضمنة الرؤية والأهداف والمطالب المعبرة عن معاناة العمال تصاغ على قاعدة استقلال الحركة النقابية. فغدا مفهوم الوعي الطبقي سائدًا، وأخذ الصراع يظهر على مسرح الواقع كصراع طبقي. ولقد لعب النقابيون الشيوعيون دورًا مهمًا في هذا المجال وذلك انطلاقًا من التغيير عن مصالح الطبقة العاملة وحرصًا على وحدتها، فجاءت أبرز النضالات تحت عنوان تحديد ساعات العمل بثماني ساعات وتحديد الحد الأدنى للأجور.
وشهدت هذه الفترة تشكيل "الإتحاد العام لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان" برئاسة "مصطفى العريس" وإنشاء لجنة لتنظيم العمال في لبنان بمبادرة من حزب الشعب لنشر الوعي التنظيمي وتشجيعهم للانضمام إلى النقابات، فزادت النضالات والإضرابات المنظمة بشكل ملحوظ وكانت التعبئة تتم على خلفية المطالب التي تجذر الوحدة العمالية والنقابية.
شهداء
أما على مستوى التضحيات البشرية فكانت بداية مع سقوط "وردة إبراهيم" أول شهيدة للحركة العمالية في العام 1946 برصاص قوى الأمن الداخلي من خلال إضراب عمال وموظفي شركة" الريجي". أما على المستوى الإنجاز الكبير فيما يتعلق بتحقيق المطالب فقد تم إقرار قانون العمل بعدما كان العامل محرومًا من أبسط حقوقه حتى الإنسانية منها: لا تحديد لساعات العمل ولا أجازات سنوية أو مرضية. أما أبرز ما ظهر في الحقبة الثانية من تاريخ الحركة النقابية الممتدة من 1946 إلى 1970 على المستوى العمالي هو انسحاب الانقسام الفكري والطبقي على النقابات العمالية العالمية بسبب الحرب الباردة، والجدير ذكره أن"مصطفى العريس" فاز بعضوية اللجنة التنفيذية في المؤتمر التأسيسي لاتحاد النقابات العالمي على مندوب منظمة "الهستدروت العالمية الصهيونية". لقد شهدت هذه الفترة تضييقاً على الحريات النقابية، فتم اقتحام الاتحاد العام للنقابات واعتقال "مصطفى العريس" وعدد من النقابيين.
في العام 1951 ظهر انحياز السلطة ضدّ الطبقة العاملة وممثليها إذ وقعت الحكومة اللبنانية على "اتفاقية النقطة الرابعة" من برنامج" ترومان"، رئيس الولايات المتحدة، التي كان من أهدافها ضرب العمل النقابي والحد من نشاطه وإخضاعه لمراقبة شديدة خصوصًا للنقابات اليسارية، وبالإمكان اعتبار هذه الحقبة من أهم الحقب وخصوصًا بعد إصدار قانون الضمان الاجتماعي بكافة فروعه نتيجة لنضالات الطبقة العاملة وعلى رأسها الشيوعيين. أضف على ذلك، إصدار القانون المتعلق بالعقود الجماعية التي تنظم بمقتضاها شروط العمل بين ممثلي العمال في نقابة أو أكثر، أو اتحاد أو أكثر وبين أرباب العمل سواء أكانوا أفرادًا أم هيئات.
المرحلة الثالثة
أما المرحلة الثالثة الممتدة من العام 1970 حتى 1990، تعتبر من أكثر المراحل التي كانت فيها الحركة العمالية اللبنانية متوحدة على الرغم من بوادر الانقسام التي بدأت بالظهور بين القوى السياسية نتيجة لعوامل داخلية وخارجية. وقد حافظت الحركة العمالية على وحدتها رغم محاولات تقسيمها ولم تخلُ هذه الحقبة من تحقيق مطالب مهمة وأساسية كفرض تطبيق الضمان الصحي ودخول الاتحادات اليسارية إلى الاتحاد العمالي العام. و شهد الشارع النقابي احتجاجات مهمة، كالتي قام بها "عمال غندور" نتيجة لتدني أجورهم. وفي هذه الاحتجاجات قدم العمال شهيدين هما: "يوسف العطار" و "فاطمة خواجة"، كما سقط ، أيضاً، في تظاهرة التبغ شهيدان هما: "نعيم درويش" و "حسن محمد حايك".
المرحلة الرابعة
المرحلة الرابعة، بدأت من العام 1990 حتى اليوم، ولا نغالي إذا قلنا إن هذه المرحلة من أسوأ وأخطر المراحل التي مرت وتمر بها الحركة النقابية منذ ما بعد "اتفاق الطائف"، فالتحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية أثرت على بنية الفئات الاجتماعية وركيزتها الطبقة الوسطى، وتكرس النفوذ الطائفي، فتسربت من خلالها آفة المحاصصة إلى الجسم النقابي الذي كان محصنًا حتى في ظل الحرب الأهلية، وتم وضع اليد على الاتحاد العمالي بمساعدة وزارة العمل التي تعاقب عليها وزراء هم بالأساس نتاج محادل السلطة، الأمر الذي انعكس سلبًا على دور الطبقة العاملة على الرغم من بعض المحاولات التي قامت بها القوى الديموقراطية في الجسم العمالي والنقابي، وما نشهده اليوم من تدهور ليس إلا دليل على التبعية ، فانعدمت استقلالية الاتحاد العمالي العام، وهذا ما أفقده الشرط الأساسي للقيام بدوره الطبيعي كمدافع عن مصالح أوسع فئات الشعب اللبناني.