اقتصاد

أوروبا واميركا تتخوفان من تآمر روسيا والجزائر في الغاز

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

أوروباواميركا تتخوفان من تآمر روسيا والجزائر في الغاز


إيغور تومبيرغ


لا تكف وسائل الإعلام الأوروبية والأمريكية عن التحدث عن أمن الطاقة. وكان هذا الموضوع يشكل أحد المواضيع الرئيسية في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا. فقد أثارت قلقا كبيرا لدى أوروبا على سبيل المثال زيارة وزير الصناعة والطاقة الروسي فيكتور خريستينكو مؤخرا إلى الجزائر تلبية لدعوة نظيره الجزائري شكيب خليل.

ووقعت روسيا والجزائر في ختام مباحثات الوزيرين اتفاقية حول استثمار حقول الوقود الهيدروكربوني ومناجم خامات المعادن كما اتفقتا على التعاون في ميدان الطاقة الكهربائية ومسائل توريد الطاقة.

وإن كلا من روسيا والجزائر تلائم الأخرى كشريكين بشكل مثالي إذ تشمل نشاطاتهما دون التنافس فيما بينهما (عبر خطوط أنابيب نقل الغاز وعمليات النقل بالناقلات) مساحة أوروبا كلها تقريبا. فالجزائر تؤمن أكثر من 10 بالمائة من احتياجات أوروبا إلى الغاز. وتسيطر سوية مع شركة "غاز بروم" الروسية على ما يقارب 40 بالمائة من سوق الغاز الأوروبية. علما أن الجزائر تورد الغاز إلى المنطقة الأوروبية الواقعة في حوض البحر الأبيض المتوسط، فيما تؤمن روسيا الوقود الأزرق لشمال أوروبا.

ولا يخفي الطرفان وجود مصالح لهما في البلدان الأخرى. فتحظى باهتمام شركة الغاز الروسية الاحتكارية مناطق بجوار الجزائر مثل ليبيا وموريتانيا ومالي وبعض بلدان وسط أفريقيا حيث تعمل تقليديا شركة "سوناطراك" الجزائرية ـ شبيهة بـ "غاز بروم".

وسيقتصر هذا التعاون في المرحلة الأولى، إذا تيسر، على أعمال الاستكشاف الجيولوجي المشتركة. ويحظى باهتمام "غاز بروم" أيضا التغلغل بمساعدة الجزائريين في أسواق جنوب أوروبا ـ أسبانيا والبرتغال وجنوب إيطاليا. وبالمقابل قدمت وعود لـ"سوناطارك" بمساعدتها على دخول بلدان شمال أوروبا حيث مواقع "غاز بروم" قوية تقليديا. ويدور الحديث حول عمليات تبادل السلع عندما يكون بوسع "غاز بروم" توريد الغاز إلى الشمال تنفيذا لعقود "سوناطراك" مقابل الحصول على كميات مساوية من الوقود لتوريداتها إلى الجنوب. ولا مفر في غضون ذلك من التنسيق في ميدان التسويق وتحديد الأسعار.

وإن امكانيات تعاون البلدين هذه تقلق المحللين الأوروبيين والأمريكان جدا. فمن الممكن فهم الامريكان إذ أن مواقع شركات النفط والغاز العملاقة قد ضعفت في الجزائر بشكل ملموس.

فيجري الحديث حول تصفية الشركة الأمريكية الجزائرية "Brown Roots amp; Condor" أعمالها. كما جرى تناقل أخبار حول نية الشركة الأمريكية "Conoco Philips" الخروج من الجزائر وبيع حصتها في هذا البلد التي اقتنتها من شركة "Burlington Resources" في ديسمبر (كانون الأول) عام 2005. وإثر قرار الحكومة الجزائرية حول الحفاظ على 51 بالمائة من أسهم حقول النفط والغاز بعهدة شركة النفط والغاز الوطنية الجزائرية "سوناطراك" خرجت من الجزائر مجموعة شركات "Anadarko".

وإن الغرب قلق بالطبع من ظاهرة ضعف مواقع شركاته النفطية الغازية في مناطق الاستخراج بشكل عام. وإذا كانت البلدان المستهلكة تسيطر من خلال شركاتها عمليا على استخراج النفط في الخارج في الماضي، فقد أخذت تزيح هذه الشركات بنشاط متزايد لا الشركات الاحتكارية الوطنية في بلدان الاستخراج فحسب بل والشركات المنافسة من الصين والهند وفنزويلا واندونيسيا وروسيا. ومن الواضح أن هذا السيناريو يتعارض مع التخطيط الإستراتيجي الأوروأمريكي. وتثير قلق الغرب جدا بوادر نية روسيا تشكيل كارتيل غازي عالمي يضم بالإضافة إليها كلا من الجزائر وقطر وليبيا وبلدان آسيا الوسطى وإيران ليشغل محل "أوبك" في المستقبل، على حد الزعم.

ولكن لا يدور حاليا الحديث حول تشكيل بنية معينة نظامية من طراز "أوبك غازي". وإن البلدان المستخرجة للغاز علاوة على ذلك تتنصل بنشاط من الاتهام بالسعي لتأسيس كارتيل كهذا.

وأشار المشاركون في المباحثات في الجزائر إلى أن روسيا والجزائر تعتبران فكرة إنشاء كارتيل للبلدان المنتجة للغاز سابقة لأوانها. وقد أوضح وزير الطاقة والثروات الطبيعية الجزائري شكيب خليل أنه "سابق لأوانه ومن الصعب جدا التحدث عن إنشاء "أوبك غازي"...".

ومن الظريف أن قيادة الاتحاد الأوروبي تفعل حاليا كل شيء من اجل أن تكتسب سوق الغاز الملامح التي تتصف بها سوق النفط وبالتحديد حظر العقود الطويلة الأمد. وإن أوروبا بتطبيقها "نظريتها الغازية" تدفع البلدان الموردة بهذه الصورة إلى تأسيس "كارتيل". فإن الاتحاد الأوروبي يعلن بصراحة عن ضرورة بلورة إستيراتيجة غاز موحدة للبلدان التي تستهلك الغاز وعلى هذه الخلفية تكون إجراءات الدول الموردة بالمقابل متوقعة تماما وكذلك مسيرة روسيا والجزائر وإيران نحو تشكيل تنظيم غازي على غرار "اوبك" منطقية تماما.

وبدأ اتخاذ أولى الخطوات العملية على هذا الطريق إذ ناقش قادة روسيا وإيران خطط تبادل موجودات شركات الغاز على أعلى مستوى سياسي. كما انتقل تبادل الموجودات مع الجزائر إلى المستوى العملي. وقد يعتبر هذا بمثابة مساعي من جانب موسكو لربط منافسيها المحتملين الأساسيين في سوق الغاز الأوروبية بها بصورة وثيقة أكثر. وهذا لاسيما وأن الجميع يستوعبون جيدا أن كميات كبيرة من الغاز الإيراني (9ر26 تريليون متر مكعب) ستتحول عاجلا أم آجلا إلى توريدات إلى الاتحاد الأوروبي.

ومن الممكن تماما أن يجري تنسيق مواقف موسكو والجزائر وطهران في منتدى خبراء الغاز القريب الذي سيجري في أبريل (نيسان) في دولة قطر. ومن الممكن التكهن بكل جرأة بأن أيديولوجية الكارتيل ستتجلى بصورة متزايدة على خلفية تنامي محاولات البلدان المستهلكة للاتحاد على أسس الكارتيل نفسها.

*كبير الخبراء في مركز بحوث الطاقة لدى معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف