الاقتصاد السياسي للثورة الإسلامية في إيران
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
د.صلاح نيّوف
يرى العديد من الاقتصاديين الإيرانيين أن التغيير و الاستمرارية في إستراتيجية التنمية الاقتصادية في إيران يمكن حصره في ثلاثة محاور: إستراتيجية التصنيع، "الاشتراكية الإسلامية" والإستراتيجية الليبرالية. ولكن ما هي العوامل المحددة للاستمرارية و التغيير في إستراتيجية التنمية في إيران ؟ يقول الباحث الإيراني محمد علي شيردل:" تغير إستراتيجيات التنمية يوضح من خلال التغيرات والتحولات في المؤسسات السياسية، وبشكل خاص الدولة. والنموذج الموضح هو التالي : الشكل و التفاعل الخاص لأربعة عوامل يبين الخيار و التغيير في إستراتيجيات التنمية الاقتصادية في إيران: الدولة، المجتمع المدني، النظام الدولي والأفكار".
حتى الباحثين الاجتماعيين الإيرانيين كان لهم رأيهم في هذا الموضوع. وتحدثوا أيضا عن تغيرات إستراتيجية التنمية الاقتصادية بعد الثورة الإسلامية في إيران. وميزوا بين ثلاث إستراتيجيات طبقتها الدولة قبل وبعد الثورة. الأولى، إستراتيجية التصنيع التي طبقها الشاه الأخير بين عامي 1960 و1978. الثانية، الإستراتيجية الراديكالية "للاشتراكية الإسلامية" واتبعتها الدولة الثورية الجديدة أثناء الجمهورية الأولى بين عامي 1980 و1988. ثالثا،الإستراتيجية الليبرالية للتنمية وتجسدت في برامج التغيير الهيكلي أو البنيوي وتبنتها الدولة الإسلامية في الجمهورية الثانية بين عامي 1989 و 1997.
يمكن محورة الأسئلة التي طرحها الاقتصاديون الإيرانيون حول النمو في بلادهم حول قضايا محددة: أولها الكيفية التي يتم من خلال إنتاج السياسات الاقتصادية حيث أنهم توصلوا إلى أن مسألة السياسة الاقتصادية هي مسألة أو عملية سياسية وليست اقتصادية؛ مستخدمين في أبحاثهم النظريات التي تعالج العلاقة و التفاعل بين "السياسي" و "الاقتصادي". فالتغير والتحول في المؤسسات السياسية يحدث تغيرات في السياسات الاقتصادية.
أولا ـ الدولة
فالدولة الإيرانية وفق محمد علي شيردل:" هي الفاعل والممثل للمؤسسات، وهي التي تحدد إستراتيجية التنمية. والعناصر الأساسية لهذا العامل هي 1) "الريعية" : ومفهوم " الدولة الريعية" يمكن أن يعتبر كمفهوم ما قبل الاقتصاد الريعي. "الدولة الريعية" هي دولة والتي فيها الدخول تأتي من مصادر خارجية بشكل خاص وليس من مصادر ضرائبية محلية. 2) الأسلمة : تكوين دولة ترتكز على الشريعة الإسلامية. هذا ممكن بسبب الدمج بين الدين والسياسة، بين السلطة الزمنية والروحية، بين الزعامة الدينية و الزعامة السياسية. 3) توازن السلطة بين الفرقاء: حيث يتم تركيز العمل حول وظيفية الدولة ونتائجها السياسية و الاقتصادية. 4) درجة مركزة السلطة القرارية أو سلطة القرار".
أما في عملية إنتاج السياسات الاقتصادية، الدولة تتموضع بين نوعين من القوى: قوة المجتمع المدني وقوة النظام الدولي. والدولة الإيرانية امتلكت قوة كامنة سمحت لها ليس فقط بالتحكم بالضغوط الخارجية والداخلية، ولكن أيضا بتحديد نتائجها.
ثانيا ـ المجتمع المدني
يطرح السؤال هنا من خلال علاقة المجتمع بالدولة كما يرى محمد علي شيردل. بشكل مختصر يقدم هذا الأخير ثلاث مقاربات للمسألة. الأولى، تتعلق بالتعددية والبنية الوظيفية و الماركسية للمجتمع. الثانية،تحليل للدولة نفسها. الثالثة، العلاقة المتبادلة والتفاعلية بين الدولة والمجتمع المدني. ويضيف الباحث الإيراني أنه ليس الهدف هو التمييز بين الدولة والمجتمع، ولكنه الشكل الذي يربطهما. فمن جهة يمكن أن نرى تأثير السياسة على المجتمع والمجموعات الاجتماعية، ومن أخرى، أن العديد من القوى الاجتماعية يمكن أن تلعب دورا هاما في تغيير السياسات العامة.
أما المجتمع المدني فيتكون من مجموعات لها تأثيرها على اتخاذ القرار في الدولة. ويمكن التركيز على المجموعات التالية: 1) المجموعات ضمن فئة رأس المال. وهي تنقسم إلى اثنتين : التجار التقليديون والبرجوازية الصناعية الحديثة. 2) المجموعات ضمن فئة العمل، لاسيما العمال الصناعيين. 3)المجموعات ضمن فئة الأرض، الزراعية و الريفية. 4) الكهنوت أو رجال الدين. 5) المجتمع المدني الحديث ومكوناته الاجتماعية.
ثالثا ـ النظام الدولي
من خلال مفهوم "النظام الدولي"، يرى محمد علي شيردل: "أن التحليل يجب أن يكون على مستويين:مستوى "الماكرو" وهو بنية النظام الدولي، ومستوى "الميكرو" وهو وحدات النظام الدولي.في المستوى الأول، يقوم التحليل على التفاعل بين إيران وبنى النظام الدولي، وفي المستوى الثاني، تتم معالجة العلاقات الخارجية و دبلوماسية الدولة الإيرانية مع الدول الأخرى". في الواقع ضمن هذه النظرة،النظام الدولي يشكل مخاوف متعددة لمسيرة الإنتاج و تطبيق السياسات الاقتصادية للدولة. مخاوف نذكر منها :السياسية،العسكرية و الاقتصادية.
رابعا ـ الأفكار
النخب الإيرانية القوية يمكنها تبني العديد من الأفكار، ولكنها لا تستطيع أن تعيش لفترة طويلة إذا لم تجد مكانا لها في المؤسسات. فمثلا في إيران فكرة "ولاية الفقيه" تم إدخالها في مؤسسات الدولة. وهذه الفكرة تمارس تأثيرا أساسيا على العملية السياسية، لأنها أصبحت مؤسسة. إيديولوجية الإسلام السياسي عمليا دخلت في الدستور بعد الثورة الإسلامية. وانطلاقا من هذه القاعدة المؤسساتية ،نظريات الاقتصاد الإسلامي أصبحت المبادئ الهامة وقواعد الاقتصاد السياسي الإيراني.
"الإيديولوجية الإسلامية هي عامل بنيوي يشكل قلقا وخوفا على إنتاج إستراتيجيات للتنمية" كما يرى"ميهرداد فاليبيجي" في كتابه Islamic Economics and Economic Policy Formation in Post-Revolutionary Iran. ويتابع الكاتب أنه في الفترة التي تلت الثورة الإسلامية،المنافسة بين إيديولوجيتين مختلفتين حول الاقتصاد الإسلامي 1) إيديولوجية النظام الاقتصادي الليبرالي و2) الإيديولوجية الاقتصادية الراديكالية أو الاشتراكية الإسلامية، حددت خيار إستراتيجيات التنمية الاقتصادية.
إستراتيجية التصنيع بين "الشاه" و الثورة.
"في الواقع وقبل زمن طويل، المسرح السياسي الإيراني شهد تكون وتشكل ثم إعادة إنتاج للدولة المطلقة المتجسدة في شخص".( هوما كاتوزيان، الاقتصاد السياسي لإيران الحديثة، صادر بالإنكليزية في لندن). هذه السمة للدولة الإيرانية ترافقت مع ظهور الاقتصاد الريعي وخاصة بعد عام 1960.حيث الاقتصاد البترولي أدى لولادة دولة ريعية عملت على إحداث تغييرات سياسية،اجتماعية و اقتصادية هامة. ريع البترول عزز من ميزات استقلال الدولة وأضعف مكانة المجتمع المدني. ومع استقلالية كبيرة،دولة الشاه رفعت من قدرتها في تحييد المعارضة وقوت مراكز المجموعات الاجتماعية التي وقفت معها.
كذلك، الشاه جرّب إبعاد الجماعات التي تعتبر كصعوبات في وجه التحديث والتصنيع السريع للبلاد. ووفق الشاه، فإن طبقة الملاك العقاريين، البرجوازية التقليدية "البازار" و الكهنوت الديني يشكلون صعوبات أمام خلق بلد فيه تنمية. بالمقابل، هذا ليس حال البرجوازية الحديثة، لأنها أداة ضرورية في صيرورة التنمية الاقتصادية.( يمكن مراجعة كتاب "يرفان أبرهميان"، إيران بين ثورتين، بالإنكليزية، جامعة برانكتون، برانكتون 1982).
" دولة الشاه أيضا طورت علاقة "زبونية" مع الولايات المتحدة. فالعلاقة المميزة مع واشنطن خلقت فرصا أمام الشاه لتقوية مكانه في مواجهة المجتمع المدني والنظام الدولية معا. هذه العلاقة الزبونية بين إيران في عهد الشاه والولايات المتحدة عززت ليس فقط السياسة الخارجية للشاه، بل أيضا السياسات الاجتماعية و الاقتصادية للحكومة". ( من كتاب "مارك كاسيوروسكي"، السياسة الخارجية الأمريكية والشاه، بناء دولة زبون في إيران، جامعة كورنيل، 1991). إذا، لقد لعب الشاه دورا قاطعا في اختيار إستراتيجية التنمية. و الدول الغربية لاسيما الولايات المتحدة كان لها دور محوري في تكوين و تطبيق إستراتيجية التصنيع السريع انطلاقا من الريع البترولي. هذه الإستراتيجية يقول "فيروزي ناهافندي" أنها طبقت على مرحلتين :الأولى،وكان هدفها خلق وتطوير صناعات خفيفة لتأمين الاستهلاك. الثانية، هدفت إلى تبديل المستوردات من التجهيزات الضخمة بمواد وسطية ونصف مصنعة.( كتاب ،أسيا جنوب/غرب:أفغانستان ـ إيران ـ باكستان، باريس 1991).
إستراتيجية التنمية "الشاهنشاهية" بدلت البنى الاقتصادية والاجتماعية. ونتج عنها توسع سريع للقطاع الصناعي، وكان هذا على حساب القطاع الزراعي.كان الشاه يطمح لوضع إيران في قائمة الخمسة المصنعين في العالم، لكن هذه السياسة أدت لأشياء عكسية. ففي الفترات الأخيرة من عمر نظامه، نمو الصناعة سقط سقوطا حرا. في النهاية، ترك الشاه وراءه اقتصادا تابعا للعائدات البترولية صناعة مازالت في حالة مخاض من غير ولادة حتى الآن.