الاقتصاد السياسي للتنمية في إيران ما بعد الثورة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
د.صلاح نيّوف - باريس
1ـ عناصر التنمية الاقتصادية
يمكن و بالاستناد إلى المراجع و التحليلات الاقتصادية الإيرانية تحديد عدة صفات أساسية للدولة الإسلامية في تعاملها مع إنتاج إستراتيجيات التنمية. الأولى، هي استمرار الدولة الريعية، كما كان في عهد الشاه. إذا يمكن اعتبار الدولة الإسلامية الإيرانية دولة ريعية. نذكر هنا أن إيران الجمهورية الأولى وبسبب الثورة والحرب،الإنتاج والتصدير للبترول انخفض بشكل كبير. ورغم هذا التراجع الكبير لعائدات البترول،فإن أكثر من 50في المئة من دخل الدولة جاء من التصدير المباشر للبترول. ( كتاب، الاقتصاد الإيراني تحت الجمهورية الإسلامية، جاهنجير أموزيغار، بالإنكليزية، نيويورك 1993،ص 350).
وفي أثناء الجمهورية الثانية،التبعية تجاه العائدات البترولية ارتفعت عن هذه النسبة. هذه العائدات تشكل مابين 50 -80في المئة من الميزانية الوطنية، أما عائدات الضرائب فلا تكاد تصل إلى 20في المئة. (انظر: مسعود نيلي، الاقتصاد الإيراني، طهران 1997، ص 228ـ 235،مترجم إلى الفرنسية). وما بين 75 -85في المئة من الإنتاج الوطني يعتمد بشكل مباشر أو غير مباشر على الريع البترولي. وأكثر من 80% من العملات الأجنبية الضرورية لعمل الاقتصاد تأتي من تصدير البترول.
الصفة الثانية، هي أسلمة كل المؤسسات السياسية،الاقتصادية والاجتماعية.(انظر: ميهرداد حاجياجي،السياسة والإيديولوجية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية،مجلة دراسات الشرق الأوسط،عدد29، كانون الثاني 1993، ص36ـ52). هيمنة الدين على الحياة السياسية و الاقتصادية معترف بها في الدستور الإيراني. ووفق هذا الدستور: الطابع الديني للجمهورية يجب أن يكون مكفولا من خلال تسمية أو تعيين "الفقيه". هذا الأخير لديه سلطة السيطرة على كافة المؤسسات التابعة للدولة. أيضا كل القوانين التي يقرها البرلمان يجب أن تكون من الشريعة الإسلامية. والمادة 91 من الدستور تقر بأن "مجلس حفظ النظام" عليه مراقبة القوانين التي يشرعها البرلمان.
أُسس المجلس "لحماية تعاليم الإسلام والدستور ضد كل تمزق أو اختلاف يقع في البرلمان". وإذا وجد قانون لا يتماشى من الشريعة الإسلامية ، عليه العودة إلى المجلس لإعادة النظر فيه. هذه العملية تستمر حتى يعلن جماعة "حفظ النظام والدستور" بأن القانون لا يتناقض أو يتضارب مع الشريعة. هناك قوانين مثل ( الإصلاح الزراعي، والتأميم والتجارة الخارجية، قانون العمل) رفضت من قبل جماعة"حفظ الدستور والنظام" لأنها وفق وجهة نظرهم تتناقض من أحكام الشريعة. (انظر: مهريداد فاليبيجي،الاقتصاد الإسلامي و تكوين الاقتصاد السياسي بعد الثورة الإيرانية،دراسة نقدية، صحيفة Journal of Economic Issues, 1993).
مع ذلك، الاقتصاد الإسلامي كان موضوعا لحوار مكثف بين التيارين الإيديولوجيين الإسلاميين. الاختلاف نتج عن مقاربات وتفسيرات مختلفة للنصوص الإسلامية التي تخضع للعديد من العوامل الاجتماعية،السياسية، الاقتصادية و العلمية. التيار "الليبرالي" قدم تفسيرا بالاستناد إلى الاقتصاد الرأسمالي الذي يستند بدوره إلى آليات السوق والعلاقات الرأسمالية للإنتاج. و الإسلام يضمن احترام الملكية الفردية ويشرعن تراكم رأس المال ضمن سياق من المبادئ الإسلامية. ضمن اقتصاد السوق هذا، دور الدولة محدود جدا.
أما أعادة توزيع الدخل و الثروة ليس أولوية في هذا النظام،لأن النموذج الرأسمالي يسعى للوصول إلى أعلى درجة من الرفاهية عند جميع الطبقات الاجتماعية. التيار المعاكس قدم تفسيرا راديكاليا للاقتصاد الإسلامي "اشتراكية إسلامية". من أهم مبادئها هو الرفض المطلق للنموذج الرأسمالي لتنظيم العلاقات الاقتصادية بين عوامل الإنتاج. مبدأ آخر مهم: إنه العدالة الاجتماعية و إعادة توزيع الثروة.ووفق هذه المقاربة، "الإسلام هو دين المضطهدين الذي يثورون ضد البرجوازية".
الرؤية الاقتصادية للقادة الكارزمتيين للثورة الإسلامية تلعب دورا كبيرا في تحديد إستراتيجية التنمية. إنها تصر على اقتصاد إسلامي وكأنه "طريق ثالث" بين الرأسمالية و الماركسية. "حميد عنايات" صنف الرؤية الاقتصادية " لآية الله الخميني" ضمن المعسكر الاشتراكي. ( Hamid Enayat, " Iran :Khumaynirsquo;s concepts of the Guardianship of the Jurisconsult in Isalm in the political process " ). الخميني تحدث عن صراع بين طبقتين اجتماعيتين "mustazafin" و " mustakberin"، بمعنى آخر الفقراء والأغنياء. وقد وضع نفسه كمدافع عن المستضعفين.
هذا العامل الثقافي، وهو عامل إيديولوجي بامتياز في الاقتصاد الإسلامي، هو شرح للخيار الإيراني في السياسات الاقتصادية. ولكن يوجد نقاط ضعف في هذه المقاربة الثقافية للاقتصاد. أولا،الاقتصاد الإسلامي ليس أيديولوجية متماسكة و متجانسة تمتلك قواعد اقتصادية تميزها أو خاصة بها.حيث أنها تتمركز على تفسير مغاير بل متناقض مع النصوص الدينية. ثانيا، المقاربة الثقافية لا تبين لماذا الحكومة تجبَر على تطبيق مبادئ لنموذج خاص من الاقتصاد الإسلامي. وهنا لا بد من السؤال عن صيرورة تكون الدولة، حول ظاهرة "الزبائنية أو الزمر" في العلاقات بين الدولة والمجتمع المدني.
ثالثا، هناك تعدد في مراكز صناعة القرار. فمع انتصار التيار الإسلامي، بشكل تدريجي الدولة الإسلامية تتقدم، لتعطي ثلاث تيارات. يمكننا تمييز هذه الثلاث حيث الصعود والهبوط يؤثر على طبيعة تشكل الدولة الإيرانية، وفي النتيجة التأثير على اختيار إستراتيجية التنمية، الثلاث هي التالي: اليمين المحافظ،اليسار الراديكالي،التيار البراغماتي المعتدل.خلال الجمهورية الأولى، التياران الأولى و الثاني، كانا في حالة صراع مباشر. الثالث،البراغماتي، أصبح مؤثرا منذ عام 1987. هذا الصراع أثر بشكل كبير جدا على المؤسسات التشريعية في البلاد مما أعاق عملية التنمية الاقتصادية.
على مستوى المجتمع المدني الاقتصادي، الملاك العقاريون الذين أضعفوا من قبل إصلاحات الشاه الاقتصادية، خضعوا لضغط كبير من قبل الثوار الإسلاميين. ففي مناخ ثوري، الصراع بين المزارعين و الملاك العقاريين كان قد بدأ بقوة. وقادة الثورة دعموا المزارعين في وجهة الإقطاع القائم و عملية الإصلاح الزراعي، في النهاية دمرت الطبقة الإقطاعية بالكامل.
البرجوازية الصناعية أيضا تم القضاء عليها وتم تبديلها برأسمالية الدولة. ومعظم أعضاء هذه الطبقة،حوالي ألف عائلة، تركوا البلاد للإقامة في أوربا و الولايات المتحدة. إضعاف البرجوازية الصناعية ترك هامشا كبيرا للمناورة أمام "المجالس العمالية". مع ذلك، هذه المجالس تم تحويلها من قبل الدولة الإسلامية من أجل السيطرة بشكل أفضل على المشاريع وعلى العمال.
لقد أصبحت كلمات مثل الرأسمالية و الرأسمالي من أكثر الكلمات كراهية في المجتمع "الثوري" الجديد.لا أحد يتجرأ بالحديث عن أهمية رأس المال أو وجود قطاع خاص قوي من أجل إطلاق وتحريك الاقتصاد. ضمن هذا المناخ، معظم الصناعات تم تأميمها. وحتى عام 1983 أكثر من 230 من بين المشاريع الأكثر قوة في رأس المال انتهت إلى التأميم، وهذا ما يشكل أكثر من 80% من القطاع الخاص. ليصبح في إيران رأسمالية دولة بدلا من قطاع خاص. ( Mansoor Moaddel, " class Struggle in Post-Revolutionary Iran, P.324).
مع ضعف الملاك العقاريين و البرجوازية الصناعية، البرجوازية التقليدية ستصبح قوة اجتماعية.و التنافس بين البرجوازية التجارية و رأسمالية الدولة كان الطابع الأساسي للاقتصاد السياسي للجمهورية الأولى. فهذا النصر التاريخي للثورة الإسلامية كان فرصة استثنائية للتحالف بين البازار/الكهنوت ولتقوية مواقعهم في المجتمع الإيراني. أخيرا، الصراع بين هذه القوى الاجتماعية ( إكليروس،بازار،برجوازية تجارية،راديكاليون ثوريون..الخ) كان سمة هذه الجمهورية، حيث جميع هذه القوى جربت السيطرة على سياسات الدولة من خلال مجموعات أوصلتها إلى مفاصل ومركز القوة في الدولة. ( انظر، محمد علي شيردل، التنمية الاقتصادية في إيران،مرجع سابق).
يتبع