سوناطراك الجزائرية .. قصة نجاح مستمر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
كامل الشيرازي من الجزائر: تعدّ مجموعة المحروقات الجزائرية "سوناطراك" المملوكة للحكومة، أعرق مؤسسة في الجزائر، وقد اقترن إسم سوناطراك بالاقتصاد الجزائري وبكونها الرئة التي تتنفس منها الدولة الجزائرية، فمن هي سوناطراك؟، وماذا عن رصيدها ومشاريعها وتطلعاتها في بلد يسبح فوق بحيرة من النفط.
هكذا كان المسار
سوناطراك هي شركة النفط والغاز الأولى والوحيدة في الجزائر، إسمها الكامل "الشركة الجزائرية للبحث والتنقيب والاستغلال ونقل المحروقات"، مسؤولة عن استغلال المصادر النفطية والغازية الهائلة في البلاد وكذا عن بيعها. تأسست سوناطراك في 31 ديسمبر/كانون الأول 1963، وقطعت على مدار الـ44 سنة الماضية، أشواطا من النجاحات ، فمن مؤسسة صغيرة لم يكن عدد العاملين بها يتجاوز 33 شخصا عام 1964 إلى خمسة آلاف عامل عشر سنوات من بعد، تحولت الأن إلى مجمّع قوي يوظّف أكثر من 120 ألف شخص يتوزعون عبر 17 مؤسسة كما يلي: 4 مؤسسات صناعية و 3 مؤسسات إنجاز و 3 مؤسسات إنجاز و 10 مؤسسات خدمات.
بفضل تطورها اللافت، صارت سوناطراك الشركة الأولى في إفريقيا، والثانية بين الشركات العالمية المصدرة للغاز النفطي السائل، والثالثة بين الشركات العالمية المصدرة للغاز الطبيعي، كما تحتل المركز الحادي عشر بين كبرى الشركات النفطية العالمية، وتمثل مبيعاتها حوالي 98في المئةمن إجمالي صادرات الجزائر، فضلا عن 25-30في المئةمن إجمالي الناتج الخام في البلاد.
منذ عام 1986 وقّعت سوناطراك أكثر من 53 اتفاقية مع شركات نفطية أجنبية لإجراء مشاريع مشتركة ضمن نطاق النشاطات الأساسية للشركة، و لم تؤد هذه الشراكات إلى انتقال مهم للخبرات التقنية الإدارية العالمية إلى الجزائر فحسب، بل ساهمت أيضا في خطوة أهم ، في زيادة مذهلة للاكتشافات النفطية و الغازية، مكّنت سوناطراك من تحقيق زيادات نوعية في الإنتاج بنسبة 30 في المئة، وجعلها تنتقل من 19 مليون طن معادل نفطي إلى 73مليون طن معادل نفطي العام الفارط.
أرقام فلكية
حققت "سوناطراك" رقما قياسيا جديدا للأعمال، بتسجيلها مداخيل بمستوى 10 ملايين دولار أمريكي خلال الثلث الأول من السنة الجارية، كما كسبت سوناطراك العام الماضي مداخيل ضخمة بحدود 58.5 مليار دولار، بزيادة 9 مليارات دولار عن السنة قبل الماضية، علما أنّ مبيعاتها في السابق لم تنزل تحت مستوى 22 بليون دولار أمريكي، وبواسطة تمويلها الذاتي لمشاريعها الغازية وتصديرها 6 إلى 7 مليارات متر مكعب في السنة، استطاعت إدارة سوناطراك تخفيض مديونيتها إلى خمسمائة مليون دولار العام الماضي بعد أن كانت بمستوى 2.4 مليار دولار، تمّ سداد الجزء الأكبر منها عن طريق الدفع المسبق.
وأحرزت إدارة سوناطراك 60 كشفا نفطيا جديدا خلال العامين الماضيين، فيما بلغ معدل الانتاج 1.4 مليون برميل يوميا خلال سنة 2006، لكنه انخفض ابتداء من الشتاء المنقضي بحوالي 75 إلى 80 ألف برميل يوميا بعد القيام بتطبيق قرار أوبك القاضي بخفض حصص إنتاج الدول المنتجة والمصدرة للبترول، وتعتزم الشركة تحصيل مليار دولار كضرائب على الفوائد الاستثنائية بنهاية العام الجاري، وذلك في شكل رسوم على الفوائد الإضافية التي تحققها الشركات البترولية الأجنبية العاملة في البلاد، وتسعى لرفع إنتاجها في 2010 إلى مليوني برميل يوميا من النفط و85 مليار متر مكعب من الغاز سنويا حيث تنتج البلاد حاليا 1،4 مليون برميل يوميا من النفط و62 مليار متر مكعب من الغاز سنويا.
شراكات بالجملة ومشاريع في الأفق
ذكر "محمد مزيان" الرئيس المدير العام لسوناطراك، في مقابلة مع "إيلاف" إنّ مجموعته ستستثمر نحو 30 مليار دولار في تطوير حقول النفط حتى عام 2010، بينها مخصصات تزيد عن 6 مليارات دولار، سترصد لتطوير مجال نقل المحروقات وتحسين الخدمات، وكشف عن نية الشركة الجزائرية استثمار ملياري دولار لتطوير خدمات نقل المحروقات خلال العام الحالي، وكانت سوناطراك قد وقعت مؤخراً على ثلاثة عقود بقيمة 240 مليون دولار مع الكونسورتيوم الجزائري اللبناني "كاناغاز-زاخن" والكونسورتيوم التركي "مانوسمان-امران نوكسال" والكونسورتيوم الجزائري- الفرنسي "باثينكو واست-سيكوموك".
وتستعد سوناطراك أواسط شهر ديسمبر/كانون الأول، لتسلم أول سفينة عملاقة ناقلة للنفط من نوع "في.أل.سي.سي" أطلقت عليها تسمية "مسدار" لنقل النفط الخام، وتبلغ سعة هذه السفينة العملاقة مليوني برميل، ويزيد طولها عن 330 مترا، وتعدّ هذه السفينة العملاقة، الأولى من نوعها التي تقتنيها سوناطراك، علما أنّ العملية أتت بموجب اتفاق شراكة أبرمه فرع "بتروليوم كوربورايشن "بي.في.أي" التابع للشركة الأمّ سوناطراك، مع الشركة اليابانية "كاوازاكي" لصناعة السفن في شهر فيفري/شباط الماضي، بينما تكفّلت الورشة البحرية "ناكس"، وهي شركة مختلطة بين الشركة البحرية الصينية (كوسكو) وكاوازاكي للصناعات الثقيلة، ببناء السفينة
ويأتي اقتناء سوناطراك لهذه السفينة الجديدة ضمن إستراتيجيتها الرامية إلى تعزيز أسطولها الناقل للنفط والغاز، حيث تسعى المجموعة بذلك إلى ضمان نقل نسبة 30 بالمائة من صادراتها بوسائلها الشخصية وعبر الشراكة في أفق سنة 2010، ثم إلى 50 بالمائة في أفق سنة 2015.
إدارة سوناطراك التي وقعت السنة الماضية، على 30 عقد شراكة مع شركات أجنبية ومحلية، تسعى منذ مدة إلى إيجاد شركاء من شأنهم أن يجلبوا لها قيمة مضافة لا سيما فيما يتعلق بالتكنولوجيا والتسيير والأسواق ذات الأهمية بالنسبة إليها، فكرت في بعث تحالفات في غاية الأهمية، على منوال شراكتها مع المجموعة الفرنسية "جاز دو فرانس" ما مكّنها من إنشاء "ميد أل أن جي" لتصدير الغاز الطبيعي المميع إلى السوق الأمريكية، كما وقعت سوناطراك خلال السنة الجارية شراكة إستراتيجية مع "إينيرجياس دي برتغال" واقتنت أسهما في رأسمال هذه الشركة البرتغالية.
وأفاد الرئيس المدير العام لسوناطراك، إنّ الشركة حيث حددت قائمة لمجموعة من الشركاء المحتملين على المدى البعيد، ممن يتوفرون بحسبه على نقاط تكامل مع المجموعة الجزائرية سواء في نشاطات ما قبل أو ما بعد الإنتاج أو فيما يتعلق بالأسواق، واستشهد بنموذج الشركة النرويجية "ستايت أويل"التي اشتركت في عملية استكشاف بأعماق البحر في مصر.
وشرعت سوناطراك في أول مشروع استثماري لها في الخارج بالبيرو بمشروع كاسيا، وفازت مؤخرا برخصة استغلال في حقول غدامس بليبيا في منافسة دولية دخلتها الشركة الجزائرية لأول مرة بمفردها، بجانب شروعها قبل أربعة أشهر، في حملة موسّعة لترقية المشروع الجزائري-النيجيري الخاص بأنبوب الغاز العابر للصحراء، وتبلغ طاقة هذا المشروع الذي تفوق تكلفته 10 مليارات دولار، ما بين 20 إلى 30 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سيتم نقلها نحو أوروبا عبر النيجر والجزائر اعتبارا بتداء من سنة 2015، علما أنّ هذا المشروع الذي يتضمن أيضا انجاز 20 محطة ضخ، يمتد على طول 4128 كلم منها 1037 كلم تمر عبر التراب النيجيري، و841 كلم عبر التراب النيجري، إضافة إلى 2310 كلم عبر الجزائر إلى غاية السواحل المتوسطية.
تنويع دائم وصعوبات في الأفق
تحرص سوناطراك على التنويع الدائم في أنشطتها، لذا أقدمت على اقتحام مجال "تحلية مياه البحر"، واقتنت لهذا الغرض 13 محطة عملاقة تصل طاقتها الإنتاجية إلى حدود 90 ألف متر مكعب يوميا، كما افتكت سوناطراك الشهر الماضي، حصة 25 بالمائة في المحطة الكهربائية الحرارية "سوتو ريبيرا" في "الأوسترايس" باسبانيا، وستدخل المحطة في التشغيل بداية من 2008 وبطاقة 400 ميجا فولط.
بالتزامن، لا تزال ثمة مصاعب فنية حالت دون استغلال سوناطراك لنحو 40 مليار برميل نفط، بسبب نقص في عتاد التنقيب حيث لا تملك مؤسسة التنقيب التابعة لسوناطراك، سوى 33 آلة للحفر، ما جعل المعدل الجزائري لا يتجاوز 8 آبار في كل 10 آلاف كلم، وهي وتيرة بطيئة جدا بالقياس مع المعدل الدولي المتمثل في مائة بئر في المساحة نفسها.
استيراتجيات المدى البعيد
حددت سوناطراك برنامجا للاستثمار للسنوات الخمس المقبلة بقيمة 44 مليار دولار، والذي ستقوم سوناطراك بتمويل الجزء الأكبر منه بالموارد المحلية المباشرة، إضافة إلى مصارف أجنبية تربطها اتفاقيات معها.
ويتصدر البرنامج مشروع خط " ميدغاز " الذي تبلغ تكلفته 440 مليون يورو، سيربط بين الجزائر وأوروبا عبر اسبانيا ويرتقب أن يضخ ثمانية مليارات متر مكعبة من الغاز، فضلا عن توفيره حوالي ملياري دولار بجانب المئات من الوظائف. وتساهم فيه سوناطراك بحصة 36 في المائة، مع الإشارة إنّ المشروع ينتهي العمل به في شهر يونيو/حزيران 2008.
وتبدي سوناطراك اهتماما بسوق الغاز الأمريكي وغاز المحيط الاطلسي، لذا تعتمد المجموعة استراتيجية خاصة من أجل تعزيز مواقفها في المحيط الاطلسي في حدود سنة 2015، عبر رفع حصة صادراتها من الغاز المميع بـ35 بالمائة (ما يمثل 12 مليار متر مكعب)، وكذا الى توسيع مجالات تدخلاتها في هذه السوق "حتى لا تبقى مجرد زبون وإنما شريكا" يتسنى له الاستفادة من المنشآت والشبكات القائمة والتكنولوجيات الجديدة من أجل "رفع فوائدها الى أقصى حد".
انتهاء، تتواجد سوناطراك حاليا في عديد الأسواق الدولية، بينها بلدان مجاورة مثل ليبيا وموريتانيا، إضافة إلى كل مالي ومصر ودول أخرى مثل البيرو وإيطاليا وإسبانيا وسنغافورة وبريطانيا وكوريا، بيد أنّ الشركة تخطط للتعاون مع شركاء جدد في كل من أمريكا اللاتينية وآسيا بعد أن تمكنت من اقتحام السوق الأوروبية.
ولا تزال المباحثات مستمرة مع الولايات المتحدة الأمريكية، من أجل أخذ حصة في مرفأين، علما إنّ حقل غاز "حاسي طويل" بجنوب الجزائر، وهو أكبر مشروع لتسويق الغاز المسال إلى الولايات المتحدة - تربو قيمته عن 7 مليارات دولار-، سيكون جاهزا في غضون العام 2010، وتعوّل عليه سوناطراك لرفع طاقتها الإنتاجية إلى مستوى 3 مليارات متر مكعب بحلول العام 2010.