اقتصاد

زلزال البنوك الخاصة في الجزائر

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

دعه ينهب... دعه يمر
زلزال البنوك الخاصة في الجزائر


كامل الشيرازي من الجزائر

تعود البنوك الخاصة وكل ما أورثته من نقاط ظل، لتحتل الواجهة، لا سيما مع تزامنها مع حملة الأيادي النظيفة، حيث تكشف التحقيقات التي أجرتها مختلف المصالح الأمنية والقضائية عن كارثة حقيقية جرى خلالها استنزاف الخزينة العمومية والفتك بأموال الشعب، وخلف كل هذا ينطرح أكثر من سؤال بشأن إمبراطور بنك الخليفة رفيق عبد المؤمن الذي كان مجرد صيدلي، وزعيم بنك التجاري والصناعي أحمد خروبي الذي كان بائعا للحلوى!!
ولم تكن فضيحة بنك الخليفة والخسارة التي تكبدتها الخزانة العامة بـ1.7 مليار دولار، سوى مقدمة لتعرية حجم التجاوزات المسكوت عنها في هذا البلد، لاسيما في منظومة البنوك الخاصة التي تمخضت ولا تزال عن كثير من الأسرار- الفضائح، والفوضى التي تضرب قطاع البنوك، في وقت ظلت تتهاطل تقارير المفتشية العامة للمالية من دون طائل وسط تأخر الإصلاحات البنكية بنحو 6 سنوات مع تنامٍ رهيب لمعدلات الرشوة، وهو ما يفسر عزوف ومخاوف كبار المستثمرين العالميين وكذا العواصم الأوروبية التي ظلت تشدد على الجزائر لكي توقف التحويل غير الشرعي لرؤوس الأموال نحو الخارج مثل الصندوق الجزائري الكويتي الذي خلّف ثغرة ضخمة بواقع 30 مليار دولار، بعد حكاية اختلاس 220 مليار سنتيم من صندوق الاستثمارات الكويتي الجزائري المتأسس عام 1998، التي تورط فيها المدير العام الجزائري الجنسية للصندوق.

أولى خيوط العتمة
تجلّت أولى النقاط المعتّمة التي ظلت تعلو سماء البنوك، مع القبض على مدير الشركة الجزائرية للبنك عمر دشمي وابنه اللذين أودعا السجن بسبب تورطهما حسب النيابة في تلاعبات واستغلال سيئ للثقة والنفوذ، في أعقاب تحريك 3 دعاوى قضائية بينها واحدة من طرف بنك الجزائر بسبب إخلالهما بقانون الصرف وحركة رؤوس الأموال، حيث اتضحّ أنّ دشمي وظّف على المقاس حكاية التوطين المصرفي لحساب شركة صينية للبناء باشرت عدّة مشاريع سكنية مع وكالة عدل بتيبازة والقليعة والدرارية، واستغل دشمي الحساب الخاص بهذه الشركة، مفرغا إياه من نحو 3.5 مليارات سنتيم، وتسبب بذلك في احتباس مالي كبير، كما اكتشف محذور استيراد حليب " جلوريا " من طرف مؤسسة " ماقيفود " التي يمتلك فيها دشمي وإبنه العديد من الأسهم، حيث جرى تحرير شيكات بدفع ما يربو عن 180 ألف أورو لفائدة متعامل فرنسي هذا الأخير أودع شكوى لدى محكمة بئر مراد رايس اشتكى فيها من عدم تلقيه أي سنتيم من قيمة التحويل، علما أنّه جرى حل وتصفية " ماقيفود " قبل دخول المتعامل إياه التراب الوطني بما محا أي أثر وخلق حالة فريدة من نوعها لا تزال حتى الآن محل تحقيق بالغرفة الخامسة على مستوى محكمة بئر مراد رايس.

تداعيات فضيحة القرن
لم تكن أولى محاكمات مجمع الخليفة التجاري المصفى وبنكه المفلس، سوى الشجرة التي تغطي الغابة كما يقال، وفي غياب المتهم الرئيس في القضية وهو الملياردير الهارب رفيق عبد المؤمن خليفة المقيم في بريطانيا، تبيّن من الاستماع إلى المتهمين وتوضيحات الشهود، حصول عمليات التزوير وتلاعب في الوثائق الرسمية، علما أنّ المحاكمة المذكورة استوعبت ما يزيد عن 500 معني بالقضية من بينهم 104 متهمين (10 غابوا عن المحاكمة) وأكثر من 280 شاهدا من ضمنهم وزراء وإطارات سامية وخبراء و120 ضحية مثلوا الطرف المدني.
وللدلالة على حجم الكارثة، تواجد 38 رئيسا مديرا عاما ومدراء عامين لمؤسسات وشركات وهيئات عمومية كبرى، ضمن لائحة المتهمين، لوضعهم أموالا طائلة في بنك الخليفة المتهاوي، وكذا إطارات في المجمّع المذكور إضافة إلى عدد كبير من الأشخاص اصطلح عليهم بـ(الوسطاء)، ووجّهت لعموم المتهمين بينها الإفلاس الاحتيالي وتشكيل عصابة لصوصية واختلاس الأموال واستغلال الثقة وتزوير المستندات واستخدام مستندات مزورة والفساد.
بينما تم توجيه تهم جرائم ''تكوين جمعية أشرار والسرقة المقترنة بظرف التعدد، والنصب والاحتيال'' إلى 31 متهما على رأسهم عبد المؤمن خليفة أو الملياردير الوهمي المتابع كذلك بتهمة (تبييض أموال وسرقة المال العام)، في أعقاب إقدام الأخير بحسب الادعاء العام على تقديم قروض خيالية لشخصيات بارزة مقيمة في الخارج، لم يتم تسديدها، ناهيك عن منحه هبات من أموال المودعين العموميين والخواص لفائدة نواد رياضية وفنية وكذا نجوم جزائريين وعالميين على غرار الممثلين السينمائيين الفرنسيين جيرار ديبارديو وكاترين دونوف، اعتمادا على بلوغ فوائد بنك الخليفة المنهار مستوى مغريا جاوز 17في المئة.
اللافت أنّ القضاء الجزائري أصدر أحكاما رحيمة في حق المتهمين، بعد أن كان الجميع يتوقع صدور أحكام لا تقلّ عن الحبس 20 سنة تبعا لحجم الفضيحة التي كلفت خسارة فاقت الخمسة مليارات دولار للدولة والمودعين.

العشر معلقات!
وصل عدد البنوك الخاصة " المعلّقة " في الجزائر إلى عشرة، كان آخرها مصرف "الريان الجزائري"، وتبيّن استنادا إلى بيانات بنك الجزائر المركزي، أنّ "الريان ألجيريان بنك" الذي حصل على الاعتماد بتاريخ الثامن أكتوبر 2000، لم يستجب إلى غاية الرابع مارس 2006 لأحكام النظام 04-01 المؤرخ في 4 مارس 2004 المتعلق بالحد الأدنى المضمون لرأسمال البنوك و المؤسسات المالية النشطة في الجزائر المعتمد تطبيقا للأمر 03-11 المؤرخ في 26 أوت 2003 المتعلق بالنقد والقرض".
وإذا كان مسؤول بارز في بنك "الريان" طلب عدم ذكر اسمه، جزم أنّ قرار سحب الاعتماد كان مفاجئا جدا بالنسبة للبنك الذي يقدّر رأس ماله حاليا بـ 1.7 مليار دينار، مضيفا أن آخر أجل لرفع رأسمال المصارف وسائر المؤسسات المالية وفق التنظيم الجديد هو تاريخ 31 مارس 2006 ،حيث يفرض عليها النظام المصرفي تحرير رأسمالها كاملا منذ إنشائه، فإنّ طائفة مهمة من زبائن المصرف متخوفون من تكرار سيناريو الخليفة، وعبّر أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، عن تشكيكهم في مدى صدقية عجز مصرف الريان عن رفع رأسماله إلى 2.5 مليار دينار، علما أنّ أغلبية المساهمين في رأسمال المصرف المذكور هم من دولة قطر، بالإضافة إلى رجل الأعمال المعروف "يسعد ربراب" وغيره من الصناعيين الجزائريين.
للإشارة، تم سحب الاعتماد من سبعة مصارف ومؤسستين ماليتين، منذ سنة 2003، وهي على التوالي: خليفة بنك، المصرف التجاري والصناعي الجزائري، الشركة الجزائرية للبنك، مونا بنك، أركو بنك، جينرال ميديتيرانيان"، يونين بنك، ألجيريان أنترناشيونال بنك، إضافة إلى الريان بنك، وهو ما معناه أنّ كل البنوك الخاصة ذات الرأسمال الجزائري تمت تصفيتها، وصارت الساحة المصرفية الجزائرية مقتصرة على 17 بنكا منها سبعة بنوك عمومية و خمس مؤسسات مالية فحسب.

الصفقات الوهمية واللصوص المحترفون
قضية البنك الصناعي والتجاري "البيسيا" التي استغرقت أكثر من سنتين من التحقيق القضائي والمحاكمات، كانت عنوانا هي الأخرى لتحويلات مالية بالملايين لصالح أشخاص وهميين في ملفات تعلقت أساسا بتبديد الأموال العمومية، الاختلاس والتزوير تورط فيها 56 متهما أهمهم الرئيس المدير العام للبنك المتواجد في حالة فرار رفقة ثلاثة من أبنائه وكذا بعض المستوردين والصناعيين المعروفين في الجزائر، بالإضافة إلى إطارات كانت تعمل في البنك الخارجي الجزائري الذي عدّ الضحية رقم واحد.
البنك التجاري والصناعي الجزائري خلّف وراءه ثغرة بـ 11.6 مليار دينار بما يعادل 1.32 مليون يورو، لينعم مديرها أحمد خروبي صاحب الستين عاما المتخصص في الصناعات الغذائية بمنفى من ذهب على الساحل الإسباني، ورغم أنّ البنك المذكور كان ملفه مفخّخا منذ البداية، إلاّ أنّه ظلّ ينشط عاديا، والمثير أنّ ألف شخص من كبار مدخري البيسيا تقدم ستمئة منهم فقط لاسترجاع أموالهم، فيما زهد ال400 الآخرين ما فتح المجال واسعا للسؤال والتأويل.
وتعود وقائع هذه القضية الشائكة إلى نهاية سنة 2003 بعد خلاف تجاري نشب بين البنك الخارجي الجزائري والبنك الصناعي التجاري الخاص الذي كان قد شرع في النشاط أشهرا قليلة قبل التاريخ المذكور حول ما يعرف بكمية هائلة من السفتجات صرفتها وكالات تابعة للمؤسسة المصرفية العمومية المذكورة بقيمة 1323 مليار سنتيم لحساب بعض المستوردين والشركات الخاصة عن طريق بنك "البيسيا"، لاسيما بعد أن جاوز هذا الأخير المدة القانونية وتلك الإضافية لإرجاع القيمة المالية الضخمة لهذه السفتجات.
وقد أدى تمادي مسؤولي البنك الصناعي والتجاري في عدم تخليص السفتجات المذكورة لصالح البنك الخارجي الجزائري، حسبما تنص عليه قواعد التعاملات التجارية بين البنوك إلى نصب مجموعة كبيرة من الشكوك حول حقيقة الصفقة المصرفية المذكورة قبل أن يقرر مسؤولو البنك العمومي تحريك دعوى قضائية في الغرفة التجارية سمحت بكشف مجموعة كبيرة من الفضائح والتجاوزات حول نشاط البنك الصناعي والتجاري بوهران.

هذه هي أسباب النزيف
إذا كانت منظمة "شفافية دولية" وعديد المصارف العالمية قيّدت ظاهرتي الرشوة والميوعة المصرفية كممارسة طاغية على منظومة التعاملات الاقتصادية والمالية الجزائرية، فإنّ عبد الرحمان حاج ناصر المحافظ السابق لبنك الجزائر ومدير يونين بنك في وقت مضى يقرّ صراحة بفشل تجربة البنوك الخاصة في الجزائر، ويتحدث جازما عن فقدان بنك الجزائر لقدرته على تحريك الأشياء وافتقاره إلى الكفاءة التقنية للتدخّل كمؤسسة مرجعية محورية جرى إضعافها، ويتوسم حاج ناصر أنّ الإشكال المطروح بحدة كامن في مصدر الأموال التي يتظاهر بها أصحاب البنوك، حيث يفترض أن يلزم بنك الجزائر كل من يريد إنشاء بنك خاص أن تكون له الملكية الفعلية للرأسمال، بدل اللجوء إلى السهولة، ويلاحظ حاج ناصر أنّ الجزائر تفادت النظام الأوليغارشي الروسي أين كانت روسيا تستوعب في وقت ما 2500 بنك خاص ، وعدا 25 منها لم تفلت البقية من أيادي المافيا.
ويعتبر من جهته ابراهيم حجّاس مالك يونين بنك، الذي صفي بعد 7 سنوات من النشاط في 13 جويلية 2004 إثر قرار الغرفة التجارية لمجلس قضاء العاصمة، بعد أن احتبس بشكل شبه كامل في ديسمبر 2003، أنّ بنكه ذهب ضحية الأزمة المتولدة عن إعصار الخليفة، واعترف حجّاس أنّ العراقيل بدأت منذ انفجار قضية بنك الخليفة، متصورا أنّ بنك الجزائر يتعامل بمكيالين مع الأشياء، وتصورّ أنّ من غطوا الحاج ناصر عاقبتهم العدالة في صورة عبد الوهاب كيرامان الذي أدانه مجلس الدولة بسبب ما أسماه استغلال النفوذ وخرق قوانين التعاملات المصرفية، ويتساءل حجّاس عن سر رفض السلطات السماح لبنكه الذي يعدّ عميد البنوك الخاصة في الجزائر - أنشئ عالم 1995 - بالتصرف في اعتماداته رغم الطلب الذي قدمه بتاريخ 8 نوفمبر 2003 ، ويحصرها الحكم القضائي في 97 مليون دينار مع أنّها تتجاوز 5.5 مليارات دينار مثلما قال.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
الهروب نحو المجهول
جزائر -

المشكلة أنّ السلطات ورغم تغنيها بالإصلاحات البنكية ومحاربة الفساد، إلاّ أنّها لا تزال كمن يحرث في البحر، تصوروا أنّ مسؤول جزائري طلع علينا اليوم ليعلن بدء الإصلاحات البنكية العام 2008، مع أنّها افتتحت العام 1999 تحت ظلال الملك السعيد بوتفليقة.. تصوروا