اقتصاد

قدوم عصر نووي آسيوي

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك


قدوم عصر نووي آسيوي


روبن ليم


تؤدي التغيرات في النظام الاستراتيجي العالمي بعد الحرب الباردة إلى وتيرة أسرع من الانتشار النووي في بعض المناطق العالم الرئيسية، والشرق الأوسط يشكل واحدة من مثل هذه المناطق، وشمال شرق آسيا تشكل منطقة أخرى.وفي شمال شرق آسيا، تظل اليابان القوة الكبيرة الوحيدة غير النووية، لكن اليابان قد تصبح أقل رغبة في الاعتماد في أمنها النووي على أمريكا - لأن اليابان تشعر بأنها أقل أمناً مما كانت خلال الحرب الباردة.

ومن هنا فإن هنالك الآن توازناً نووياً ناشئاً في شمال شرق آسيا، وعلاوة على ذلك، فإن التوترات التي تولدت في منطقة الصين - اليابان - كوريا المحورية، لها عواقب تمتد جنوباً، حيث تشكل رابطة أستراليا - إندونيسيا منطقة فرعية للأمن، ويمكن أن تجعل تبعات انتشار الأسلحة النووية في شمال شرق آسيا، إندونيسيا وأستراليا تقرران أنهما بحاجة إلى أسلحة نووية لأمنهما.
وفي شمال شرق آسيا، فإن "المحركات" الرئيسية للتغير الاستراتيجي تتمثل في الوتيرة الثابتة لتحدي قوة الصين وسياسة شفير الهاوية النووية والصاروخية التي تنتهجها كوريا الشمالية، وقد عكس تطوير الصين للأسلحة النووية ظروف الحرب الباردة, ضرورة ردع كلتا القوتين العظميين اللتين تملكان أسلحة نووية، وأدى خمود الحرب الباردة إلى جعل الصين حرة في تخصيص أسلحتها النووية لمصالح أخرى.


وكان امتلاك الهند لرادع نووي رداً بشكل أساسي على تحول الصين إلى قوة تملك أسلحة نووية، وكان للانتشار النووي لدى الهند تبعاته الخاصة به.
وهكذا فإن نطاق الصين الاستراتيجي الأكبر يقيم سلسلة جديدة من الديناميات التي يمكن بها للدول المتأثرة أكثر من غيرها أن ترد على امتلاك الصين للأسلحة النووية بتطوير أسلحتها الخاصة بها كردّ على الصين، ولأهداف أخرى أيضا، وتنضاف كوريا الشمالية إلى هذا المزيد الجامح، والتي امتلكت الأسلحة النووية للتعويض عن ضعفها الشديد وهشاشتها.


ومنذ انتهاء الحرب الباردة، يتزايد التهديد الكوري الشمالي لليابان بشكل مستمر، لكن الولايات المتحدة تفتقر إلى الوسيلة لممارسة الضغط على بيونج يانج، وفي هذه الظروف تعطي كوريا الشمالية لليابان سببا لامتلاك القدرات الهجومية، ويمكن استخدام تلك القدرات ضد الصين، دون حاجة اليابان إلى قول ذلك.


وبنظرة ثاقبة، إلى أي مدى يمكن لمثل هذه القدرات الهجومية أن تظل غير نووية؟
قد تعتقد اليابان أن القدرات الهجومية التقليدية يمكن أن تكون كافية لردع كوريا الشمالية، لكن قد لا يطول الأمر لتوصل اليابان إلى الاعتقاد بأن الرد الوحيد على الأسلحة النووية الصينية والكورية الشمالية هو سلاح نووي ياباني.


وتسعى أمريكا إلى إقناع اليابان أنها تظل حليفاً يعتمد عليه، وهي تأمل في أن "الردع الموسع" (المظلة النووية) إضافة إلى الدفاع الصاروخي سيكونان كافيين لإقناع اليابان بأنه يظل بإمكانها أن تعتمد على الولايات المتحدة، لكن هل سيكون كافياً لطمأنة اليابان؟


وهل سترغب الولايات المتحدة في القيام بذلك كما فعلت في الماضي لتأكيد حماية اليابان الاستراتيجية، عندما تكون العلاقة الأمريكية مع الصين تختلف جداً مع علاقة أمريكا السابقة مع الاتحاد السوفياتي؟ وهل يتلاءم التحالف الأمريكي مع مصالح اليابان كما كان الحال في الماضي، في ضوء الظروف الاستراتيجية المتغيرة؟


إننا لا نعرف الأجوبة على هذه الأسئلة، لكن من المحتمل أن تظهر نفسها عاجلاً أم آجلاً، إذا واصلت كوريا الشمالية سياستها المتمثلة في الاقتراب من شفير الهاوية، كما يفترض أن تفعل.
ومن هنا فما الضربة المحتملة التي تؤدي إلى تأثيرات في كل مكان من التوازن النووي الناشئ في شمال شرق آسيا, وخصوصاً في التشكيلة الأمنية بين أستراليا وإندونيسيا؟
يمكن لأستراليا، بسبب البعد، أن تحتمل الاعتماد أكثر من اليابان، على ردع موسع بالنسبة للصين وكوريا الشمالية، لكنها قد لا تختار القيام بذلك إذا قررت إندونيسيا في المستقبل امتلاك رادعها الخاص بها.


إن الوتيرة الثابتة لتحديث القوة في الصين، وخصوصاً قدراتها البحرية والصاروخية المتزايدة، سيكون لها أثر على إندونيسيا، مثلما هو على الهند، وإذا قررت إندونيسيا أنها تحتاج إلى أسلحة نووية، فقد تستجيب لأحداث غير مرتبطة بأستراليا، لكن أي عمل إندونيسي بهذا الخصوص سيؤثر على أستراليا التي يكون عليها أن تأخذ في حسبانها، القدرات الإندونيسية وليس فقط النوايا الحالية الملموسة.
ولا يجيء بشكل تلقائي، أن حيازة إندونيسيا لرادع نووي ستستدعي أستراليا أن تتابع قدرة نووية خاصة بها.


ولا يعني هذا أن امتلاك إندونيسيا لرادع نووي يمكن أن يتطلب، تلقائياً، من أستراليا أن تتابع قدرة نووية خاصة بها فقد تفضل أستراليا مواصلة الاعتماد على الردع الأمريكي الواسع، لكن على أستراليا أن تتحوط، فهي على الأقل، بحاجة إلى الحيلولة دون إغلاق خيارها بتخصيب اليورانيوم.


ومن هنا فإن أستراليا، لأسباب أمنية واقتصادية، تقاوم بنجاح، أوجه الشراكة العالمية للطاقة النووية التي يدعو إليها الرئيس بوش، والتي يمكن أن تتطلب من أستراليا أن تتخلى بشكل دائم عن خيار التخصيب، وهذه الشراكة التي أعلنت في شباط (فبراير) 2006، تركز على الخوف من امتلاك الإرهابيين لمادة انشطارية، ولهذا فإن الولايات المتحدة ترمي إلى إغلاق خيارات التخصيب أمام الدول التي لا تملك مرافق عاملة بشكل كامل لمحطاتها للطاقة النووية، ويمكن للدول التي تملك مرافق تخصيب قائمة أن تضمن أمن الإمدادات لتلك الدول التي تفتقر إلى الخيار لتخصيب اليورانيوم أو لا تختار القيام بذلك.


لكن أستراليا التي تملك 38 في المائة من احتياطي العالم المعروف من اليورانيوم متدني التكلفة، لن تبقى قانعة بوضعها من ضمن الدول التي تملك الأسلحة النووية، ومع أن أستراليا لا تصدر الآن سوى أكسيد اليورانيوم (الكعكة الصفراء) وليس لديها أي محطات طاقة نووية، فإن الأوقات تتغير بسرعة في الوقت الذي تحظى فيه صناعة الطاقة النووية العالمية بحالة انبعاث.


ويمكن لرئيس الوزراء الأسترالي، جون هوارد، أن يستخدم قضية التغير المناخي في تفسيخ خصومه المحليين، ويمكن للطاقة النووية أن تصبح أكثر اقتصادية إذا رفعت أسعار الفحم، مثلاً باستخدام تكنولوجيا "الفحم النظيف" الضروري لتقليص انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الذي يعتقد أنه السبب الرئيسي للاحتباس الحراري.


ويكتشف هوارد أيضا سخافات الموقف المناهض للطاقة النووية الذي يتخذه حزب العمال المعارض، ويظهر أن حكومته تضع مصالح توظيف العمال في صميم سياستها، وعلاوة على ذلك، فإن هوارد يظهر أنه يريد التصدي لأمريكا حول قضية ذات مصلحة قومية.


وفي الرد على الهواجس الأسترالية، أصبحت إدارة بوش راغبة في التفكير في وضع خاص لأستراليا (وكندا) في الشراكة العالمية للطاقة النووية، فقد قال دينيس سيرجن، مساعد الوزير الأمريكي للطاقة النووية، في شهر آب (أغسطس) أن قواعد خاصة" سيتم تطبيقها على أستراليا وكندا، وقال إن سبب هذا الاستثناء هو أن البلدين يملكان جلّ مصادر اليورانيوم العالمية القابلة للاستخلاص اقتصادياً.


ولم يجد ذلك التنازل قبولاً لدى بعض خبراء الانتشار النووي في الولايات المتحدة، وهم قلقون من أن الاستثناءات في الشراكة العالمية للطاقة النووية يمكن أن تشجع طموحات التخصيب لدى البرازيل والأرجنتين وجنوب إفريقيا، وتشترك أستراليا بشكل كامل في المخاوف الأمريكية من عواقب امتلاك الإرهابيين الإسلاميين لمادة انشطارية، لكن حتى أقرب الحلفاء، لا يرون الأمور بالطريقة نفسها دائماً.


ويمكن أن يكون الأمر كذلك خصوصاً عندما يتعلق بالأسلحة النووية، لأنها تمثل مصالح البقاء، وكذلك فإن أستراليا ستواصل الإبقاء على خياراتها لتخصيب اليورانيوم مفتوحة وعلى الأقل لأنها تعيش في منطقة لا يمكن التكهن حولها، والتي يظهر فيها توازن قوة نووية جديد.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف